لا حديث لسكان مدينة القيروان بكبيرهم وصغيرهم ونسائهم ورجالهم، سوى عن حادثة مقتل الفتاة غفران. روايات متقلبة تؤثث السهرات وانطباعات مختلفة تراوح بين التعاطف والتعجب حينا وبين المعقول واللامعقول حينا آخر. جلبابها لا يزال مضرجا بالدماء. شقيقاتها افتقدن الصديقة والملاذ الآمن فأغمي على بعضهن و«احترق كبد» والدتها التي تستقبل بسيل دموعها طابور المعزين حتى جف دمع عينيها وجفا النوم جفنيها. وعوض طعام الإفطار المعهود الذي تعودت التفنن في تصنيفه واقتناء مستلزماته، طبخ العشاء...عشاء الصدقة من أجل الغفران... انه عشاء الميت الذي وزع على الجيران كما توزعت بينهم الأحزان. تلك بعض تفاصيل واقعة مقتل الفتاة غفران الشريف(26 عاما) على يد جارها الكهل (41 عاما) بواسطة آلة حادة اخترقت جسدها ولم تمهلها الحياة لأكثر من ثلاث ساعات. «الشروق» كانت نشرت في عدد يوم الجمعة 27 اوت خبر الواقعة وبعض تفاصيلها ودوافع المشتبه فيه في قتلها. وجاء فيه أن فتاة لقيت حتفها مساء الأربعاء على يد جارها الكهل وهو أب (أربعة أولاد) بواسطة سكين بعد ثلاث ساعات من إقامتها بالمستشفى وذلك بالقرب من محل إقامتها بحي النصر بالقيروان أثناء مغادرتها منزل والديها برفقة صديقة لها من أجل كراء كسوة الزفاف. وقد تم إيقاف المشتبه فيه في كمين واعترف بقتله الفتاة كما أذنت النيابة العمومية بالبحث في الواقعة وعرض جثة الهالكة على ذمة الطب الشرعي. ونظرا لشدة الفاجعة التي أصبحت موضع حديث مدينة القيروان، زرنا منزل «غفران» من أجل استجلاء بعض التفاصيل وحسم بعض الروايات المتباينة. فوجدنا أحزانا مبعثرة وأكبادا محترقة...وتفاصيل عن إرساليات قاتلة. عند وصولنا منزل الهالكة بحي النصر بالقيروان وسط حي تلاصقت منازله، كانت السيدة عائشة قدح منهمكة في إخراج «عشاء ابنتها» دون ان تتوقف عن تلقي التعازي. موشحة بغطاء رأسها الأسود تخفي وجها كئيبا تعرف من خلاله أن عاصفة الفاجعة قد مرت من هنا وسحبت آخر بريق للفرح في شهر الفرح. فاجعة «انها كبدي التي احترقت...»، بهذه العبارات تنفجر بالبكاء فلا تجد عبرات تطفئ بها لهيب حرقتها. قبل ان تضيف ان ابنتها غفران هي سندها بعد وفاة والدها بعد ان حصلت على وظيفة(ممرضة) وأضافت أنها ابنتها الكبرى وأنها كانت بمثابة صديقتها. وعن تفاصيل مقتل فلذة كبدها، تقول الأرملة عائشة ان ابنتها غفران اتفقت مع صديقة لها على الذهاب معا لمساعدتها في كراء كسوة الزفاف (زفاف الصديقة). وذكرت انها غادرت المنزل حوالي الساعة التاسعة ليلا مرتدية جلبابها. وذكرت انه حوالي العاشرة والنصف ليلا وبينما كانت جالسة رفقة بعض أقاربها اتصل بها المشتبه فيه (حسب تأكيدها) ليخبرها ان ابنتها (غفران) تقيم في المستشفى وأنه طعنها. عندها توجهت مسرعة برفقة بناتها ومن كان معها للاطمئنان على صحتها. تشيح بوجهها الذي تدلى منه وشاح رأسها الأسود تعتصر بعض الدموع الشحيحة، ثم تقول انها عندما وصلت الى المستشفى وجدت ابنتها بصدد الحديث الى اعوان الشرطة. وذكرت ان ابنتها وصفت لهم كيف اعترض سبيلها أثناء عودتها وكيف طعنها بالسكين التي كانت معه كما سبق الوصف. وتقول الوالدة متحسرة انه نفذ وعيده وتهديداته بقتلها وذكرت انه اتصل بها قبل ساعتين من طعنها وتخاصم معها عبر الهاتف الجوال. إرساليات... قاتلة هذا الهاتف الجوال كان الاداة الرئيسية للحديث وقناة الاتصال بين المشتبه فيه والهالكة حسب شقيقتها رحمة التي اكدت انه تحصل على جميع ارقام هواتف غفران وشقيقاتها وانه كان كثيرا ما يرسل اليهن ارساليات قصيرة. وقدمت لنا عينة من ارساليات التوعد والتهديد التي ارسلها الى رحمة اضافة الى ارساليات صوتية وتسجيلات للمكالمات التي قدمتها لاعوان الامن كانت آخرها بتاريخ 22 أوت اي قبل الواقعة بثلاثة ايام. وذكرت رحمة ان المشتبه فيه ورغم كونه متزوجا وابا لأربعة ابناء، فانه رغب في الارتباط بالهالكة وذلك منذ اشهر عديدة اي قبل وفاة والدها. وذكرت انه عندما قررت غفران تجاهل طلبه الزواج منها بعد تطليق زوجته، اصبح يهددها ويعترض سبيلها ويتجول في الحي حسب قولها. وذكرت ان زوجة الهالك زارتهن وأعربت لهن عن قلقها مما بلغها من رغبة زوجها في الارتباط بغفران فاكدن لها ان الزواج بابنتهن لن يحدث. واستغربت رحمة من كيفية حصول المشتبه فيه على أرقام الهواتف رغم تغييرها وقالت ان هناك من يساعده في الحصول عليها. من جهته اكد العم محمد الشريف انه كثيرا ما لاحظ تجول المشتبه فيه قرب منزل الهالكة لكنه لم يكن يعلم بأمر التهديدات. قتلها... لأنه يحبها بمجرد تلقيهم خبر تعرض غفران الى الطعنة وتدخل بعض شهود عيان لنقلها الى المستشفى اين تم إدخالها غرفة العمليات الجراحية، تمكن اعوان الشرطة العدلية بالقيروان من ايقاف المشتبه فيه بعد ان نصبوا كمينا له في منزل والديه كما تم حجز السكين أداة الجريمة التي دلهم على مكانها تحت شجرة اين خبأها قرب موقع الجريمة. وقد تم ذلك قبيل ان تلفظ غفران أنفاسها جراء خطورة الإصابة بعد ثلاث ساعات من العناية المركزة رغم التدخل الطبي. وأثناء البحث اعترف المشتبه فيه بقتله غفران مؤكدا انه كان يحبها وانه اتفق مع الهالكة على الارتباط في وقت سابق بهدف الزواج بعد ترتيب طلاقه من ام أولاده الأربع، لكن عائلتها رفضوه حسب قوله واثروا عليها لتبتعد عنه. وذكر أنه حاول استعادة العلاقة من جديد وحاول إقناعها وتذكيره بحبه لها لكنه عندما يئس قتلها وذلك وفق اعترافه أمام الباحث. وقد تواصلت الابحاث والاستماع الى اقوال افراد اسرة الهالكة والاطلاع على الارساليات القصيرة التي زعمت شقيقة الهالكة ان المشتبه فيه هو من ارسلها ليهددها بسوء العاقبة. وفاة غفران خلفت الى جانب الحزن، حيرة عن مصير العائلة التي كانت الهالكة هي معيلها الوحيد من مرتب وظيفتها وهي التي تتكفل بدراسة شقيقاتها بعد وفاة والدهن التي لم تمض عليها سوى ثمانية اشهر... وهو ما يجعل هذه الاسرة في حاجة الى الدعم والمساعدة والتي وجدت بعضها في الجيران والاقارب في انتظار تدخل المسؤولين. وقد استغربت احدى الجارات ما وصفته ب«الروايات الخاطئة التي تتردد على السنة البعض عن علاقة الهالكة بالمشتبه فيه» مؤكدة ان «غفران» حسنة السلوك والخلق وهو ما أكده آخرون.