كان جمهور مهرجان المدينةبسوسة مساء الاربعاء مع سهرة طربية من نوع خاص أمّنتها فرقة «دفتر خانات» بقيادة الأستاذين رفيق الغربي ومحمد قفصيّة وهما صاحبا ألحان وتوزيع المقطوعات الموسيقية التي أثثت هذا العرض الذي عنون ب«مزج». رحلة الزمان والمكان «طبرقة»، «هكة نمشي»، «جولة في تيبازا»، «حومتنا»، «باريس»، «عطر المدينة»، «تليلة»، «تونس بين سماء وأرض»، «ربيع سوسة» و«يا هالترى» مقطوعات موسيقية برتبة جولات نقلها حقل دلالي جسمته شاشة خلفية ما إن تتخذ من الصور تعابيرا حتى تترجمها الألحان إلى إيحاءات تتجرّد من المكان وتكسّر قيود الزمان وتترك السامع في رحلة الاستبطان الذاتي والتداعي الحرّ من خلال تحالف لغوي بين الألحان المسموعة والصور في انصهار دلالي للعلامة السمعية البصرية وفي انسجام موسيقي بين الأصالة والمعاصرة. إبداع داخل الابداع لم تقتصر الجولة الموسيقية على الألحان والأمكنة فقط بل شملت جولة بين عدّة آلات موسيقية الى جانب الكمنجة والأورغ والباتري والقيتار باص والدربوكة، وجدنا آلات الايقاع التي تحاكي الطبيعة كصوت الريح والماء وآلات أفرو لاتينية كا«لكنغا» و«البنقس» وآلة الايقاع التي تعتمد في الفلامنكو «كاخون» إضافة الى الدف التركي والرق الشرقي و«الشقاشق» البربرية أو ما يعبر عنه ب «القراقب» فلم تكن هذه الآلات مجرّد أكسسوارات لملء فراغات بل وظفت كما ينبغي وأعطت سحرا للقطع المعزوفة مثلما عكست براعة كبيرة للعازفين وخاصة رياض بن عمر الذي جعل من أوتار الكمنجة ألسنة نطقت إبداعا وحاتم هميلة الذي تنقل بين مختلف آلات الايقاع ببراعة الكبار وأدخل الجمهور في نشوة خاصة وشكل مع تلميذه باسم شقرون سنفونية إيقاعية وكان توظيف كل هذه الآلات إبداعا داخل الابداع وعكس رفعة مستوى هذه المجموعة التي تستمدّ من التأسيس مبدأ ومن الابتكار منهجا جعل العديد يستغرب من عدم وجودها في حفل الافتتاح. للموسيقى رأي نادرا ما نعثر على وجود موسيقيين يحضرون عروض زملائهم في سوسة ولكن تواجد الكثير في هذه السهرة منهم من كان مختفيا وكأنه في حالة تنكر التقت «الشروق» بموسيقي تلقائي الحضور والتعبير وهو محمود بن يزة الذي لم يخف شدة اعجابه بالعرض وببراعة الموسيقيين وأضاف قائلا: «وصل العرض في بعض اللحظات الى نوع من الملل نظرا لتشابه بعض الألحان في مقطوعتين أو ثلاث ولكن عموما يبقى عرضا متميزا فيه الكثير من الابتكار». نقلنا هذا الرأي الى الأستاذ محمد قفصية الذي كان في دردشة مع المطرب حيدر أمير فأجابنا في تحمس: «لا أوافق ما لاحظه زميلي فكل المقطوعات لحنت ووزعت بطريقة مختلفة» وأكد كلامه حيدر قائلا: «ليس تشابها بين الألحان بل الأرضية الايقاعية التي ربما أوحت بالتشابه وهذا موسيقيا أمر مشروع وأعتبر أن العرض أكثر من ممتاز».