عرض «سحر «الكمان» للفنان أنيس القليبي الملحن وعازف الكمنجة وعازف الرباب والباحث في علم الموسيقى الذي انتظم بدار الثقافة ابن خلدون يوم 14 مارس 2008 كان لطيفا حميميا اذ حضره المولعون بالموسيقى عامة وبالعزف على الكمنجة خاصة من تلاميذ المعهد الوطني للموسيقى وبعض افراد الجاليات الاوروبية بتونس والاولياء الذين رافقوا ابناءهم فتمتعوا بما لحنه وعزفه هذا المبدع الذي جد في البحث في مجال الموسيقى واتقن العزف فنال الاعجاب والتصفيق الحاد. وانيس القليبي هو استاذ جامعي بالمعهد العالي للموسيقى بتونس وبالمعهد العالي للدراسات التطبيقية في الانسانيات بتونس وبالمعهد الوطني للموسيقى بتونس وقد عزف مع الفرقة الوطنية للموسيقى والاوركستر السمفوني التونسي والمعهد الرشيدي وفرق مدينة تونس وزخارف عربية ومع فرقة البحر الابيض المتوسط. أنّت الكمنجة فخشع الحاضرون والاكيد ان العمل مع هذه الفرق أفرز تجربة وقف على اهميتها وتنوعها وعمقها متتبعو الحفل.. فقد كانت اوتار الكمنجة طيعة لينة أنّت حين أراد لها ان تئن وشجت واشاعت الفرحة وهدهدت النفوس المتعبة فاسترخت ولطفت جو القاعة فتمايلت معها الجدران وتماوج ما علق عليها من لوحات زيتية احتفاء وترحيبا «بسحر الكمنجة» العرض الذي انسابت خلاله النغمات فخيم الصمت ولعل البعض رأى من خلال ما استمع له او تخيل الاضواء وقد تلألأت على سطح بحر تهادت امواجه وتبخترت بخيلاء ودلال تدغدغها نسمات صيف ثم توارت في هدوء شامخة عن لقاء مع صخور تزعج سكينتها او شاطئ يوحي بنهاية الرحلة. لقد استمع الحاضرون في خشوع تام ولم تصدر عنهم اية حركة او جلبة او مقاطعة بالتصفيق لعلمهم بضرورة ان يركز العازف وان يتمتع هو ايضا بما يصدر عن انامله وعن انامل الفنان نصرالدين شلبي الذي رافقه بالعزف على الدف والطبل والطار بانسجام تام ودون ان يشعر المتابعون للعرض بأي نشاز بين هذه الالات الايقاعية والكمنجة.. تاج محل.. ايقاع هندي رومنسي عزف انيس القليبي بعضا من سجله الحافل بالمعزوفات والاغاني كمعزوفة المسار التي لحنها «وفاء واقتفاء لابن خلدون» وحديث الاوتار واريج الخضراء ونشيد العلم وانصهار وجذور وعائشة وأحب الحياة أحب الوطن. واتحف الحضور بمعزوفات جديدة لمعزوفة «تاج محل» ذات المناخ الهندي اذ استعمل فيها الة ايقاع هندية واهداها الى زوجته عائشة اعترافا لها بالجميل على وقفتها الحازمة معه وتشجيعها اللامحدود له وتعبيرا عما يكنه لها من حب واحترام.. وفي معزوفة «العصفور العاشق» التي زقزقت الكمنجنة فيها فحل الربيع في القاعة وانشرحت الانفس فصفق الجمهور انتشاء وطربا. اما خاتمة العرض فقد كانت بمعزوفة «ذكريات من قرطبة» التي كانت مزيجا من الحنين الى ماضي ضاع واستلهاما من حاضر يرنو فيه الموسيقيون من خلال اقتفاء اثار الرواد الى مستقبل يتجاوز فيه الاولين بالتجديد والاضافة والبناء على اسس متينة وصلبة. كمنجة لا يخمد الطبل انفاسها اما الاضافة في عرض «سحر الكمنجة» لانيس القليبي فتكمن خاصة في اصراره على ان ترافق الات الايقاع الكمنجة دون ان تغطي عليها او تخمد صوتها فانسابت الرومنسية من الدف والرقة ومن الطبل والعذوبة من الطار فكونت مع الكمنجة موسيقى راقية لا تحتاج الى كلمات لتنفذ الى القلب وترسخ في الذهن ولعل هذا المزيج الصعب والاصرار على جمع ما لا يجتمع هو الذي جلب له التتويج الدولي اذ انه حاصل على الجائزة الدولية للعزف على الكمان بمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية بدار الاوبرا المصرية بالقاهرة وعلى جائزة الملتقى العالمي لالة الكمنجة بمهرجان جرش الدولي بالاردن وعلى جائزة مهرجان الاغنية الاذاعية العربية والمقطوعات الموسيقية (الدورة 7 بالكويت) التي نظمها اتحاد الاذاعات العربية. اما وطنيا واضافة الى وسام الاستحقاق الثقافي لسنة 2006 فقد تحصل انيس القليبي على جائزة افضل عازف تونسي لسنة 2006 وعلى جائزة مهرجان الموسيقى التونسية في ماسبقة المعزوفات (الدورة 18) بمعزوفة المسار «وفاء واقتفاء لابن خلدون».