تحتاج عديد الأسر التونسية وخصوصا ببعض المناطق الداخلية الى تعزيز قدراتها في تربية الأبناء والى تغيير طرق تنشئتها للأطفال خاصة بالمناطق الداخلية التي لم تبلغ فيها محاضن الأطفال ومؤسسات الطفولة المعدل الوطني(دون ال10 بالمائة) في التكفل بجانب من التنشئة مقابل مباشرة الوالدين لتربية الأطفال. وهو ما يفتح ملف تأهيل الأولياء لإكسابهم مهارات تربية ورعاية الأبناء بشكل يراعي جميع الجوانب المتعلقة بنمو الطفل ورعايته الاجتماعية والنفسية والتربوية الى جانب مساعدة الأولياء على إيجاد الحلول المناسبة لهذه الإشكاليات التي تقر الجهات المختصة بأنها صعبة. وفي هذا الاتجاه مثل محور «تعزيز قدرات الأولياء لضمان تنشئة أفضل للأبناء» عنوان الملتقى الإقليمي حول برنامج التربية الوالدية الذي نظمته وزارة شؤون المرأة والطفولة والمسنين بالتعاون مع الصندوق العالمي للطفولة «اليونيسيف» يوم الجمعة 17 سبتمبر بالقيروان. وتناول الملتقى مداخلات علمية لثلة من الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين وأطباء الأطفال ومرشدين في الإعلام والتوجيه المدرسي ومندوب حماية الطفولة وأخصائيي الاتصال. وتطرقت الى المبادئ التربوية المعتمدة في التعامل مع الطفولة وأهمية الإحاطة النفسية والحلول السلمية في علاج المشاكل الأسرية كما تناولت دور العائلة في الوقاية من السلوكات السلبية من عنف وانقطاع عن التعليم وبيان مسؤولية العائلة في حماية حقوق الطفل كما تطرقت المداخلات الى «الحلول» من خلال تقديم خطة تواصلية للتربية الوالدية على ضوء المسح الشامل لمختلف الإشكاليات تخللتها نقاشات حول تفعيل التوصيات على أرض الواقع. مساعدة الأسرة في التنشئة ولدى افتتاحها أشغال الملتقى الاقليمي، أبرزت الوزيرة ببية بوحنك الشيحي ان نسبة التغطية برياض الأطفال بلغت 31٪ و72٪ للأقسام التحضيرية مشيرة الى ما يرمي اليه برنامج التربية الوالدية من تواصل وإحاطة بالأسرة ومن حرص على تمكين الأولياء من المهارات التي تساعدهم على الاضطلاع بوظائفهم الأساسية في تربية الأبناء ورعايتهم رعاية شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب المتعلقة بنمو الطفل من الناحية الاجتماعية والنفسية والتربوية مشيرة الى ضرورة مرافقة الأولياء في مواجهة الوضعيات الصعبة التي تواجههم في مجال تربية الأبناء. مساعدة المجتمع للأسرة من جهتها بينت السيدة ماريا لويزة فورنارا ممثلة «اليونيسيف»، ان الملتقى الاقليمي يلتئم بعد أسابيع قليلة من انطلاق فعاليات السنة الدولية للشباب وقبيل ايام من انعقاد قمة نيويورك للتنمية. وبينت ان اتفاقية حقوق الطفل التي نحتفل بذكراها العشرين تؤكد أن الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع وفضاء طبيعي للنمو ونماء أفرادها وخصوصا منهم الأطفال». كما أوضحت ممثلة اليونيسيف ان دور الأسرة لا يلغي دور المجتمع والدولة في توفير الفضاء القانوني والإداري والاجتماعي والدعم والمساعدة. وبينت ان الدولة مدعوة بالتالي الى تنمية التربية الوالدية وتخصيص الوقت للوالدين لتعليم ابنائهم. وبينت ان نحو 70 بالمائة من الاطفال ما بين 3 و5 سنوات في تونس لا يلتحقون بمرحلة ما قبل الدراسة مشيرة الى ان هذا الرقم يعد كبيرا. في الوقت الذي يرتبط فيه نجاح الطفل والشاب باكتمال حظوظه وتشبعه من مبادئ التربية في تلك الفترة العمرية. وختمت بالقول ان التربية الوالدية هي عمل إرادي واعتيادي من قبل الأولياء الراغبين في تحسين علاقاتهم مع الأبناء بهدف إنتاج سلوكات ايجابية وذلك من خلال مراجعة دورهم التربوي وتنمية قدراتهم واستغلال الموارد التي يوفرها المحيط الاجتماعي. وتناولت مداخلات الأخصائيين المتدخلين في الملتقى، طرق وآليات تربية الطفل في الوسط الأسري ومبادئ التربية التي يجب إتباعها وتحديد مسؤولية العائلة وحقوق الطفل وفق المرجعيات القانونية كما بينوا ملامح خطط تحقيق أهداف التنشئة السوية للطفل ومساعدة الأولياء على تفهمها. «التربية البيضاء» وفي حديثه ل«الشروق» عن المبادئ التربوية في التعامل مع الطفل التي جاءت في مداخلته، بين الدكتور صلاح الدين بن فرج (الأستاذ الجامعي في علم اجتماع الأسرة) أن الطفولة المبكرة هي المرحلة الأساسية التي تبنى عليها العملية التربوية وتأمين انطلاقة طيبة للطفل التي يمكن في المقابل ان تنقلب الى الانحراف وتعود بالمضرة على الأسرة والمجتمع. واكد ان اعتماد مبادئ أساسية في التربية مبنية على مرجعية حداثية علمية وتقوم على ترسيخ الثقة والحرص على احترام الطفل وفق إمكاناته حتى لا يشعر بالإهانة. ومن بين هذه المبادئ أيضا بحسب الدكتور بن فرج هو التخلي عن مبدا العنف في التعامل مع الطفل مقابل تشريكه ومحاورته مبرزا ما للضرب من آثار سلبية نفسية وعضوية (حالات موت عند العنف او ان يصبح الطفل عنيفا) وأكد ان كل أشكال العنف تترك أثارا والطفل على ما نربيه مطلقا على العنف وصف «التربية السوداء». وتشترك في تربية الطفل عدة أطراف ويرى الدكتور بن فرج أن على الوالدين ان يختاروا لأبنائهم الفضاء المناسب لتربيتهم بعيدا عن المجازفة في توكيل امر تربية الطفل الى جهات غير مؤهلة. داعيا الى تشجيع الطفل على ان يصلح أخطاءه بنفسه وان يقيم ذاته ويحترم شخصيته من خلال مبدا الشرح والتفسير وليس بأسلوب المقايضة والعقاب وختم بالقول «لا يوجد ابناء غير مطيعين وانما آباء غير مؤهلين». ودعا الدكتور وحيد قوبعة (أخصائي نفسي للأطفال) الى اعتماد مبدا الحوار لتسوية الصراع بين الآباء والأبناء مبرزا سلبيات هذا الصراع ونتائجه على الجانب النفسي والذهني للطفل الذي يعد جيل المستقبل. مهيبا بدور الوالدين في توفير التنشئة النفسية السليمة ودور التماسك الأسري للعائلة في استقرار الطفل موضحا ان مؤشرات الحوار والتواصل بين الوالدين من شانها ان توفر فضاء مناسبا لتربية «الطفل الملك». حقوق الطفل ومسؤولية الأسرة السيدة عائدة غربال المندوبة العامة لحماية الطفولة استعرضت جملة من المواد القانونية الضابطة لحقوق الطفل ومسؤولية الوالدين. مؤكدة انه من الواجب على الوالدين حسن تربية الأبناء ومن حق الطفل في الرعاية لكون الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية أفرادها، كما أوضحت ان المسؤولية الأساسية للوالدين تنطوي على رعاية الطفل وتأمين تربيته ونموه. كما استعرضت المسؤوليات الراجعة إلى الدولة واهمها مسؤولية تقديم المساعدة اللازمة للوالدين، خاصة العاملين منهم ووقاية الأطفال من شتى أشكال العنف أو الضرر أو الإهمال أو إساءة المعاملة والاستغلال (المادة 19). حذار من المعينات وفي سياق مداخلته، أشار الخبير الاتصالي الدكتور رياض الفرجاني الى صعوبة وأهمية طرح الخطة التواصلية للنهوض بالتربية الوالدية، في ظل تلقي اكثر من 75 ٪ من الأطفال للرعاية الأساسية في المنزل (لدى الوالدين) في مرحلة ما قبل الدراسة. وبين ان الدراسات الميدانية التي أجريت بينت ان غالبية الآباء والأمهات يفتقرون الى المعلومات والمهارات الضرورية لتوفير بيئة تربوية محفزة للأطفال في المنزل خاصة في المجالات المتعلقة بالتنمية الاجتماعية والعاطفية موضحا «ان الإنجاب في بعض الأسر مسألة طبيعية». كما بين ان التعويل على المعينات المنزلية غير مأمون العواقب مما يجعل الآباء والأمهات في حاجة الى تطوير معارفهم ومهاراتهم وسلوكات تربية الأبناء. مؤكدا ان التربية الوالدية هي جملة المعارف والمهارات التي يتلقاها الوالدان بهدف إعدادها لتنشئة الأبناء تنشئة سليمة ومتوازنة. وأوضح الدكتور الفرجاني من جهة ثانية ان التربية الوالدية ليست من مشمولات العائلة وحدها مقرا بمسؤولية الدولة في عديد الإجراءات التي من شأنها تمكين الآباء من تربية الأبناء. وبين انه تم الرجوع الى الدراسات الميدانية التي تطرقت الى التربية الوالدية والى أراء الخبراء والمختصين والمهنيين أفضت الى تبويب 85 إشكالية متعلقة بالتربية الوالدية. وبين الدكتور الفرجاني ان تداخل الإشكاليات بعضها ببعض يعود الى مراكمة المشاكل ونتيجة لعدم حل عدة إشكاليات او لم يتم حسمها نهائيّا. مشيرا الى ان الإمكانية الوحيدة لذلك هو التواصل(بخلاف الاتصال) نافيا ان تكون هذه الطريقة مفتاحا سحريا للمشاكل الاجتماعية. لكنه شدد في المقابل على ضرورة تضافر جهود الجهات المتدخلة والتنسيق بينها(التعبئة) والتعريف بالخدمات المتاحة وإعطاء الأولياء مهارات لتغيير سلوكات خطيرة وغير صائبة. وأوضح انه من بين وسائل تغيير السلوك هو الالتزام بالقانون الذي يعد جزءا من الحل وتقديم الأفكار والمعلومات والمخاطبة المباشرة. تغطية ضعيفة لرياض الاطفال؟ التقاء عدد كبير من المختصين المتصلين بعالم الطفولة الدقيق سيمكن من اكتساب بعض الآليات وتلقي المعلومات والمهارات بخصوص التعامل مع الطفل أمام ضعف تغطية مؤسسات الطفولة بالمناطق الريفية. ويحتاج الوالدان كذلك الى التعرف الى مثل هذه التوصيات كما تحتاج عدة جهات داخلية الى تعزيز مؤسسات الطفولة ومراقبتها. وفي لقاء خصت به «الشروق» أبرزت السيدة فوزية جابر المديرة العامة للطفولة بوزارة شؤون المرأة والأسرة والمسنين في هذا الخصوص أن الملتقى الاقليمي شاركت فيه مختلف الوزارات لدعم قدرات الأسر التي لا يتسنى لها إرسال أبنائها الى رياض الأطفال. وبينت ان نسبة التغطية لا تزال ضعيفة بعدة ولايات (القيروان والقصرين وسيدي بوزيد) وتسجل حضورا دون المعدل الوطني (30٪) ودون المطلوب ولا تتجاوز ال10٪ ببعض الجهات وذلك بسبب تشتت السكان. وأكدت وجود مساع نحو توسعة نسبة التغطية عبر إحداث رياض أطفال من خلال التشجيع على الاستثمار داخل المناطق الريفية والمناطق ذات الكثافة السكانية الضعيفة وتشجيع الجمعيات التنموية على التدخل والاستفادة من المنح(14 الف دينار). وبينت ان ذلك يهدف الى تمكين الطفل من فرصة الالتحاق بمؤسسات الطفولة. وأكدت ان مؤسسات الطفولة(المبكرة) من محاضن ورياض أطفال هي آليات تسمح للطفل بتكوين شخصيته وبيداغوجيته من خلال اللعب واللغة الحسية وفق دليل بيداغوجي يضبط طرق تأهيل مروضات الأطفال وذلك قصد تنمية القدرات النفسية والذهنية للطفل في هذا الوسط وفق أسس تربوية علمية سليمة.