المطلوب ان يكون الموقف العربي بشأن القضية الفلسطينية، والذي سيصدر عن قمة سرت التي تبدأ اليوم، موقفا جذريا يأخذ في الاعتبار كل ما مر به من تجارب سابقة في التعاطي مع مسيرة المفاوضات. فليس من المقبول ان تتحول كل الجهود العربية الى المطالبة بوقف الاستيطان فقط، والذي لا يمكن الا ان يكون قضية مغلوطة جديدة تستفيد فيها اسرائيل من الاهتمام الذي يوليه لها الجانب العربي، وتغنم من ورائها المزيد من الوقت لتنفيذ مخططاتها. فالجانب الرسمي الفلسطيني يأمل (حسب تصريحات احد اعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير) ان يعمل الطرف العربي، بعد القمة العربية، على التوجه الى مجلس الأمن الدولي... ل«تجريم الاستيطان». والخطر، كل الخطر ان يتوجه الجانب العربي الى مجلس الأمن للمطالبة بردع اسرائيل في قضية فرعية، ليخلق بذلك سابقة جديدة وخطيرة وهي جعل تجميد الاستيطان، أعلى ما يمكن ان يطالب به الجانب العربي والفلسطيني. صحيح ان التوجه الى مجلس الأمن الدولي هو التمشي المطلوب الآن، بعد كل التسويف الذي مارسته اسرائيل خلال مسارات التفاوض المختلفة منذ 1991، ولكن ليس للمطالبة بإجبار اسرائيل على مواصلة تجميد الاستيطان، بل لوضع مجلس الأمن الدولي وكل المجموعة الدولية أمام مسؤولياتها التاريخية في ما حل بالشعب الفلسطيني، ولبحث هذه القضية من كل جوانبها. فالأممالمتحدة أعطت «شرعية» مزيفة لوجود الكيان الاسرائيلي، ولكنها ثبتت حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته على ما بقي من فلسطين، وفي العودة، وفي رفض الوضع القائم عبر الاحتلال منذ 67 وما تلاها من حروب واعتداءات اسرائيلية، عبر قرارات معلومة ولا لبس في وضوحها. والمطلوب تفعيل كل تلك المكاسب، بالعودة الى الأممالمتحدة ونفض الغبار عن كل القرارات الدولية، التي يجري تجاهلها الآن. من مصلحة اسرائيل ان يتجاهل العالم كل المرجعية الدولية التي حفظت حقوق الشعب الفلسطيني من النسيان، ولكن ليس من مصلحة السلطة الفلسطينية (وأن كان يمكن جدلا على الاقل ايجاد بعض الاسباب المخففة في الحكم عليها بالنظر الى حجم الضغط الذي تتعرض له، وحجم الضعف الذي باتت عليه) ولكن ليس من حق العرب السير في هذا النهج، والمساهمة في تجاهل المرجعيات السابقة من خلال اذعانهم للواقع الجديد الذي تحاول اسرائيل فرضه، بجعل تجميد الاستيطان، «تضحية كبرى» من قبيل «سلام الشجعان». اسرائيل لا تتنازل ولا تنوي ذلك مستقبلا. واسرائيل أثبتت انها لا تريد سلاما، وفي تجارب التفاوض السابقة ما يكفي من الدروس، لاستخلاصها والتصرف على هديها. فلا مجال لإسرائيل لمواصلة المماطلة والتسويف بعد الآن. وتلك مسؤولية العرب.