محمد الهادي الزعيم: رئيس اللجنة الوطنية لتقييم التعليم العالي كثر الحديث في المدة الاخيرة في عدد من الصحف على تصنيف الجامعات التونسية. وتداولت بعض الاوساط، كما في سائر البلدان الاخرى، الحديث حول جودة التعليم العالي في تونس بعد صدور العديد من التصنيفات الدولية للجامعات وبالخصوص: تصنيف شنغهاي الاكاديمي للجامعات الذي بيّن أن جامعاتنا كسائر الجامعات العربية غائبة في هذا التصنيف. تصنيف مؤسسة WEBOMETRICS الاسبانية الذي يعتمد على حضور المؤسسات الجامعية على شبكة الانترنت. وقد أثار هذا الاخير استياء خاصا، لا بسبب الترتيب السيء لجامعاتنا على المستوى العالمي بل وحتى على المستوى العربي والافريقي، إذ تبيّن أن مؤسستين جامعيتين تونسيتين فقط متواجدتان بين المائة مؤسسة الافريقية الاولى حسب هذا التصنيف. لنفهم أولا معنى هذه التصنيفات. فيما يخص تصنيف شنغهاي الاكاديمي للجامعات، فإن هذا التصنيف عمل يقوم به معهد التعليم العالي التابع لجامعة شنغهاي جياوتونغ ويضم كبرى مؤسسات التعليم العالي مصنفا وفقا لصيغة محددة تعتمد بعض المعايير لتصنيف أفضل الجامعات في العالم بشكل مستقل. وقد كان الهدف الاصلي لهذا التصنيف هو تحديد موقع الجامعات الصينية في مجال التعليم العالي ومحاولة تقليص الهوة بينها وبين أفضل الجامعات النخبوية في العالم وهو يعتمد المعايير التالية: مؤشر عدد خريجي المؤسسة الذين حصلوا على جوائز نوبل وأوسمة فيلدز (Médailles Fields). وتعتبر هذه الاخيرة معادلة لجائزة نوبل بالنسبة الى الرياضيات. مؤشر عدد أعضاء هيئة التدريس الذين حصلوا على جوائز نوبل وأوسمة فيلدز. مؤشر الباحثين الأكثر استشهادا بهم في مختلف التخصصات العلمية. مخرجات البحث وهو مؤشر للمقالات المنشورة في مجلة الطبيعة والعلوم. عدد المقالات الواردة في دليل النشر العلمي الموسع ودليل النشر للعلوم الاجتماعية. مؤشر النجاعة الاكاديمية الذي يأخذ بعين اعتبار حجم المؤسسة. ولا يعتبر في هذا التصنيف إلا الجامعات التي تتضمن على الاقل حاصلا واحدا لجائزة نوبل أو مستوى عاليا من البحث حسب المعايير المذكورة (حوالي ألف جامعة)، ولا يهم النشر على الواب إلا الخمسمائة الاولى منها. وتحتل الجامعات الامريكية الصدارة في هذا الترتيب، إذ تتواجد 17 منها من بين العشرين الاوائل مقابل جامعتين أوروبيتين وجامعة آسيوية فحسب. كما تتواجد 58 منها من بين المائة الاولى و187 من بين الخمسمائة الاولى. ولا توجد إلا ثلاث جامعات افريقية في هذا الترتيب وجامعة عربية واحدة. وتتصدر جامعة هارفارد الامريكية هذا الترتيب للسنة الثامنة على التوالي منذ إحداثه. ويمكن للمتمعن في منهجية هذه المعايير من أن يستنتج أن هذا التصنيف يشكو من بعض الانحرافات، منها: أن هذا التصنيف مبني أساسا على البحث العلمي. وبالرغم من أهمية البحث العلمي في منظومة التعليم العالي فإنه لا يمكن اختزال دور وجودة التعليم العالي في جانب البحث العلمي فقط. إضافة الى ذلك، فإنه يعطي في هذا المجال وزنا كبيرا للحاصلين على جوائز نوبل وأوسمة فيلدز والكل يدري الظروف الموضوعية والذاتية التي تحدد إمكانية الحصول عليها. أما الانحراف الثاني لتصنيف شنغهاي فهو ما يسميه الاخصائيون ب«المنحى الأنقلوسكسوني» إذ يعتمد أساسا النشر العلمي الذي يتم باللغة الانڤليزية، مما يقصي كثيرا من البحوث القيمة والتي يتم نشرها بلغات أخرى. أما تصنيف مؤسسة وابومتريكس WEBOMETRICS (والاسم يتكون من كلمتي واب والتي تعني شبكة الأنترنت ومتريكس والتي تعني القيس) فإنه مبني على قيس حضور المؤسسات الجامعية على شبكة الانترنت. ويعتمد هذا التصنيف على المعايير التالية: الحجم (size) وهو عدد الصفحات المتحصل عليها عن طريق محركات البحث الكبرى. المنظومة (visibility) وهي تقاس بعدد الروابط الخارجية التي يتلقاها الموقع (linlinks) ويتم ذلك عن طريق محرك Yahoo Search. عدد وحجم الأوراق العلمية المنشورة على الموقع (rich files) بعد التثبت من وجاهتها. عدد الورقات العلمية المصنفة والمعتمدة كمراجع حسب كما يمكن قياسه محرك البحث المتخصص في الميدان (Google scholar). ويعتبر تصنيف ويبومتريكس أوسع من تصنيف شنغهاي لأنه يشمل حاليا أكثر من 12000 جامعة. وعلى غرار تصنيف شنغهاي، تحتل الجامعات الأمريكية الصدارة في هذا الترتيب، إذ تتواجد 76 منها من بين المائة الأوائل. كما تتواجد 200 منها من بين الخمسمائة الأولى و370 من بين الألف الأولى، ولا تجد من بينها إلا خمس جامعات أربع افريقية وواحدة عربية. لماذا تم تصنيف جامعاتنا تصنيفا سيئا؟ من انحرافات تصنيف شنغهاي أنه يميز البلدان الكبيرة الحجم سكانيا واقتصاديا ويعطيها آليا الفرصة للحصول على المراتب الأولى، وتثبت الحسابات أنه لو تم احتساب المؤشرات باعتبار حجم البلدان لتقهقرت الولاياتالمتحدة التي تحتل المرتبة الأولى مثلا الى مراتب متأخرة بالنسبة الى بلدان أخرى أقل حجما مثل بلدان أوروبا الشمالية. وهذا المنحى يقصي آليا البلدان الصغيرة الحجم سكانيا واقتصاديا حتى ولو كانت ناجعة أكاديميا. ومما يفسر غياب جامعاتنا عن الترتيب (بالنسبة لشنغهاي) أو تقهقرها في مراتب متأخرة هو أن نشر الورقات العلمية يتم تحت راية الكلية أو المعهد أو مركز البحث (وهي أجزاء من الجامعة) وليس تحت راية الجامعة مما يسبب تشتتا لا ينتفع منه أي طرف. والشاهد على ذلك هو أن بعض الجامعات التونسية لها من الانتاج العلمي المصنف ما يمكن أن يضعها في تصنيف أحسن من بعض مثيلاتها المتواجدة في تصنيف شنغهاي أو ويبومتريكس. وعلى سبيل المثال، فإن الباحثين المنتمين الى جامعة صفاقس قد نشروا في سنة 2008، 1383 مقالة علمية في المجلات المصنفة وغابت الجامعة عن التصنيف، بينما برزت جامعة الملك فهد للبترول والمناجم ولو في مرتبة نسبيا متأخرة ولم ينشر باحثوها إلا 831 مقالة. وبصفة عامة فإن تونس تحتل المرتبة 49 على 217 دولة في عدد المقالات العلمية المنشورة بالمجلات المفهرسة، والمرتبة الثالثة افريقيا وعربيا. وهي مرتبة مشرفة جدا ويمكن أن تحتل تونس المرتبة الأولى في المنطقتين لو تم اعتبار عدد السكان في احتساب المؤشر. أما فيما يخص التصنيفات التي تعتمد الحضور على شبكة الأنترنت (ويبومتريكس)، فإن الأمر يرجع أولا لضعف تواجدنا على شبكة الانترنات، وهذه حقيقة يجب الاقرار بها وعند تواجدنا، فإن ذلك يكون بطريقة مشتتة للجهود، لأن كل مؤسسة لها موقعها وليست منضوية تحت موقع واحد وهو موقع الجامعة كما هو معمول به في الخارج.