اعداد أمين بن مسعود وعبد الرؤوف بالي تونس «الشروق»: يعيش لبنان، ومن ورائه العالم العربي، حالة من الانتظار القلق لما سيفرزه القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة برفيق الحريري من اتهام ومن أبعاد وتداعيات محلية واقليمية القرار الذي لم يصدر بعد رسميا على الأقل، أدخل البلاد في جو من الانقسام والتشرذم وزاد من حدة الاستقطاب السياسي اللبناني على الرغم من الجهود المبذولة من طرف دمشق والرياض لجسر هوته أو التخفيف من سطوته. ذلك أن فريق المعارضة «8 آذار» رأى في التسريبات الاعلامية والتصريحات السياسية التي تتحدث عن اتهام المحكمة الدولية ل«حزب الله» باغتيال الحريري ناقوس خطر يستوجب الوقوف عنده بل واعتبرته أطراف من داخل المقاومة اللبنانية عدوانا على المقاومة لا يقل خطورة عن عدوان 2006. فيما رأى فريق الاغلبية «14 آذار» أن استباق القرار الظني تسرع في الحكم واضطراب في الرؤية ومجلبة لسوء الظن وأن اعتماد ردود منفعلة ومفتعلة على اتهام لم يصدر بعد محاولة جديدة لتغييب الحقيقة ولتغليب منطق القوة على منطق العقل... وبين الرأيين والمقاربتين، يبقى تساؤل محرج عن مصير لبنان ومصير العيش المشترك بين مكوناته ومصير «الطائف» والطوائف الدينية والعرقية في أرض الأرز. وبين الفريقين وخطيهما الحاد تظل استحقاقات الوحدة والتضامن رقما صعبا يصعب ان لم نقل يستحيل تجاوزه مهما كان الاختراق الدولي والاقليمي جليا وقويا في مواقف الاطراف السياسية اللبنانية ورؤاها وسياساتها عن لبنان وعن الاتهام القادم... وعن المحكمة ودعوات تطليقها ومقاطعتها تحدثت «الشروق» وحاورت شخصيات سياسية لبنانية قدمت الى تونس للمشاركة في الندوة الدولية «الشباب وتحديات اليوم»... وهي: أمين الجميل... الرئيس اللبناني الأسبق وزعيم حزب «الكتائب» دريد ياغي... نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي نادر النقيب... المسؤول على العلاقات الدولية في تيار «المستقبل». أمين الجميل عدائية «نصر الله» للمحكمة الدولية لا يبررها الا خوفه مما ستصل اليه تونس «الشروق»: اعتبر رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان «محكمة منزهة وغير مسيسة وذلك ما ضمنته المحاكم الوطنية» مشيرا الى أن ذلك يصب في مصلحة كل اللبنانيين في سبيل تحقيق العدل والمساواة وكشف الحقيقة الكامنة وراء عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وأوضح الجميل أن موقف السيد حسن نصر الله من المحكمة الدولية هو «موقف سلبي بالأساس وعدائي» وأن الحادثة التي حصلت مؤخرا في عيادة الدكتورة ايان شرارة اختلقها «حزب الله» حيث اشار الى أنه ليس هناك مبرر اطلاقا للتعدي على المحققين الدوليين معتقدا أن كل تلك الحجج لن توقف المحكمة الدولية التي أكد أنها ستمضي في عملها من أجل كشف الحقائق. وأضاف رئيس حزب الكتائب أن دعوة «حزب الله» الأخيرة لعدم التعامل مع المحكمة ومواقفه «العدوانية تنبع بالأساس من تخوفه من تورط بعض عناصره ولذلك يحاول تعطيلها عبر اختلاق مسائل عدة منها شهود الزور الذين لا وجود لهم في الواقع وانما هناك شهود قدموا افاداتهم للمحكمة ولا تزال تلك الافادات سرية ولا أحد يعلم من اتهموا ليس هناك أمر ثابت في ما تحدث عنه حزب الله من مؤامرات وكل ما في الأمر أن هناك تكهنات وهو يتصرف وفقها»، على حد تعبيره. وأكد الجميل أن كل شيء مازال مرتبطا بصدور القرار الظني وأنه لا يمكن الحديث عن شيء قبل صدوره كما لا يمكن توجيه أصابع الاتهام لأحد أيضا. نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي: نخشى من قرار ظني ينفي لبنان من الوجود تونس (الشروق): عبر نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني دريد ياغي من خشيته من أن يؤدي اتهام المحكمة الدولية المفترض ل«حزب الله» باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري إلى نفي لبنان من الوجود مشيرا إلى أن الحل يكمن في الحوار الوطني اللبناني الداخلي قصد تحصين البلاد من ويلات الفتنة المذهبية. وقال ياغي في حديث ل«الشروق» على هامش ندوة «الشباب وتحديات اليوم» إنه في المرحلة الأولى كان هناك إجماع لبناني على المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رفيق الحريري بيد أنه في الفترة الأخيرة ظهرت تسريبات إعلامية وتصريحات سياسية تشير إلى إصدار المحكمة الدولية قرارا ظنيا يتهم «حزب الله» بتصفية الحريري الأمر الذي أدخل الريبة والشكوك لدى بعض الجهات اللبنانية من المحكمة وهو الذي دفع «حزب الله» إلى التحرك في مواجهة هذه القضية. وأضاف أن تسريب القرار الظني قبل صدوره مسّ بصفة ملموسة بمصداقية المحكمة الدولية التي أصبحت متهمة لدى قطاع كبير من اللبنانيين بالتسييس وبأنها تخدم أساسا مصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل في المنطقة العربية. وتابع أنه كان من المفترض أن تنظر المحكمة الدولية بتبصر وتروّ للقرائن المهمة التي قدمها «حزب الله» والتي تدفع إلى اتهام إسرائيل باقتراف الجرم وأن تأخذ في الحسبان أيضا شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان وحجم اختراقها لشبكات الاتصال الهاتفي بيد أنها لم تفعل وبقيت تراوح مكانها فبعد أن اتهمت دمشق بالاغتيال هاهي اليوم تتحرش ب«حزب الله». تفهّم وفي تعليقه على دعوة الأمين العام ل««حزب الله»» حسن نصر الله إلى مقاطعة المحققين الدوليين والمحكمة الدولية أبدى ياغي تفهمه لهذا الموقف باعتبار أنه أولا المقاومة اللبنانية حشرت في الزاوية وأدخلت صلب التحقيق عنوة, ثانيا أن الزيارة التفقدية التي قام بها المحققون للعيادة الطبية النسائية كانت تهدف بالأساس إلى الوصول إلى أرقام رجال المقاومة اللبنانية والعناصر السياسية الكبرى في «حزب الله». وأشار إلى أنه في ظل هذا الواقع فإنه من حق «حزب الله» أن يتخذ هذا الموقف وأضاف أن هذا الأمر لا يمثل بأي حال من الأحوال نقضا للبيان الوزاري المشترك الذي قامت على أساسه حكومة الوحدة اللبنانية والذي ينص أحد بنوده على دعم المحكمة الدولية. ورأى ياغي أن هذا التعهد مربوط ببحث المحكمة عن الحقيقة وقيامها بالتحقيق النزيه ولكن ما يحدث اليوم أنها باتت تحضر الاتهام قبل التحقيق مشيرا إلى أنها المرة الأولى في تاريخ القضاء التي يعلم فيها كل الناس المتهم قبل صدور الاتهام. استفسار وفي حديثه عن شهود الزور, أكد ياغي أن الإشكال قانوني بالأساس ذلك أنه ليس كل الشهود تم التحقيق معهم إضافة إلى أن التحقيقات التي صارت مع البعض الآخر ترفض المحكمة الدولية تقديمها لطالبيها (اللواء جميل السيد مثلا)... مستفسرا في ذات الوقت عن الأسباب التي تجعل المحكمة من جهة تعتبر أن شهادات الزور لا قيمة لها (من الناحية القضائية والقانونية) وترفض من جهة ثانية ملاحقتهم وإحالتهم على العدالة الدولية. واعتبر أن الأمر خطير للغاية ويفرض التعامل معه بروح المسؤولية الوطنية ويحتم الدفاع عن «حزب الله» ويستوجب أيضا البدء في حوار شامل بين الفرقاء السياسيين لتدعيم أواصر الوحدة الوطنية التي ستكون صمام أمان أية مؤامرة دولية على لبنان. وأكد أن الحزب التقدمي الاشتراكي يتجه حاليا لمنع تمويل المحكمة الدولية من الميزانية اللبنانية ولدعم الأطراف السياسية التي تطالب بهذا الإجراء. المعارضة اللبنانية تلوّح ب «خيارات عسكرية»... والحريري يُطمئن بيروت (وكالات): حذّرت مراجع أمنية وقوى سياسية لبنانية من أن الحديث عن الخيارات العسكرية التي قد تلجأ إليها قوى المعارضة وخصوصا «حزب الله» للردّ على القرار الظنّي في قضية اغتيال رفيق الحريري بات مطروحا بقوّة، لكن رئيس الوزراء سعد الحريري أكّد أن لبنان سيبقى محصنا من الفتنة وبعيدا عن أي خطر قد يمسّ وحدته الوطنية. وعلّق مرجع أمني على بعض التسريبات والتهديدات الصريحة من قوى المعارضة بالقول إن «هذه السيناريوهات لا تخيف المؤسسات الأمنية والعسكرية لأن لا أحد أقوى من الدولة وقواها الشرعية». كل الاحتمالات واردة وأكّد المرجع الأمني أن كل الاحتمالات الامنية واردة والاجهزة الامنية تأخذها على محمل الجد ولا تهمل أيامها، وهي تتخذ الاجراءات الكفيلة بحماية مؤسسات الدولة وأمن الناس، وهي لن تقف متفرّجة على أي عملية إخلال بالأمن. وأعرب المصدر عن اعتقاده بأن «من يهدّد بالاقدام على مغامرة كهذه يعرف كيف وأين تبدأ، لكنه لا يعرف كيف ومتى تنتهي». من جانبه لفت عضو كتلة «حزب الله» النائب علي فيّاض الى «أن البلد يمرّ بمرحلة حرجة» مؤكدا أن المعارضة بلورت مجموعة من الخيارات وتتحفّظ على كيفية تعاطيها مع المستجدات». وأعرب عضو تكتّل «التغيير والاصلاح النائب سيمون أبي رميا عن اعتقاده بأن «هناك 7 أيار جديدا» وكل شخص يستطيع أن يقول ما يشاء». ورأى أبي رميا أن «هناك جملة من أربع كلمات تحل المشكلة في لبنان وهي أن يقول رئيس الحكومة سعد الحريري نرفض أي قرار يتّهم «حزب الله»». موقف الحريري في المقابل أكّد سعد الحريري أن لبنان سيكون في مأمن من أي خطر على وحدته الوطنية وأن الأوضاع لن تذهب الى ما يتمنّاه البعض أو يخطّط له البعض الآخر. وأشار الحريري الى أن لبنان يعيش اجواء تصعيد سياسي واعلامي وهذا التصعيد ينتج مخاوف مشروعة عند اللبنانيات واللبنانيين. وأضاف «إننا نحمل أمانة رفيق الحريري وهذه الأمانة هي أمانة تطوير العقول والمعرفة، وتشجيع الشباب والشابات باتجاهها وباتجاه الاعتدال والانفتاح والعمل والاجتهاد، هذه سياسة ستستمر، ولن نتراجع عنها». وتابع الحريري «نحن لم نكن يوما، ولن نكون، دعاة عنف لا سمح الله، ولن نكون وسيلة لدفع لبنان نحو الخراب، لا بل أننا نعمل مع جميع الجهات المسؤولة، وعلى رأسها فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ونراهن على حكمة العقلاء، وعلى كل من يدرك معنى حماية لبنان من الانزلاق نحو الفتنة». وأكّد على أهمية الحوار وعلى أنه حاجة وضرورة ومسؤولية، وان أي تعطيل للحوار هو دفع للبلاد نحو القطيعة. وعلى صعيد ردود فريق «14 آذار» على تسريبات المعارضة، أكّد عضو تكتّل «لبنان أولا» النائب أحمد فتفت أن لبنان لم يرضخ يوما الى التهديد داعيا الجميع الى الالتزام بعمل المؤسسات والاحتكام الى القانون». مسيحيو لبنان: البلد في خطر... ونرفض «ازدواجية السلاح» بيروت (وكالات): أطلقت شخصيات مسيحية اجتمعت أمس برعاية البطريرك الماروني نصر الله صفير «نداء من أجل لبنان»، اكدت فيه ان البلد «في خطر شديد»، داعية الى «وضع حد لازدواجية السلاح»، في إشارة واضحة الى سلاح «حزب الله». وضم الاجتماع الذي انعقد في بكركي، مقر البطريركية المارونية شمال بيروت، قيادات قوى 14 آذار المسيحية المتحالفة مع رئيس الحكومة سعد الحريري وبينهم نواب ووزراء ورؤساء أحزاب. وأصدر المجتمعون بيانا تلاه رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل أمام الصحافيين وفيه «إن هذا الخطر يطال كل اللبنانيين، المسيحيين الذين يخشون، وعن حق، أن يصيبهم ما أصاب إخوانهم في العالم العربي جراء سقوط الدولة في بلدانهم وسيطرة التطرف الديني، والمسلمين الذين يخشون، وعن حق، أن تنتقل الفتنة التي اشتعل فتيلها في بعض العالم العربي الى الداخل اللبناني». ورأى المجتمعون أن هناك من يضع اللبنانيين «أمام معادلة ظالمة ومستحيلة: التنكر للعدالة حفاظا على السلم الاهلي، أو التضحية بالسلم الاهلي من أجل العدالة» ومن يدعو «تحت تهديد السلاح الى العمل على إلغاء المحكمة الدولية».