أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالقيروان لاحدى الفرق الامنية المختصّة القيام بأبحاث بخصوص دعوى تقدّم بها شخص مفادها فقدان ابنته قبل 23 سنة، ويحمّل المسؤولية الى مستشفى ابن الجزار بالجهة. وحسب ما ادّعاه الشاكي، فإن زوجته كانت تعاني من مرض، يتسبب في فقدان الجنين قبل اكتماله فاضطرّ لعرضها على الفحص الطبي وتم تسليمها الدواء المناسب. حمل المرأة الجديد تواصل الى غرة سبتمبر من سنة 1987. عندما أنجبت بنتا قبل أيام من اكتمال الحمل، فتم ارسالها الى مستشفى ابن الجزار بالقيروان حيث وضعت المولودة في الحاضنة الاصطناعية (couveuse) وواصلت العائلة رعاية ابنتها والتردّد عليها بين مدينة ماجل بالعباس من ولاية القصرين والمستشفى بالقيروان وكانت الأم ترضع ابنتها ثلاث مرّات في اليوم، فبدأت تنمو وتترعرع شيئا فشيئا، حتى اطمئن الاطباء والمشرفون على الحاضنة وطمأنوا الأب والأم، وكانت البنت الاولى بعد عناء مع الاجهاض القسري. بعد شهرين من نموّ الرضيعة اتصلت العائلة ككل مرّة للاطمئنان على البنيّة إلاّ أن ادارة المستشفى أعلمتهم بأنها توفيت. يقول الأب، لقد سلمنا لارادة ا& وقدره، وطلبنا الجثة لدفنها، لكن ادارة المستشفى أجابتهم بأنه تم دفنها. أمام بساطة العائلة وفقرها، وبعد محاولات متواضعة واحتجاج محتشم سلمت بما قُدّر لها. وحملت الأم ثانية وأنجبت بنتا أخرى سنة 1988، وهي الآن تدرس العلوم التكنولوجية باحدى الجامعات العريقة في تونس. لم ينس الأب فلذة كبده، وبعد ان اشتد عوده ماديا وإن بشكل نسبي، عاود البحث عنها، فتوجّه الى مقبرة بالقيروان، حيث يتم دفن المواليد الجدد ورجع الى الارشيف فلم يجد ما يدل على أن المستشفى قد دفن رضيعا في تلك الفترة، وتأكد ذلك بعد اطلاعه شخصيا على الوثائق. ولكي يتأكد أكثر توجّه الى البلدية واستخرج مضمون ولادة لابنته، التي أسماها فريال، وكانت الصدمة أكبر بعد أن اكتشف عدم تضمين وفاتها في خانة الملاحظات، ولم يجد ما يفيد ويؤكد وفاتها، ولم تستطع ادارة المستشفى اقناعه. بعد محاولاته المتكرّرة، لم يغنم الأب بأي اجابة مقنعة، فتوجّه الى القضاء واثناء عمليات بحثه، قال انه تبيّن له تورّط مرشدة وممرّضة في نفس الفترة في عمليات اختطاف وسرقة أطفال، وتم سجن المرشدة فيما اطلق سراح الممرضّة. قدّم الأب عريضة دعوى لدى مكتب الضبط بالمحكمة الابتدائية بالقيروان، وبعد فترة أذنت النيابة العمومية بالقيام بجملة من التحريات والابحاث وفتح بحث في القضية، وعُهد الأمر الى احدى الفرق الامنية المختصة بالقيروان للكشف عن كل ملابسات القضية وتم استدعاء الأب وسماع اقواله، ولا تزال القضية قيد البحث. وفي العديد من هذه الحالات كانت وزارة الصحة تؤكد الوفاة، إلا أن الجهات البلدية تقول انه لم يتم تضمين ما يفيد ذلك ولم يتم الاعلام بالوفاة. وللاشارة فإن الفصل 46 من القانون عدد 3 لسنة 1957 المنظم للحالة المدنية ينص على أنه «إذا وقعت وفاة بغير البلدية التي يسكن بها المتوفّى فإن ضابط الحالة المدنية الذي يحرر رسم الوفاة يوجّه في أقصر أجل ممكن الى ضابط الحالة المدنية بآخر مقرّ الهالك نسخة من ذلك الرسم يقع ترسيمها حالا بالدفاتر. وإذا وقعت وفيات بالمستشفيات او التشكيلات الصحية فإن مديرها أو المتصرفين في شؤونها ينبغي عليهم ابلاغ الاعلام بها في الاربع والعشرين ساعة الى ضابط الحالة المدنية، وهذا يحرر رسم الوفاة طبقا للفصل 44 أعلاه حسب التصريحات المقدّمة له والارشادات الواردة عليه. ويوضع دفتر بتلك المستشفيات والتشكيلات الصحية او المؤسسات تسجّل به التصريحات والارشادات». مثل هذه القضايا، أعادت الى العديد من العائلات آلام فقدان الطفل من جديد وطرحت اكثر من سؤال حول مصير ابنائهم، وإن كانوا فعلا قد توفّوا أم أنهم يعيشون... لكن مع عائلات اخرى، أو ربّما في حالة تشرّد. هذه الوضعية اللاموت واللاحياة تجعل عزاء العائلات ناقصا، وهو ما يعمّق حالة الحزن والحيرة غير المنتهية، فمن يمكنه أن يعلن بكل جرأة تحمله المسؤولية كاملة، المستشفيات أم البلديات؟