قد يكون الاقتصاد التونسي من بين اقتصاديات قليلة في العالم استطاعت تفادي تداعيات الأزمة العالمية التي هزّت أغلب اقتصاديات العالم وأدت الى افلاس بورصات وبنوك ومؤسسات مالية واقتصادية عديدة. صمود الاقتصاد التونسي وتوفقه في تحقيق نموّ ايجابي كان ثمرة المقاربة الاستشرافية التي ميّزت التجربة التنموية في بلادنا والتي استطاعت استباق المستجدّات واتخاذ أصوب الخيارات والمقاربات في الأوقات المناسبة. الاستشراف والاستباق وسلامة الخيارات التونسية ترفدها تقارير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية الذي يضم كفاءات ومفكرين تونسيين في اختصاصات متعدّدة، والذي توفق في كل دراساته ومتابعاته في رصد كل التحولات الدولية، واعداد تقارير جيواستراتيجية مثّلت أرضية مناسبة لاتخاذ القرار الوطني المتناغم مع المشروع المجتمعي والحضاري للتغيير. ولأن التجربة التنموية التونسية قامت وتقوم على المقاربة الاستشرافية وعلى بعد النظر واستقراء المستجدّات والتحوّلات ومواجهتها باجراءات وقرارات استباقية تقوم على رصد استراتيجي دقيق دعا رئيس الدولة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية الى التعمّق في دراسة ثلاثة ملفات حيوية ذات أهمية كبيرة في المستقبل وهي المياه والطاقات المتجددة والاقتصاد الرقمي. فتونس والعالم بصفة عامة متجهة تدريجيا الى ندرة المياه وتقلّصها، وهو ما سيجعل تحقيق الاكتفاء الذاتي منها أمرا ملحا وصعبا لكل شعوب العالم، حتى أن عديد المحللين وأصحاب الدراسات الاستراتيجية يتوقعون أن تكون الحروب القادمة من أجل الماء وليس من أجل البترول كما يحدث الآن. وإذا كانت تونس توفقت الى حدّْ الآن في جهودها من أجل تعبئة الموارد المائية وترشيد الاستهلاك فإن المستقبل يفرض التفكير أكثر في ايجاد موارد جديدة غير تقليدية والاتجاه اكثر الى تحلية مياه البحر وتثمين اعتماد المياه المستعملة في الري والزراعة. ويبقى الاقتصاد الرقمي مسارا جديدا وواعدا لتطوير وتنويع القاعدة الاقتصادية في بلادنا، خاصة وقد توفرت الآليات والكفاءات والبنية الاساسية المتطورة القادرة على اعطائه الدفع المنتظر وتطوير مساهمته في تحقيق الأهداف التنموية.