الخرطوم من مبعوثنا : النوري الصّل الحدث في السودان هذه الأيام... استفتاء تقرير مصير الجنوب... للوهلة الأولى تستوقفك، أنت زائر السودان اليوم، حرارة الأجواء السياسية التي يبدو أنها قد «تحالفت» مع حرارة الطقس وجعلت من هذا البلد بمثابة «مرجل» يغلي مع اقتراب ساعة الصفر التي لم تعد تفصل عنها سوى أسابيع معدودة... الكل في السودان اليوم ينتظر هذا الاستحقاق الذي سيحدد طبيعة العلاقة بين شمال السودان وجنوبه... فإما وفاق.. وإمّا «طلاق»... هي إذن حالة أشبه ب«الاستنفار» يتقاطع خطاب أطرافها عند عدة نقاط مشتركة يقف على رأسها التأكيد على وجوب اجراء الاستفتاء في الموعد المحدد... موعد التاسع من جانفي القادم... الكل في السودان اليوم يسابق الوقت والجميع ينتظر ويدلي ب«صوته» في هذا الاستفتاء... حتى قبل موعد التصويت ذاته... من سياسيين واعلاميين ومثقفين وفنانين ورياضيين... لكن الاعتقاد الغالب الذي يطغى على توقعات معظم الأطراف أن المسألة محسومة سلفا وأن الانفصال بات مسألة وقت.. لا أكثر. أيضا أن الاعتقاد الغالب في توقعاتهم أن الانفصال بات شبه أمر واقع... ومسألة وقت لا أكثر... عدد من أهل الخرطوم ممن تحدّثوا ل«الشروق» قالوا انهم يتوقّعون بدورهم مثل هذا الأمر... لكنهم لا يخشونه... هناك شبه قناعة عامة لديهم بأن هذا الاستفتاء لن يكون أكثر من مظاهرة شكلية للاحتفال بقيام دولة الجنوب... على المستوى الرسمي تتحرك الحكومة السودانية بدورها على أكثر من واجهة وبعد ان بدأت عملية تسجيل الناخبين الذين يحق لهم الاقتراع في الاستفتاء منذ أكثر من أسبوعين مددت مفوضية استفتاء جنوب السودان عملية تسجيل الناخبين في جنوب السودان وشماله. في السياق ذاته أكدت مصادر حكومية سودانية ل«الشروق» التزامها بإجراء الاستفتاء في موعده المحدد لكنها شددت على أنها لن ترضخ للضغوط...وانها ستقبل نتيجة الاستفتاء. على واجهة الاقتصاد خصصت الحكومة السودانية مليار دولار لإقامة مشروعات جديدة في جنوب السودان الذي شهد كما الشمال تحركات واسعة تؤكد على مبدإ وحدة السودان... فقد طافت «قوافل فكرية» وحزبية جنوب السودان وشماله داعية الى استمرار مسيرة الوطن الواحد حتى ولو حصل الجنوب على الاستقلال... الحكومة السودانية تجاهد من جانبها من اجل نزع عوامل التأزم وحلّ مختلف القضايا العالقة وهي كثيرة... وفي هذا السياق أكدت مصادر حكومية سودانية التقتها «الشروق» في الخرطوم أنها لا تستبعد انفصال جنوب السودان وانها تستعد له مؤكدة ان المساعي والمشاورات تكاد لا تتوقف من أجل ايجاد صيغة لحل شمولي لقضايا السودان المتشابكة. المصادر ذاتها اعترفت بأن هناك تحديات صعبة في هذا المضمار وهي بالأساس تحديات سياسية وأمنية واقتصادية لكنها شددت على ان هذه التحديات تقابلها مساع مماثلة من طرف المؤتمر الوطني الحاكم لاحتواء احتمالات تفكك وانفجار الاوضاع بعد الاستفتاء... وذكرت المصادر ل«الشروق» ان العمل جار هذه الأيام على توفير «شبكة أمان» لمرحلة ما بعد الاستفتاء، تكون بمثابة «قاطرة» يتواصل عبرها الشماليون والجنوبيون في الداخل... وبمثابة «جدار صدّ» تتحطّم عليه المرامي والمخططات الاجنبية «التي لا تريد الخير للسودان». وأضافت المصادر أن تشكيل هذه الشبكة بات ضروريا لحماية السودان من العودة الى الحرب خاصة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه... وأوضحت المصادر أن السودان يريد حلا حاسما إما وحدة بسلام او انفصال بسلام، مشيرة الى ان المساعي السودانية من أجل الحفاظ على وحدة السودان لم تتوقف أبدا... لكن هل تنجح كل هذه المساعي في نزع الفتيل... واحتواء ما يدبّر للسودان بليل؟ «الشروق» تشارك في المؤتمر العربي الافريقي الأول: «خريطة طريق».. لحماية القارّة السمراء من «التمزيق» تونس «الشروق» من مبعوثنا الخاص الى الخرطوم النوري الصل: افتتح أمس في العاصمة السودانية الخرطوم المؤتمر العربي الافريقي الأول الذي حضرته شخصيات سياسية ونقابية وثقافية عربية وافريقية تطارحت على مدى يوم كامل سبل دفع العلاقات العربية الافريقية وتفعيل دور الطاقات الشعبية وحشد الموارد الفكرية والمادية والروحية لنصرة القضايا العادلة في افريقيا والعالم العربي في مواجهة التدخلات الخارجية والمشاكل الداخلية. المؤتمر الذي انعقد تحت عنوان «التضامن العربي الافريقي.. وحدة الهدف والمصير» حمل في الواقع عناوين متعدّدة لمواضيع وملفات عربية وافريقية واحدة أخضعت خلال أربع جلسات كاملة الى نقاش مستفيض يستلهم روح مؤتمر باندونغ وحركة التحرّر الافريقي (البان أفريكا نيزم) ومبادئ عدم الانحياز من أجل تحرير الارادة السياسية للشعوب العربية والافريقية ومن أجل النهوض بامكاناتها الذاتية من خلال التعاون والتضامن والشراكة في ما بينها.. كلمة الافتتاح ألقاها الدكتور قطبي المهدي، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الذي أكد أن هذا اللقاء يشكل انطلاقة حقيقية في اتجاه العمل على تفعيل الوعي الجماهيري وتكريس آليات التضامن والتواصل والتعاون التي يمكن أن تعضد نضالات الشعوب العربية والافريقية في سبيل تحقيق أهدافها. من جانبه أعرب الأستاذ معن بشور، رئيس مركز التواصل العربي في كلمته عن أمله في أن يشكل هذا المؤتمر فاتحة خير لمؤتمرات مماثلة للتواصل والتضامن بين العرب والأمم الأخرى في العالم تكون مستمدة من روح اجتماع باندونغ في أواسط خمسينات القرن الماضي التي أسست لمرحلة من التحرّر والاستقلال الوطني عمّت البلدان العربية والافريقية والآسيوية ووضعت الأسس لعالم لا يقتصر فيه القرار على قطب أو قطبين بل للعالم أجمع. من جهته ألقى الأستاذ في التاريخ لابيسو غيتهار شليمو من أثيوبيا كلمة اعتبر فيها أن هذا اللقاء يشكل خطوة هامة جدا على طريق التضامن والتفاعل العربي الافريقي.. كما استعرض في هذا الصدّد مختلف المراحل التاريخية التي مرّت بها هذه العلاقة منذ العصور القديمة متوقفا بشكل خاص عند استقبال الحبشة لمبعوثي النبي محمد (صلى اللّه عليه وسلم) في أول اعتراف سياسي بالدعوة الجديدة. لابيسو استعرض كذلك تطوّر العلاقات على مختلف الأصعدة الاقتصادية والثقافية كما على صعيد مواجهة الاستعمار مؤكدا أن المستقبل يتطلب علاقات وثيقة على كل المستويات لمواجهة التحديات المعاصرة. المؤتمر تطرق أيضا بإسهاب الى التغلغل الصهيوني في القارة السمراء وذلك من خلال مداخلات قدمتها شخصيات تناولت تطوّر العلاقات الافريقية الاسرائيلية عبر مراحل زمنية كانت فيها لاسرائيل «صولات وجولات» في زعزعة استقرار البلدان العربية والافريقية وفي ضرب العلاقات الافريقية العربية ودق إسفين بينها والحيلولة دون قيام تلاحم عربي افريقي يقوم على أساس النضال المشترك والمصير والتاريخ المشترك. المحاضرون أجمعوا في هذا الاطار على أن المرحلة الحالية تشهد تركيزا من جانب اسرائيل على تحقيق هدف الهيمنة على القارة الافريقية ونهب ثرواتها مؤكدين أنّ المخطط الجاري تنفيذه في هذه المرحلة بجنوب السودان يأتي في سياق المحاولات الصهيونية الرامية الى تمزيق القارة السمراء وإضعافها ومن ثم توجيه ضربة قاسية إلى الأمن القومي العربي. وأضاف المحاضرون أن التوسع الاقليمي وزيادة مساحة الأراضي التي تحتلها اسرائيل بصورة مباشرة في فلسطين والبلدان العربية المجاورة أو التي تسيطر عليها سيطرة سياسية أو اقتصادية في مدى الدوائر الحيوية لأمنها القومي إنما ترمي الى زيادة عمقها الحيوي لتطبيق سياسة الهجرة والاستيطان.