1 «Une culture doit a la fois s'ouvrir et se fermer se fermer dans le sens ou elle doit maintenir sa structure son identité parce que l'ouverture totale est la décomposition Mais s'ouvrir reste la seule façon de s'enrichir c.a.d.integrer du nouveau sans se laisser se degener» Boris Cyrulnik / E.Morin Dialogue sur la nature humaine Edition de l'aube 2 يتجه بوريس سيريلنيك، عند فاتحة «محاورة»، بينه وبين إدقار موران، شكّلت كتابا مشتركا بينهما حول : ما يعرف ب«إشكالية الطبيعية الإنسانية». ملفتا نظره إلى أنه، كان دائم المراقبة لنشاطه، الفكري الثري، وأنه، من ثمّة يحدث له أن يتناول أعماله بالدّرس، وأنّ بالدّرس، وأنّ صاحب كتاب : «معرفة المعرفة» و«منهج المنهج»، تربط بينه وبين «سيريلنيك» علاقة قرابة معرفية. كيف ذلك؟ كل منهما، «ينتمي إلى نفس الفريق الذهني»... وكلّ «يدسّ أنفه في كلّ شي»، يعني أنّ الاهتمام متعدّد الآفاق لدي كل منهما، وكل منهما مسكون ب«التنوّع» و«المتعدّد»، و«المعقد»، «المتباعد» و«المتناثر» و«المتنافر»... والجمع في أفق إشكالي واحد ما لا يجمع عادة. وبالتحديد الجمع، بين ما.. لم يفكر الجمع بينه وبين سواه، من حقول معرفية وانشغالات فكرية وانهمامات حضارية. وبلغة أخرى كلّ من «إ. موران» و«ب. سيريلنيك» يمارس ضربا من «النوماديّية المنهجيّة / المعرفيّة» إذا أردنا الاقتباس من «معجم القرن العشرين» للمفكر الفرنسي المعاصر «جاك أطالي». لكن ما معنى ذلك على وجه التحديد؟ ذلك يعني أن الخروج عن ذهنية الاختصاص المفرط واستتباعاته الفتّاكة / القاتلة يشكل، هاجسا، أساسيا بين المفكرين ومركز الاهتمام الرئيس لدى كلّ منهما. يعترف «ب. سيريلنيك» أنّ مثل هذا التوجه النزاع لاختراق حدود الاختصاص المفرط، من أجل تدشين حوارية «ميلتيديسبلنارية».. قد جعله عرضة للنقد والانتقاد، إذ اعتبر مثل هذا التوجه علامة غير صحيّة في التوجه الفكري والأفق البحثي. وردّا على مثل هذا «الاعتراض»، يؤكد «سيريلنيك» «لأدقار موران» على قيمة الحرية «ولكن يبدو لي أننا أحرار على مستوى مزاولة التفكير» ولنا الاختيار في أن نكون، من ذوي الاختصاص، في موضوع على غاية من الدقة، فلا نتخطّاه إلى سواه. هذه الوضعية، وضعية الاختصاص والاختصاص المفرط «مريحة ذهنيا»، بل مفرطة في الراحة، إذ يكفي في مثل، هذه، الحال أن تكون جمّاعة / لمّامة «للمعلومات» حول موضوع محدّد بدقة... متناهية لننتهي «لمعرفة كل شيء ولا شيء». ما الإشكال المطروح على وجه التحديد؟. 3 التخصص أم الشموليّة؟ لقد قادت نزعة التخصص، وخاصة «التخصص المفرط».. في مجالات البحث «العلمي».. سليل «النزعة العلمويّة»، إلى ضرب من «التعصّب المنهجي» و«الدغمائية الميتودولوجيّة»، قادت إلى الوقوع في مركب من «العوائق المعرفيّة». ويمكن التنصيص على هذه العوائق الابستيمولوجية، بكلمة واحدة، «التذرية». خاصة إذا تعلق الأمر «بالأنطروبوس»، الإنسان إذا أردنا أن نتكلم لغة اليونان. «ان ندسّ أنوفنا، كل مرّة في الفيزياء أو الكيمياء أو البيولوجيا أو الطّب الشرعي أو علم النفس... ننتهي كذوي اختصاص معترف به، لنصبح من المختصين في «لا شيء»، وهذا المأخذ لا يأخذ بعين الاعتبار أنّنا نكون أكثر مقدرة، وجاهزية لانتاج معرفة أكثر مرونة، ومطابقة.. لما عليه «الشخص» و«الشخصيّة»، التي أمامنا والتي هي الإنسان ذاته. في تعدّد أبعاده، وتنوّع، أشكال حضوره وغيابه.. في العالم وتقاطع أنماط تجوهره في الوجود، وتشابك «تقنيات» واستراتيجيات تمرينه ومرانه على مزاولة الحياة وتدجين قسوة وعنف وشراسة ميتة الميتات. بالنتيجة نجد أنفسنا أمام نمطين مختلفين ممّا يطلق عليه «سيريلنيك». «سياسة المعرفة». بقراءة المنجز «الموراني»، عثر صاحب كتاب «اللغة كما الهباءة» على رفيق درب معرفي، ذهني ومنهجي يعمل كدحا على «تعقل» الإنسان، إنسان الإذهان وإنسان العيان في أبعاده المتعدّدة، بعيدا، عن «منطق الاختزال»، و«التذرية». يتفق إ. موران مع صاحب كتاب «همس الأشباح»، على أن متعلقه، هدفه الرئيس إنما يتمثل في معانقة الإنسان بمحاولة فهمه وذلك باستحضار كل أبعاده المختلفة والمعقدة / المركبة / المتشابكة وتأويلها من أفق إشكالي يتجنّب من خلاله كل مقاربة تبسيطيّة / سطحية وتسطيحية. مع أنّ صاحب كتاب «روح الزمان»، وكتاب «النجوم»، يصرّ على رفع إلتباس منهجي، قد يقود إلى سوء تفاهم. فما هو هذا الإلتباس؟. يستبعد إ. موران، وبشدّة ذهنية «الإمّا» أو «إمّا» المنهجية ضيّقة الأفق، وعقلية «الاختيار الأحادي» و«البديل الأحادي»، إمّا أن تكون متخصّصا، وأن تكون لك معرفة دقيقة معترف لك بها من قبل «الزملاء الباحثين»، الجامعيين.. وشتى المؤسسات... وإما أن تكون صاحب «عموميات» واقع تحت سلطة التعميم التسمية الأخرى «للخفّة» المعرفية والعماء المنهجي / الميتودولوجي. يتعلق الأمر إذا بالنسبة لصاحب : كتاب «الجورنال الكاليفرني»، بتخطّي : «الحديّة الميتودولوجية» السليلة الجينيالوجية للذهنية الفكرية التي كفّت عن التفكير. وهو أمر جعل من صاحب كتاب : «الإنسان والموت» منذ ما يزيد عن الستين عاما يدعو إلى : «ميتا ثورة» ميتودولوجية / منهجية / تطبيقية تكمن فاعليتها، ... وخصوبتها و«قوتها» في ما وراء قوّتها أقصد في «مرونتها»، وحتى هشاشتها الخلاقة، القادرة على التفكير بل الإصغاء الحاذق «للتفكير المعقد» و«المركب» و«المتشابك». هذا الوعي «الشامل» الذي يحرّك «المفكر / السوسيولوجي / الفيلسوف»، من شأنه، أن يربك أصحاب «وسادات الكسل الناعمة». أليست كلمة «الوسادة» تحيل على «الوسد»، الذي يحيل على الإغراء، الإغراء بالنوم، النوم المعرفي لاكتشاف، فضائل «السباة الحضاري»، تمجيدا سريا وعلنيا «للأمس الأبدى» : طرق تفكير، ممارسات... مؤسسات... قيم تطيح «بكرامة الإنسان»... وإن كانت تعلن بمتناهيات من النّفاق المتعدّد الألوان... أنها تنصّبه «خليفة ا&» أو «سيّد الأكوان» تلك هي الاستتباعات العمليّة... للأحديّة المنهجية / الميتودولوجية... المفرّخة الفعليّة للذهنيات، والقيم، والممارسات والتدابير والمؤسسات «المحتشداتية» الفاشيّستية... زمن «الحداثة» وزمن «ما بعد بعد الحادثة» المسلحة... بمركب من القيم المبتورة... حول «الإنسان» مثلا و«الموت»، و«الأخلاق»... إذن لم يعد الاختصاص المفرط... مقبولا، فما هو البديل التأسيسي الجديد؟ إنّ البديل التأسيسي عن الدغمائية الميتودولوجية / المنهجية يتمثل في تعدد المناهج حواريا، ومضاعفة الآفاق النظرية، وفلاحة التفكير التضافري بين العديد من الاختصاصات في الفروع المعرفية، المتباينة والمتباعدة لتعقل وفهم «الظاهرة» الواحدة. هذا الأداء الفكري، بتوجهه المنهجي الذي يسعى إليه صاحب كتاب «الخروج من القرن العشرين» وكتاب «روح الزّمان»، يتفق فيه مع محاوره بوريس سيريلنيك ويمكن التنصيص عليه بكلمة واحدة «الكوننة». بالإمكان الاعتماد على أكثر من مثال إجرائي لتعقب وتعقل التمشي الفكري الجديد، من ذلك مثلا أن عالم البيئة / الإكولوجي في محاولة فهمه للظواهر البيئية يستحضر بحذق معرفي شتى العلوم والقطاعات المعرفية التي كانت ولزمن طويل متباينة ومتباعدة وحتى متنافرة من قبل مثل «علوم النبات» و«علوم الحيوان» و«علوم الحشرات» و«علوم طبقات الأرض»... 4 هذا المنهج الذي يمكن أن نطلق عليه المنهج التضافري لم يبرهن على فاعليته في مجال العلوم الدقيقة فقط وإنما بالامكان استثماره جدليا / ديالكتيكيا / دينماميكيا في المجال اللأعوص وهو مجال «الانسانيات» من ذلك الانتروبولوجيات القطاعية رغم أهميتها تصطدم بعائق معرفيّ رئيس يتمثل في التصور الذري للإنسان. ويمكن استحضار كتاب «الإنسان والموت». يعود إدقار موران بمحاوره إلى منتصف القرن العشرين وكتابه الشيّق حول علاقة الإنسان بالموت ليعتمده كمثال إجرائي على تمشيه المنهجي التضافري. فماذا عن هذا التمشي؟. إن المشكل الحقيقي حسب موران إنما يتمثل في المقدرة على المراوحة «La navette» بين القارات العلمية والحقول المعرفية وبالتحديد إرادة دمجها وتبييئتها «وحوططتها» في أفق شمولي وفي كلمة : «كوننتها»، كوننة أشتات المعارف، بمدّها بطاقة على «التصاغي» لبعضها البعض، وبفك عزلتها عن بعضها البعض. لتعقل الموت كان لابدّ من الاعتراف بالدوافع اللاواعية التي حملت الذات الكاتبة على بحث هذا الموضوع أصلا إذ تقر الذات الباحثة بانجذابها لمثل هذا الموضوع الاشكالي الشائك، موضوع الموت لحدث شخصي حميمي يعود إلى موت أم الباحث الاجتماعي وهو في سن هشة «عشر / سنوات» مما جعله يطرح ضرورة دراسة «مجموع المواقف والتصورات التي تبقى للبشر من حدث الموت» منتهيا إلى أن الغرب والوعي الاكسيدونتالي يفتقر أو يكاد يفتقر إلى «علم الموت Une thanatologie»، وأشياء الموت. هذا الانتباه المعرفي الذي دافعه الرئيس فقدان الام جعل موران يعيد النظر نقديا / اشكاليا في تعريف الثقافة، مطلق الثقافة، فكرة الثقافة، فكرة الثقافة ذاتها. متسائلا ما الثقافة؟ ليضع لها تعريفا إجرائيا يجعل منها، من الثقافة : المقدرة التي تجعلك لا تفقد أسلحتك مهما تغيّرت الوضعيات وجابهت من مشكلات واصطدمت بأزمات. فلفهم الموت كان لابدّ من دراسة لا متناهية من المجالات والاختصاصات والقطاعات المعرفية وفتح السجلات المتباعدة من ثقافات وديانات وتشريعات ومراسيم مختلفة وطقوس دينية ودنيوية، في المجتمعات القديمة والوقوف التأمّلي على تأملات الفلاسفة في الموت على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ومعالجة الديانات لفكرة «النجاة» و«الماوراء»... كما توجّب الأمر التعرّف على دلالة الموت من : الأفق البيولوجي الصرف... 5 إن مثل هذا التمشي المنهجي الانفتاحي جعل من الكوجيطو الاستكشافي يمارس ضربا من التسفار والترحال : بين البويولوجي والميثولوجي، بين العلمي والأسطوري «Mon investigation m'obligeait d'aller de la biologie à la mythologie». وبالقيام بهذا العمل يلح موران بأنه أدرك أن ما يسمى : «الانطروبولوجيا» أو علم الانسان كان علما مبتورا من ذلك أن الانطروبولوجيا Anthropologie الثقافية أو الاجتماعية تمارس استبعادا كليا للإنسان البيولوجي. في التوجهات الفكرية التي تركز على الاعتبارات المادية والحتميات البيوفيزولوجية المحضة في فهمها للانسان تمارس هذه الانتروبولوجيا فعلا نمطا من الإقصاء والتبكيت والتجاهل لفواعل ودوافع وحقائق أخرى ونشيطة في حياة الانسان من ذلك : «الأساطير بتلويناتها» المختلفة القديمة والمعاصرة وحضورها الفاعل في أكثر منتجات الحداثة والمؤسسات المنسوبة للعقلانية، أساطير وأسطوريات الحياة اليومية كما فكرة «النجوم والنجومية»، في الأسواق التقليدية والرقمية في طقوس العبور الدينية والدنيوية، في عبادات الإله الوثني أو المتافيزيقي أو حتى «الإله الكوروي Le Dieu football» كما هو عنوان كتاب «Philippe Villemus»، هذه الأبعاد المستبعدة في البحوث التي تسعى إلى تعقل الانسان، ليست مجرد «عناصر من البنية الفوقية» وإنما هي كما يلح صاحب كتاب «إنسانية الانسان» حقائق واقعية وأساسية ذلك أن المخيال وأشكال الاستيهامات والوعي بالهشاشات إنما هي جميعها وقائع فاعلة في تكوين هوية الانسان المركبة والمعقدة وغير القابلة للاختزال التبسيطي، دون استدعائها واستنطاقها وأخذها جديا بعين الاعتبار ننتهي إلى تصور مبتور حول الانسان وما يستتبع ذلك من كوارث وأزمات على مستوى المؤسسات والممارسات الاقصائية العرقية المحتشداتية والكليانية، وهي علامات تدل على مدى توغل الإنسان التوليتاري، الاغتصابي الامبريالي الأقصى تبذير لكل أشكال الثروات المادية والرمزية التي من شأنها أن تجعل من الحياة أثرا : «جماليا / فنيا / إستيطيقيا وليست أثرا عقابيا أو ذنبا يتطلب الغفران الديني أو الاديولوجي. 6 إنما يبرّر قراءة «إدقار موران» اليوم أكثر من أي وقت مضى وبجدية حاذقة دعوته الصادقة لتدشين منتظم حضاري من شأنه التدرب على الاصغاء الأقرب ما يكون إلى الرهافة التي يقتضيها ما يسمى الحب، حب العيش سويا بعيدا عن التعصب والعرقية والاستغلال وضروب الابتزاز المعرفي والعاطفي والحضاري. إعادة النظر نقديا في الطبيعة الانسانية والدخول في مطارحة فكرية مع إدقار موران وبوريس سيريلنيك وهما يتطارحان حول الطبيعية الانسانية... فعل شيّق مما يجعل فرصة التدرّب ممكنة على التعاطي مع التفكير المرح والمعقد والمركب ممكنة وإن كانت الاشكاليات المطروحة على جانب «من السخونة» التي قد لا يتحمّل حرقتها عقلنا الدغمائي الأحادي الأفق. 7 يبقى وعينا بحدود وعينا فرصتنا لمحاورة إدقار موران الذي يمكن نعته بكلمة واحدة : «إدقار موران حكيم المراوحات العذبة»، رغم، ورغم ذاكرته النضالية المعذبة!.