تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    نيويورك: الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات المؤيدين لغزة    تونس: الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتّش عنه    علم تونس لن يرفع في الأولمبياد    جبل الجلود تلميذ يعتدي على أستاذته بواسطة كرسي.    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الفيلم السّوداني المتوّج عالميا 'وداعًا جوليا' في القاعات التّونسية    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    دعما لمجهودات تلاميذ البكالوريا.. وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية جهوية    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    عاجل: وفاة معتمد القصرين    انطلاق فعاليات الاحتفال بعيد الشغل وتدشين دار الاتحاد في حلتها الجديدة    بنزرت: وفاة امرأة في حادث اصطدام بين 3 سيارات    اليوم: طقس بحرارة ربيعية    تونس: 8 قتلى و472 مصاب في حوادث مختلفة    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للاواسط : المغرب يتوج باللقب    الهيئة العامة للشغل: جرد شركات المناولة متواصل    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    جولة استكشافية لتلاميذ الاقسام النهائية للمدارس الابتدائية لجبال العترة بتلابت    نتائج صادمة.. امنعوا أطفالكم عن الهواتف قبل 13 عاماً    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    اتفاق لتصدير 150 ألف طن من الاسمدة الى بنغلاديش سنة 2024    الليلة في أبطال أوروبا... هل يُسقط مبابي «الجدار الأصفر»؟    الكرة الطائرة : احتفالية بين المولودية وال»سي. آس. آس»    «سيكام» تستثمر 17,150 مليون دينار لحماية البيئة    أخبار المال والأعمال    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    لبنان: 8 ضحايا في انفجار مطعم بالعاصمة بيروت وقرار عاجل من السلطات    موظفون طردتهم "غوغل": الفصل كان بسبب الاحتجاج على عقد مع حكومة الكيان الصهيوني غير قانوني    غدا الأربعاء انطلاقة مهرجان سيكا الجاز    قرعة كأس تونس للموسم الرياضي 2023-2024    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    تعزيز أسطول النقل السياحي وإجراءات جديدة أبرز محاور جلسة عمل وزارية    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    ناجي جلّول: "أنوي الترشّح للانتخابات الرئاسية.. وهذه أولى قراراتي في حال الفوز"    الاستثمارات المصرح بها : زيادة ب 14,9 بالمائة    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    أمير لوصيف يُدير كلاسيكو الترجي والنادي الصفاقسي    إصطدام 3 سيارات على مستوى قنطرة المعاريف من معتمدية جندوبة    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    زيادة في أسعار هذه الادوية تصل إلى 2000 ملّيم..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلام مستغانمي: آلمني مسلسل ذاكرة الجسد
نشر في الشروق يوم 25 - 12 - 2010

أحلام مستغانمي.. كاتبة تؤخذ ككل، لا يمكن تجزئة تفاصيلها.. قد لا تروقك صراحتها، لكنك ستقتنع لاحقا أو في أي وقت آخر بجدية قولها.
وفي هذا الحوار تركت لنا شذرات من أفكار وأحكام وحقائق مختلفة باختلاف القضايا التي تحملها كهاجس داخلي..
رغم سنوات الغربة الا أنك لا تتكلّمين إلّا لهجتها بنبرتها وتعابيرها الشعبيّة. كيف أنّ ثلاثين سنة من الغربة.. وهذا الكمّ من النجاحات العربيّة والعالميّة لم يترك بصماته على شخصيتك ولا على لغتك؟
إنّه السؤال الذي يطرحه عليّ معظم الجزائريين الذين ألتقي بهم في المشرق أو الخليج العربي. أوّل ما يشدّهم إليّ، ما أوقظ فيهم من حنين إلى الجزائر بسبب ما يتخلّل كلامي من أمثال شعبيّة وعبارات «دزيريّ». الغالية خديجة بن قنّة والإعلامي الصديق محمد حنيبش ودحو عبد الحفيظ الذين التقيت بهم في الدوحة، كما العزيزة فضيلة السويسي والصديق مدني عامر الذين أجالسهم كلما زرتُ أبو ظبي، جميعهم يطوّقونني بمحبّتهم لأنّ فيّ فائضا من تلك الأصالة الجزائريّة التي تجمعنا، وتسكن وجداننا رغم سنوات الغربة. نحن في المنابر نتحدّث بفصاحة عالية، لنثبت للمشرق أنّنا لسنا أقلّ عروبة منه، وفي الحياة اليوميّة نتحدّث بلهجة جزائريّة «قحة» كي لا نكون أقلّ جزائرية ممّن هم في الجزائر.
غير أنّي شخصيًّا ربما كنتُ أمثّل حالة استثنائيّة مقارنة بمن أرى حولي في لبنان مثلاً من جزائريّات تحت الأضواء وصلن بعدي بسنوات، وبعضهن وصل للتوّ لكنّهن يتكلّمن اللهجة اللبنانيّة بطلاقة. بينما ما استطعت بعد ثلاثين سنة أن ألفظ جملة باللهجة المشرقيّة. إلى درجة أنّي ما تحدّثت مع أحد إلّا وظنّني وصلتُ للتو وسألني كيف وجدتُ لبنان.. أعتقد أنّ لهجة المرء هي حصنه الأخير في الغربة، عليه أن يدافع عنها لأنّها لغة الدم، فليس باستطاعة المرء أن يغيّر فصيلة دمه حتى إلى فصيلة دم أخيه.. هذا إن كان أصيلاً.
لكنّ بعض المشارقة مازالوا غير مصدّقين أنّنا نتقن في الجزائر العربيّة وقد نضاهيهم أو نفوقهم أحيانا إلماماً بها.
دائماً قلتُ لهؤلاء إنّني من جيل يباهي أنّه تعلّم العربيّة في الجزائر لا خارجها، مثلي مثل الإعلاميين الجزائريين الذين هم اليوم نجوم الشاشات العربيّة أو مديروها. نحن لم نتفوّق على أحد في المعرفة بالعربيّة، بل حبًّا لها. إنّ الشغف بهذه اللغة هو سرّ الأقلام العربيّة المميّزة التي أنجبها الأدب الجزائري من كتّاب جيلي.
لكأنّك في كلّ ما تقولين وتكتبين تواصلين معركة ما؟
ربما كان هذا صحيحاً.. فطالما تمنّيت أن أثبت أنّني من وطن لا ينجب البنادق فحسب بل يُنجب الأقلام أيضاً، وبها يخوض المعارك، لذا تباهي الأمم بكتّابها كما تباهي بقادتها ورجالاتها.
هذا في زمن مضى.. أمّا اليوم فقد قلتِ في مقال شهير بعنوان «بلاد المطربين أوطاني» إنّ الأوطان أصبحت تنسب لمطربيها لا لرجالاتها وهو للتوضيح مقال نشرته سنة 2005، وتمّ تداوله مؤخّرا على نطاق واسع وفي أكثر من منبر.
هل مقالك هذا لايزال صالحا في مطلع العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين؟
بطبيعة الحال لأنّنا نعيش حاليا في زمن المغنين والمطربين.. الدليل مع الأسف أن أمنية الشباب العربي أصبحت مقتصرة على أن يُصبح مغنيا، فبالنسبة له هذا هو الطريق الأقصر والسريع للجاه والشهرة والثراء، بدل أن يتعلّم أحدهم ويكوّن نفسه لبلوغ وظائف سامية، غير أنّ الأمّة مهيّأة لدعم هذا الخيار البائس لشباب اليوم فقد وجدت فيه أقصر طريق لاغتيال القضايا العربية الكبرى.
اغتيال مرة واحدة؟؟
لم يعد هناك أصلا قضية، لقد اغتيلت القضايا.. تصوّر في جيلنا كنّا مستعدّين للموت من أجل ما كنّا نراه قضيّة. الآن لا أحد يموت من أجل الوطن أو من أجل مبدإ. الياباني يموت ولا يبكي بل ينتحر ولا يبكي، بينما العربي يبكي وهو في الطوابير أمام أبواب السفارات طلباً لتأشيرة، أو في طوابير لملء استمارة للمشاركة في برنامج ستار أكاديمي. كم دموعنا غدت رخيصة، وأمنياتنا صغيرة. ما يؤلم حقّا هذا هو أنّ المغنّي غدا النجم والقدوة والمعلّم الذي تتخرّج على يده الأجيال، ومرجعاً في صراعات الموضة.
لكن هذا المغني له رسالته، بغض النظر عن هندامه؟
أين هذه الرسالة النبيلة؟، هل جيل ستار أكاديمي يملك رسالة نبيلة؟ دلّني عليها.
بالنسبة الى الشاب خالد فقد أسمع صوته في وقت كانت الجزائر معزولة ووصَفْتِه بالغبي في مقالك، ألا يبدو نقدك لاذعا؟
لم أقل إنه غبيّ، بل قلت: «ضحكته غبية»، لأنّه يرد على كل سؤال بالضحك ولا يملك إلّا الضحك جوابا في كلّ موقف، أما أن يكون قد اشتهر في زمن كانت فيه الجزائر معزولة، فهذا كان لابدّ من أن يزيد من مسؤوليته. لكن دعني أوضّح أنّ هناك مطربين مثقفين، وأنا لم أطلب من الشاب خالد أن يكون مثقفاً، لكنّه بحكم شهرته غدا صورة عن الجزائر وهو يقدّم صورة عنّا لا تشبهنا. لقد شاهدته قبل سنوات في برنامج فرنسي، وهو يضع قرطاً في أذنه، وكلبا في حجره، وليس هذا نموذجاً للشباب الجزائري، على أيامي من كان يُغني كان يحمل رسالة فنية نبيلة كعبد الحميد عبابسة ورابح درياسة وأحمد وهبي، هؤلاء مثّلوا الفن الجزائري وكانوا رجالاً في مظهرهم وفي غيرتهم على الجزائر.
المثير للانتباه أنّ مقالاتك لا تقلّ انتشاراً عن رواياتك، فنادراً ما نجد مقالاً مرّت عليه سنوات ولا زال يُعاد نشره وتداوله بهذه القوة؟
صحيح أنّ هذا المقال بالذات انتشر انتشاراً مخيفاً، وهذا يدلّ على سطوة التكنولوجيا. فشبكة الانترنت أصبحت مخيفة اليوم، وأتوقّع أنّ أكثر من مليون عربي وربما مليونين قرأ هذا المقال. لأنّ «الفان» الموزّعين على صفحات ال«فايس بوك» التي تخصّني وتطوّع معجبون بتأسيسها. يفوق عددهم النصف مليون.. وكلّ مقال أنشره يتمّ تداوله حسب الإحصائيات بأعداد مضروبة في أربعة. مع العلم أنّني لم أنشر هذا المقال في موقعي، بل تبنّته مواقع كثيرة وتناوبت على نشره، لأنّه كان يطرح قضيّة لا مجرّد فكرة. أليس عيبا أنّ أوطاناً كانت تنسب إلى الأبطال غدت تُنسب إلى صبيان ولدوا للتوّ على بلاتوهات ستار أكاديمي وما شابهها.
يبدو أنّك نسيت المقال لكنّ القرّاء لم ينسوه، مما يعني أن الأوطان العربيّة ليست بلاداً للمطربين فقط، بل هي بلاد أيضا لكتّاب من طينتك؟.
جميل أن يمنّ الله على كاتب بالقدرة على التأثير على ملايين الناس. إنّها سلطة الاسم التي يكتسبها الكاتب بالدفاع عن اسمه كلّ لحظة، وفي كل موقف، لأنّه لا يملك إلّا رصيد الاسم النظيف. ليس في الأمر جاه بل مسؤوليّة تجعل الكاتب يعيش تحت رعب التاريخ والخوف من أن يزلّ قلمه.. خاصة أنّنا في زمن الانترنت، وكلّ ما يكتبه كاتب هو موثّق إلى الأبد. لذا تجدني أخاف من أيّ كلمة أنشرها أو تُنسب إليّ.
الى هذه الدرجة تخاف سيدة الرواية العربية من الكلمة؟
أنا مثل قائد جيش وسبق أن قلت «عندما ترفع سلاحا أنت جندي وعندما ترفع قلماً أنت جيش عتاده عدد قرائك». عندما يفوق عدد قرّائك عدد بعض الجيوش العربيّة، عليك أن تقود جيشك لمعارك رابحة وأن تتبنّى قضايا كبيرة. فالكاتب يساوي القضايا التي يدافع عنها وليس اللغات التي تُرجم إليها ولا الجوائز التي تحصّل عليها.
فضلا عن المغنين والمطربين، طفا للسطح مشاهير آخرون أصبحوا قدوة شبابنا وحتى الشابات، إنهم نجوم الكرة. فهل ينطبق عليهم مقالك هذا وهل نحن أمام عنوان جديد «بلاد اللاعبين أوطاني» ؟
حتماً إنّها الحقيقة ذاتها. كلّ بلاد اليوم تُنسب بالنسبة الى العالم إلى نجمها في كرة القدم. جزائر الثمانينيات كانت تنسب للكعب الذهبي لرابح ماجر وجزائر اليوم تنسب لضربة رأس زين الدين زيدان. لقد تنبّأ توفيق الحكيم في آخر أيّامه أنّه «انتهى زمن القلم وبدأ زمن القدم». وليكن، فجميل أن يكون لكلّ بلاد رياضيوها ونجومها في المباريات والألعاب الدوليّة، شرط أن يوافق هذا ما يوازيه من تطوّر وتفوّق في المجالات الثقافيّة والعلميّة. على ألا يكون هذا التفوّق الرياضي على حساب مجالات أخرى أكثر أهميّة تؤثّر على مستقبل الأوطان.
نعود إلى الرواية التي لازالت تصنع الحدث رغم مرور سنين على صدورها، أقصد «ذاكرة الجسد» التي وصلت حاليا إلى طبعتها ال28.
(تقاطعنا).. لا بل وصلت الرواية إلى طبعتها ال34 عن دار الآداب، وهناك 100 ألف نسخة طُبعت في «مطبوعات» أحلام مستغانمي، فضلاً عن الطبعات الخاصة بالجزائر، والأخرى المقرصنة بأعداد لا تُحصى في العالم العربي. مما يجعل ما طُبع منها يُقارب المليون نسخة..
ألا ترين أن نجاح هذه الرواية هو الذي ترك السهام تُوجّه نحو أحلام مستغانمي في محاولات لتقزيم هذا المجد؟
أذكر أنّ أحدهم قبل سنوات كتب خلال تلك الحرب التي شنّت عليّ ناسبة هذه الرواية لغيري، مقالاً يُدافع فيه عنّي تحت عنوان «ذاكرة الحسد». فأحيانا يفضح النجاح فشل الآخرين؛ ذلك أنّ الكاتب قد يغفر لكاتب آخر كلّ شيء إلّا نجاحه. البعض غبطني، والبعض حسدني، والبعض استكثر عليّ وعلى الجزائر هذا النجاح، مثلما قال العزيز المرحوم الطاهر وطار في إحدى شهاداته. لكنّي تجاوزت هذه المرحلة، فمنذ 20 سنة وهذه الرواية تدافع عن نفسها وما عاد بالإمكان إطفاء ضوئها.
نعود الى ذاكرة الجسد، لكن هذه المرة للمسلسل الذي عُرض في شهر رمضان.. إلى أي مدى تطابقت الرواية مع المسلسل التلفزيوني؟
لم أدل بأيّ تصريح بخصوص المسلسل وهذه المرة الأولى التي سأتحدث فيها عنه وأرجو نقل كلامي بأمانة.. لا أريد أن أشوّه عملا يحمل اسمي وأقول ما يسيء إلى هذا العمل. لكن بصراحة، النصف الأوّل من العمل، أي 15 حلقة الأولى، كانت جيّدة ومطابقة للكتاب، والسيناريو كان مأخوذاً حرفيًّا من الرواية وكان «المونولوغ» جميلا لأنّه يملك حميميّة اللغة التي أحبّها القرّاء في الرواية، ثم بحكم إطالة العمل حتى يصل إلى 30 حلقة خرجوا عن النص تماماً، وأدخلوا شخصياّت أساءت الى العمل. فهناك نساء هستيريات بصفات غير لبقة، وخالد أصبح سكّيراً يتردّد على الحانات وهذه أشياء لم أتقبّلها ولا أظن قرّائي تقبّلوها. فهناك بُعد رمزي في العمل لم يصل، مع الأسف، الى المشاهد. وربما لم يَعِ الأستاذ نجدت أنزور هذا البعد. فحياة هي رمز الجزائر، وروايتي حين كتبتها في الثمانينيات كنتُ أعني بحياة الجزائر التي اغتصبها العسكر، والتي تحبّ المجاهد والمثقّف الشريف في رمزيّة خالد والمناضل زياد. لكن سيعقد قرانه عليها العسكري (كما يحدث في معظم الأنظمة العربيّة) ويُدعى خالد لمباركة اغتصابها. لكن هذا البعد لم ينتبه إليه أنزور، مما جعل الكثيرين لا يفهمون منطق هذه البطلة التي ظهرت وكأنّها امرأة لعوب مذبذبة عاطفيا تحبّ رجلين وتتزوّج آخر دون سبب منطقيّ، إنّ غياب هذه الأبعاد حوّلت حياة إلى امرأة عادية على يد المخرج. يضربها زوجها حيناً ويكسوها بالألماس حيناً، وهو ما لا يشبه صفات وتصرفات الرجل الجزائري. ورغم تفوّق الممثّل القدير جهاد الأندري في أداء يحسب له كزوج لحياة، إلّا أنّ شيئاً ما كان ينقص الشخصيّة لا مؤدّيها. وكان لابدّ لهذه الشخصيّة الأساسيّة في العمل أن تُختار من الجزائر. وأن تكون شبيهة بشخصيّة عمّها التي جسّدها بجدارة الممثل القدير نورالدين شلوش، فهي اختارت هذا الزوج كأب ليحميها مثلما تعقد الشعوب قرانها على العسكر ليحميها، لكن هذه الشخصيّة كانت تنقصها الأبوّة. هناك أشياء أيضا عن الجزائر آذتني لو استشرت ما قبلت بها أبدا.
أما كان بإمكانك أن تصحّحي ما يُمكن تصحيحه؟
حضرت خصّيصا وعلى حسابي لأتابع المسلسل وبقيت 10 أيام بين الجزائر وقسنطينة، ولكن لا أحد شرح لي ماذا يحدث. تصوّر أنّني من أنقذ حفل الزفاف الذي كان يشكّل هاجساً كبيراً لديّ لأنّه سيدخل إلى كلّ البيوت العربية تقاليدنا في الزفاف، كما كان فرصة لتعريف العالم العربي على أزيائنا وتقاليدنا.
ولولا تدخّلي ما كانوا ليعرضوا الثياب التقليدية القسنطينية كما بدت في المسلسل وبالمناسبة أشكر مصمم الأزياء عزّي لأنّه هو من قدّم لنا الثياب التقليدية بعد أن اتصلت به ليقدّم لي ثوبا أظهر به في الحلقة الأخيرة. ثم اكتشفت أنّه أجمل من الثوب البائس جدًّا الذي كانت ستظهر به العروس وكدتُ أجن لأنّه لا يمثّل جماليّة التراث الجزائري. وأرسل الله إلينا عزّي لإنقاذنا بعد أن أصرّ على التكفّل بكل الأزياء التقليديّة التي ستظهر في حفل الزفاف. لكن مع الأسف ذُكر اسمه في الجنيريك بحرف صغير رغم أن ما قدّمه لنا هو الشيء الأجمل من الجانب الجزائري..
لم تكوني على علم بأيّ تغيير أُدخل على السيناريو؟
هناك أشياء كثيرة تفاجأت بها.
ولم تتحدثي مع المخرج حول هذه التغييرات؟
لم يكن يملك الوقت أصلا. لقد جاؤوا الى قسنطينة لمدة أربعة أيام فقط لإنهاء التصوير، دون أن يسبق ذلك أي تحضيرات لمعرفة المدينة وروحها. لابدّ أن تعرف أن المشكلة كانت في ضيق الوقت لأنّهم أرادوا إنهاء العمل بسرعة توفيراً للمصاريف.. لقد تألمت جدًّا لأن هذا العمل كان يمكن أن يكون أجمل لو مُنح وقتاً أكثر، ولو تمّ العمل عليه بشغف أكبر. فقد كان فرصة لدخول الجزائر لكلّ البيوت العربيّة، يكفي أنّ سبع فضائيّات كانت تبثّه في الوقت نفسه.
هل اقتصر دورك على تسليم الرواية فقط؟
إنّ العمل أصبح ملكا لقناة أبو ظبي، ولم أستشر في تفاصيل كثيرة. غير أنّهم أخذوا برأيي عند اختياري لأمل بوشوشة ودفاعي عنها لتأدية الدور، واقتنع المخرج بها بعد فترة التمرينات التي أجرتها..
بعد كلّ هذا في رأيك هل نجح المسلسل؟
نجدت أنزور مخرج كبير ومن أكبر مخرجي العرب، لكن لدي عتب عليه أنه أنتج مسلسلين في عام واحد، ولا يمكن لشخص أن يبدع في 60 حلقة، والحلقات الأخيرة كان يصورها قبل أيام من العيد، ولا يمكن لمبدع أن يعمل وسيف الوقت على رقبته. قد يكون المسلسل قد نجح تجاريا. لكنه لن يعرف الخلود، الخلود شأن آخر. فذاكرة الجسد نجحت لأني قضيتُ 4 سنوات في نحتها كلمة كلمة، بينما قضى نجدت أنزور أربعة أشهر في تصوير ثلاثين حلقة. ربما في هذا اختصار للفرق بين العملين. فأنا بعد عشرين سنة من كتابة ذاكرة الجسد مازلتُ أنسب لها، فبقدر ما تعطي العمل يعطيك. ولهذا لم يحصل مسلسل ذاكرة الجسد على جوائز تليق باسم المخرج وبجهد من عملوا فيه.
أخيرا هل ثمّة ممثّلون عرب تتمنّين التعاون معهم مستقبلاً؟
كثير من الممثلات السوريات يُعجبنني، وبعضهن لم ينلن حقّهن من الشهرة ولكنّهن رائعات حقّا.. ومع الأسف لا أملك ذاكرة للأسماء. لكنّني سأبحث عنهن في الوقت المناسب. كما تعجبني هند صبري وأمل عرفة وسلاف فواخرجي خاصة في دورها في مسلسل «أسمهان» الذي شاركها فيه الممثّل الرائع عابد فهد، والذي أتمنّى أن يكون لي سعادة التعاون معه في عملي القادم «الأسود يليق بك»، لأنّي أراه مناسباً لهذا الدور الرومنسي والعميق في آن. كما يعجبني عباس النوري الذي سبق أن التقيتُ به، والممثّل القدير غسان مسعود الذي يملك شخصيّة قريبة من الشخصيّة الجزائرية بعنفوانها وصرامتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.