غدا يتقرر الوضع في السودان، فاما استمرار الوحدة، واما الانفصال. والانفصال يبدو اقرب الخيارين في ما يمكن اعتباره «طلاقا بالتراضي» بين شطري السودان. فالامر بات محسوما، ليس فقط على مستوى الاجراءات المتخذة لانهاء «المهمة» بل خاصة على مستوى «القلوب»، فالشمال يرتب أوضاعه لما بعد الوحدة والجنوب كذلك، وقد أدار كل طرف ظهره للاخر. بقي ان تستخلص كل الاطراف الدروس الضرورية لما بعد الوحدة. أول تلك الدروس ان البيت المضطرب من الداخل، يسهل اختراقه وتدميره والعبث به. فما كان يمكن النجاح في بتر الجنوب، لو كان بالامكان تسوية مشاكل السودان الداخلية المختلفة. صحيح ان مشكل الجنوب بالنسبة الى الدولة السودانية، هو مسالة متوارثة منذ اكثر من نصف قرن وان ما نجم عنها من خسائر ومعاناة دفع الى التفكير في الاستفتاء. وصحيح ان خيار الاستفتاء كان من قبيل «اخر الطب، الكي» او البتر، ولكن ربما كان بالامكان ايجاد حلول اخرى لمعالجة الاشكالات الاجتماعية والاقتصادية في السودان بغير الانفصال، قبل ان تتعفن الاوضاع وتسير الى ما سارت اليه من استحالة التعايش بين الطرفين. فالانفصال يظل شيئا مرفوضا بالنسبة الى الحالة السودانية وفي كل الحالات الاخرى ايضا، لأن ذلك سيشكل في المستقبل، سابقة في التعامل مع الاقليات في بعض البلدان العربية التي تضم بين شعوبها اقليات دينية او عرقية او طائفية. وكلما اصبح التعايش صعبا والافاق مسدودة دون حلول، كلما امكن للاطراف الخارجية التدخل لتأجيج الخلافات والدفع باتجاه الحلول القصوى التي يخرج منها الجميع خاسرون. ربما لن يكون الحديث عن انفصال الجنوب السوداني مجديا بعد يوم الغد، ولكن ينبغي الاستفادة مما حصل لتلافي نفس المصير في اقاليم سودانية اخرى، مستقبلا، او حتى بالنسبة الى بعض البلدان العربية متعددة الطوائف او الاعراق او الديانات. فمثل هذه التطلعات الانفصالية ستجد من يدعمها ويذكيها ويراهن عليها، كما تراهن الادارة الامريكية حاليا على فصل الجنوب السوداني ويتصرف موظفوها بحماس من سيلحق هذا الجنوب، بالولايات الامريكية. وربما لن يكون الحديث مجديا عن الجنوب السوداني بعد الان ايضا، ولكن هناك دارفور وهناك شرق السودان وهناك اشكالات عديدة اخرى قائمة في السودان وفي عدة بلدان عربية اخرى، ينبغي ان يتم التصرف فيها، سودانيا وعربيا، في ضوء ما تم استخلاصه من دروس الازمة الحالية، حتى لا يكون «آخر الطب»... البتر.