٭ الخرطوم: «الشروق»: من مبعوثنا الخاص: النوري الصل احتمالات وحدة تكاد تكون «صفرية»... أطلقت أمس «صافرة» البداية لاستفتاء تقرير مصير جنوب السودان... عشرات الآلاف من الجنوبيين توجهوا منذ صباح امس الى صناديق الاقتراع للتصويت في هذا الاستفتاء ولحسم مصيرهم بعد ان ملأ قادتهم السودان ضجيجا على امتداد السنوات الماضية من أجل الوصول الى هذه اللحظة... لحظة الاختيار الصعبة. «الشروق» زارت أمس عددا من مراكز الاستفتاء وعاش ساعات مع المراقبين والناخبين من الصباح حتى المساء... ساعات اختلط فيها الأمل بالألم... والفرح بالحزن... فرح بالاقتراع.. وحزن «للوداع»... لعلها انفعالات المشاعر والاحاسيس.. التي تختلج في قلوب حملت الكثير من الألم... وفي عقول حملت ايضا الكثير من الوهم... نعم منذ البداية تختلط عليك الأمور... حتى أنك تعجز معها عن معرفة الحد الفاصل بين كل هذه المشاهد والصور.. مشاهد وصور يبدو فيها كل من الناخبين يمد يده.. يحمل ورقته التي تحمل بدورها مساهمته «في كتابة فصل من فصول الانتصار».. لكن تلك الورقة تبدو لك كأنها تنوء ب «عز الاختيار»... وأيضا بصعوبة القرار.. قرار الانفصال جاهز.. نعم لكن لكل ناخب دوافعه وحوافزه في التصويت والاختيار... «هو احساس غير عادي مفعم بالدهشة الممزوجة بالفرحة.. بهذه الكلمات وصف المواطن الجنوبي مركار ل «الشروق» اللحظة التي عاشها اثناء التصويت مشيرا الى أنه مقتنع بقراره هذا رغم انه في خوف من مرحلة ما بعد الاستفتاء السيد مركار استغرب الحديث الدائر عن الانفصال بتلك الطريقة التي قال انها تسيء الى الجنوبيين وتظهرهم في مظهر «المتمردين» الذين لا همّ لهم سوى الخروج من الشمال. وأضاف قائلا: «نحن بمشاركتنا في الاستفتاء نطبق اتفاقية السلام التي وقعت في نيفاشا وهذا يعني اننا نريد السلام ولا نريد الحرب». ... من جانبه اعتبر اركانجلو ان يوم الاستفتاء هو يوم عظيم لشعب جنوب السودان على حد قوله، مشيرا الى أن الجنوبيين يقفون اليوم امام مرحلة مصيرية أكثر أملا وسلاما. وأضاف: «الاجواء ممتازة جدا وصوتنا في ظروف طيبة للغاية . الحكومة وفرت لنا الأمن... وهذه التجربة التي نعيشها تشكل بالنسبة الينا والى السودانيين ككل محطة مهمة جديرة بالتقدير. .. هذا يحدث لاول مرة في السودان ولم يكن ليحدث لولا حرصنا على حقن الدماء والحروب التي دفعنا فيها ثمنا باهظا». حسب تعبيره. ومن جانبه قال روبن صامويل «بالتأكيد انا سعيد جدا لأنني ادليت بصوتي في أحد أهم الشروط الواردة في اتفاقية السلام، بغض النظر عن النتائج... المهم هو احترامنا لتعهداتنا والتزاماتنا وبالتالي اتمام تنفيذها». وأضاف: «شخصيا أشعر بأنني مارست حريتي بسبب ما نجحنا بتحقيقه سياسيا وأن اليوم اشعر بالفخر». لكن هذه السعادة الغامرة لن تجد لها اثرا اذا حاولت استطلاع بعض الجنوبيين الآخرين... هناك غير بعيد عن مركز الاقتراع هذا في شارع الوادي بأم درمان حيث ميدان الحارة العشرين الذي يكتض بالجنوبيين.. هناك اتخذت طريقي بصعوبة وأنا أمضي في طريق متعرج بفعل أكوام الامتعة والحقائب التي تتناثر في كل مكان... تفاديت بصعوبة مجموعة اطفال يركضون بمرح على وقع استفتاء «الانفصال» لألتقي عددا من المواطنين الجنوبيين هناك حيث الغالبية تبدو متحمسة للاستفتاء وللدولة الموعودة.. ومتسلحة «بأمل في ان لا يؤدي الانفصال الى قطع حبل التواصل مع الشمال». بعض هؤلاء لم يتمكنوا من المشاركة في الاستفتاء لانهم لم يقوموا بالتسجيل في الشمال أملا في اللحاق بالتسجيل في الجنوب ولكن اجراءات رحيلهم الى الجنوب تأخرت وأحلام مشاركتهم في التصويت «تبخرت» لكنهم مع ذلك يقودهم الحرص كما قالوا ل «الشروق» على حضور لحظة ولادة دولتهم الجديدة». وفي الجانب الآخر من الخرطوم تستقطبك حالة «القلق» التي تتسلل بهدوء لتراود الأنفس وأنت تتجول في شوارع العاصمة السودانية التي فترت حركتها قليلا مع سفر البعض للمشاركة في الاقتراع مع ان هناك عددا كبيرا من التجار الشماليين الذين يعملون جنبا الى جنب مع الجنوبيين دون الاكتراث... لمجريات الأحداث، لكن اذا ما فاتحت احدهم في موضوع الاستفتاء ستجد ان هناك حزنا لا يضاهيه حزن لأنهم يرون في ما يحدث ايذانا بضياع بلدهم الذي اعطوه من دمائهم حتى يبقى واحدا موحدا.. بل ان البعض وصل به الامر الى حد اعلان الحداد وارتداء السواد... في ما أبدى آخرون ل «الشروق» مخاوفهم من ان يكون الاستفتاء مجرد «هدنة» قد تستأنف بعدها جولات جديدة من الحرب... حرب بات ينبذها الجميع هنا في السودان... لكن من يدري فربما يطلبها مجددا الغرب. رئيس لجنة استفتاء جنوب السودان ل«الشروق»: جاهزون لكل السيناريوهات ولا نتوقع «مفاجآت» ٭ الخرطوم «الشروق» من مبعوثنا الخاص: نوري الصل: أكد رئيس لجنة تأمين استفتاء جنوب السودان في تصريحات خاصة ب«الشروق» أن الأوضاع هادئة تماما في معظم الولايات السودانية بفضل الخطة المحكمة التي وضعتها أجهزة الأمن من أجل انجاح الاستفتاء. وقال الفريق اللواء شرطة أحمد إمام التهامي إن قوات الشرطة تقوم بدورها كما يجب في مجال تقديم الخدمات والمرور وتأمين البعثات الديبلوماسية والمواقع الاستراتيجية مشيرا الى أن كل الولايات أكدت جاهزيتها لتسهيل وصول المواطنين الجنوبيين الى مواقع الاستفتاء لممارسة حقهم الدستوري الذي كفلته لهم اتفاقية السلام الشامل. وأضاف قائلا: «لقد عملنا على اتفاقية اطارية وزعت على كل ولايات السودان الشمالية وذهبت قيادة الشرطة الى ولايات التماس لتأمين مراكز الاستفتاء وتأمين حركة الجنوبيين والذهاب الى مواقع التسجيل ومراكز الاقتراع». وتابع: «الشرطة في كامل جاهزيتها لتحقيق الأمن وسنجتاز هذه المرحلة بسلام خاصة أن الأمن في أحسن حالاته ويحرص على سلامة المواطن والحياة عادية جدا». وأكد رئيس لجنة تأمين الاستفتاء أنه لم يحدث أي عنف وأن الاستفتاء لن يشهد أي توترات أو اختراقات أمنية قد تعكر صفوه. وفي ردّه على سؤال حول ما إذا كانت هذه اللجنة تنسق مع حكومة الجنوب أوضح الفريق اللواء شرطة أن حكومة الجنوب لم تظهر أي نوايا للتعاون على غرار ما حدث في الانتخابات الماضية لكنه أشار الى استعدادهم للتنسيق متى طلب منهم ذلك سواء بالآليات أو المدربين كما تمّ في الانتخابات. ومن جانبه أكد الفريق محمد عطاء المولى عباس المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني التزام الأمن لاكمال عملية الاستفتاء في أجواء مستقرة ومطمئنة. مؤكدا ضلوع منظمات صهيونية في انفصال الجنوب: مسؤول أمريكي يعد بدعم شمال السودان بعد الاستفتاء ٭ واشنطن «الشروق» خاص: محمد سعيد أعرب نائب المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان تيم شورتلي عن قلقه إزاء إمكانية وقوع اضطرابات تتعلق بالنزاع بين أطراف الاستفتاء في جنوب السودان وخاصة فيما يتعلق بمنطقة أبيي. وقال في مقابلة معه «لدينا مخاوف إزاء بؤر توتر يمكن أن تنفجر في النزاع، ونحن نعمل للتأكد من أن لا يحدث ذلك في أماكن مثل إبيي وعلى طول الحدود بين الشمال والجنوب وهو الأكثر مدعاة للقلق. وعلى الرغم من أننا نتحدث حول الحدود بين الشمال والجنوب والاستفتاء فإننا ما نزال نشعر بقلق شديد حول الوضع في دارفور». وحول المخاوف من إمكانية اندلاع قتال داخلي بين القوى والقبائل المختلفة في جنوب السودان قال شورتلي إن الجنوبيين قد عملوا بشكل جدي للغاية لجمع الأطراف معا» مشيرا إلى أنه «كان في الجنوب في الماضي ميليشيات خاضت صراعات محلية، إلا ان الجنوبيين بذلوا جهودا قوية لجمع أولئك الزعماء إلى «الحظيرة» كما يقولون وإنهاء تلك الصراعات سلميا، وهناك اتفاقات عقدت مؤخرا مع الحكومة لضمان عدم وجود نزاع بين الجنوبيين وهو ما نأمل أن يستمر». وأكد شورتلي أن الولاياتالمتحدة ستعمل على الوفاء بوعودها الخاصة بالحوافز التي قدمتها إلى الحكومة السودانية في الخرطوم في حال تسهيلها لإجراء الاستفتاء وقال «لقد قدمت الحكومة الأمريكية خارطة طريق إلى السودانيين.. وهي تتحدث تحديدا حول تشجيع الدعم الاقتصادي من خلال الشركات الأمريكية التي ستعمل مع السودان بموجب تراخيص ولقد فعلنا ذلك بالفعل». مشيرا إلى أن الحوافز تشمل أيضا إعادة السفير الأمريكي إلى الخرطوم بعد الاستفتاء وشطب السودان من قائمة ما يسمى (الدول الراعية للإرهاب). وقال «هناك جزر أو حوافز من شأنها أن تتحول إلى مكافآت طالما مر الاستفتاء بشكل سلمي، وتم احترام النتائج، واستمر مسار السلام وهو ما يشمل أيضا دار فور». وحول الدور الذي لعبته ولا تزال منظمات مسيحية ويهودية أمريكية متطرفة وجماعات ضغط أخرى في الضغط على الحكومة الأمريكية لفصل جنوب السودان، لم ينف شورتلي الجهود التي تبذلها تلك المنظمات التي سماها «الجماعات المعنية بالدفاع عن القضايا المسيحية» إلا أنه قال «ما نركز عليه هو تنفيذ اتفاق السلام» وأضاف أن «هذه الجماعات في ما يتعلق بالقضايا المسيحية في السودان أو غيرها من القضايا تعلن آراءها والأمريكيون يغرون الجميع أن يفعلوا ذلك ونحن نستمع، ولكننا نقوم بتنفيذ سياسة تقوم على ضماننا لاتفاق السلام وهذا ما نركز عليه». أوباما يخيّر قادة السودان بين السلام والعقوبات ٭ واشنطن (وكالات): استهل الرئيس الأمريكي مقاله الافتتاحي في صحيفة «نيويورك تايمز» أمس بالقول: «لا يمنح كل جيل فرصة لقلب صفحة الماضي، وكتابة فصل جديد من التاريخ، ولكن اليوم بعد 50 عاما مضت في حروب أهلية حصدت أرواح أكثر من 2 مليون شخص وشردت ملايين غيرهم، سنحت فرصة جديدة لشعب جنوب السودان». وجاء المقال تحت عنوان« في السودان... انتخابات وبداية» وأكد أوباما من خلاله أن إجراء استفتاء هادئ ومنظم يمكن أن يضع السودان من جديد على الطريق نحو إقامة علاقات طبيعية مع الولاياتالمتحدة، وأن إجراء استفتاء تسوده الفوضى سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من العزلة. وتابع: «اليوم أكرر عرضي على زعماء السودان.. إذا أنجزتم تعهداتكم واخترتم السلام فهناك طريق للعلاقات الطبيعية مع الولاياتالمتحدة بما في ذلك رفع العقوبات الاقتصادية، وبدء عملية استبعاد السودان من قائمة (الدول التى ترعى الإرهاب) وفقا لقانون أمريكا، وعلى النقيض من ذلك فهؤلاء الذين يخرقون تعهداتهم الدولية سيواجهون مزيدا من الضغط والعزلة». وأكد أوباما ضرورة السماح للناخبين بالإدلاء بأصواتهم دون ترهيب وضرورة امتناع كل الأطراف عن الاستفزاز وعدم الضغط على مسؤولى الانتخابات، كما أكد ضرورة قيام زعماء كل من الشمال والجنوب بالعمل معا لمنع وقوع أعمال عنف، إذ إنه لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم في السودان دون إقامة سلام دائم في إقليم دارفور غرب البلاد، حيث قتل مئات الآلاف. قتلى وجرحى في اشتباكات ابيي وشريكا الحكم يتبادلان تهما بالتزوير الخرطوم (الشروق) من مبعوثنا الخاص :النوري الصل: أعلن قطاع الجنوب بالمؤتمر الوطني الحاكم في السودان أمس وقوع أعمال تزوير في إستفتاء جنوب السودان واتهم عناصر منشقة عن الجيش الشعبي بترويع المواطنين من أجل دفعهم للتصويت لصالح الانفصال. ومن جانبهم أكد مسؤولون في مفوضية الاستفتاء أن العملية الانتخابية تمر في أجواء هادئة. وفي أبيي وقعت صباح أمس ومساء أمس الأول مناوشات بين مسلحين من البدو العرب التابعين لقبائل «المسيرية» وجنود جنوبيين أوقع وفق ما أكدته مصادر مسؤولة ل«الشروق» 97 شخصا بين قتيل وجريح. وأوضحت المصادر أن جنودا من قبائل «الدنكا نقوق» الموالية للحركة الشعبية هاجموا ظهر أمس الأول البدو وحاولوا منعهم من الرعي لترد المسيرية باطلاق النار. وأكدت المصادر أن الهدوء عاد الى أبيي لكن أجواء التوترلم تغادرها ويتوقع أن تتجدد الاشتباكات خاصة مع الضغط الكبير الذي يفرضه الاستفتاء الذي انطلق أمس ويتواصل حتى السبت المقبل.