ثلاثة عوامل اجتمعت في آن واحد لتكون أيام الصورة التراثية بعين دراهم ناجحة على نحو لم يكن متوقعا. العامل الأول هو مشاركة أسماء ساطعة في عالم الصورة الفوتوغرافية، والثاني هو أريحية القائمين عل هذه التظاهرة وسعة صدورهم. أما العامل الثالث، وهو الأهم فليس إلا ذلك الحضور الكثيف والفسيفسائي الذي ارتمى بين «أحضان» الصورة عاشق فأسرته حتى اقتفى اثرها إلى «نور العين» الجاثم على ربوة من روابي خمير المتدثرة بتألقها الدائم، متوقفا عند أكثر من ينبوع نابض بالحياة، وعند أكثر من علامة مضيئة على جبين هذه القطعة العزيزة من تونسنا الحبيبة. الأيام التي أعادت لمدينة عين دراهم دورها الثقافي النشط في محيطها وهي التي كانت إلى أواخر الستينات عبارة عن صالون ثقافي مفتوح أمام كل التيارات والنماذج الفكرية والثقافية، بدءا بأنشطة الفرنسيين وصولا إلى نشاط نادي أبي القاسم الشابي (الذي أصبح الآن اثرا بعد عين)، هذه الأيام أبت إلا أن تكرّس الحفاظ على هويتنا العربية والاسلامية من خلال تثمين التراث الوطني. وانطلاقا من هذا البعد كانت الأعمال المشاركة تواصلا عبر الصورة بين الماضي والحاضر، وتفاعلا مع أزمنة طويت دون أن تطوى بصماتها الخالدات. قرار هام وإذا نحن شئنا أن ندلل على أهمية هذه التظاهرة التنشيطية الثقافية والفنية التي أعقبت مسابقة وطنية في الصور الفوتوغرافية ذات الصلة بالمدينة والتراث، إذا شئنا ذلك، حسبنا ان نتوقف عند الأسماء التي شاركت في اثراء المائدة المستديرة التي أقيمت بالمناسبة، فهي أسماء لامعة في مجالاتها على غرار الدكتور سامي بن عامر أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين والأساتذة عماد بن صالح ومراد الثابتي وعمار ضية والطيب الجويلي والفنان محمد العايب، هذه لمحة سريعة عن أيام الصورة التراثية بعين دراهم التي تنوعت فعالياتها وأسندت خلالها جوائز قيمة إلى الفائزين بالمراتب الثلاث الأولى، وهم ناصف السنوسي (القبة نفطة) ونادر المحجوب (فضاء كان الحمامات) ونادية بوعلاق (توزر التسعينات). ولكن، الأكيد ان القرار الذي أعلن عنه الدكتور علي الكسيكسي والي جندوبة كانت له أهمية خاصة، ومثّل احدى أهم النتائج التي تمخضت عن هذه التظاهرة. فقد أعلن السيد الوالي عن اسناد بناية تقع بعين دراهم إلى جمعية الفن التشكيلي بالمنطقة التي عرفت منذ تأسيسها بغزارة أنشطتها وتنوّع مبادراتها الهادفة إلى إعادة تنشيط المدينة ثقافيا. وبالتأكيد فإن هذا القرار يؤكد الحس الثقافي الرفيع الذي يتمتع به الدكتور علي الكسيكسي.