خلال قرن مضى، كانت المنطقة العربية كما البركان الذي يغلي فيحرق كل حين اوكار الاستعمار هنا وهناك بعد ان يظهر من يحركها ويقودها بكلمة من احمد عرابي، أو انتفاضة من الامير عبد القادر الجزائري أو صرخة من الشيخ ضاري الحمود أو إبراهيم هانانو، هؤلاء الرموز ومن جاء بعدهم ليقود حركات التحرر العربية على مدى المئة عام الماضية كانوا يحضون بتأييد جماهيري من الأمة التي تزحف خلفهم ناشدة طريق الحرية.. بيد أن جذوة البركان أخذت تخمد منذ أن سلمت الجماهير بثورة الدبابة، ظنا بأن الخلاص والرخاء سيكون على مدفعها.. فاخذ الجيل الثاني، من قادة الثورة، على عاتقهم اخضاع الشعوب العربية لحكم دكتاتوري توالى على مدى العقود الماضية الى وقتنا الحاضر.. المعادلة الجديدة بعد ثورة تونس الشعبية وما لحقتها من بوادر لثورات جماهيرية في أمتنا، أهمها مايجري في مصرالان، من حراك شعبي فعّال اقلق النظام وجعله يترنح، بانتظار الضربة القاضية!!, تجعلنا نفكر مليا، لماذا لم تهب الجماهير العربية قبل الآن؟؟ فهل السبب في المزاج العام الذي لم يكن يساعد على قيام حركة عربية تحررية على كل الصعد، بعد اختفاء المعارضين الحقيقيين للاستبدادات العربية، اما في الزنازين التي ينسى فيها الانسان انسانيته ناهيك عن المبادئ والاحلام الوردية بوطن تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية، أو انهم غيبوا في المنافي التي تعد مقبرة الثوار، حيث تكبرالهوة بين القيادات والشعوب وشيئ فشيئا تتلاشى احلام الامة وتخلق حالة من الياس بالتغيير على ايديهم، سيما وان جزء من المعارضة في خارج الاوطان تتعرض لضغوط واجراءات من الدول المضيفة منها منعهم من النشاط السياسي، خوفا على مصالحها المتبادلة، وهكذا لايعود لها اي دور مؤثر في تغيير الواقع المرير الذي تعيشه شعوبها العربية.. بالاضافة الى ان طريقة التغيير أو قلب نظام الحكم بأقتحام الدبابات مقر الاذاعة والقصر الجمهوري أو الملكي واعلان البيان رقم واحد لم تعد مجدية، بعد ان رسمت السلطة العربية لنفسها دائرة واسعة بمساحة الوطن وجعلت اذرعها الاخطبوطية تزحف في اعماق كيان الوطن وخيراته..!! ناهيك عن ان تجربة الشعوب مع العسكر لم تكن بالمثمرة، خصوصا بعد ان استلمت المنظومة العسكرية زمام الدولة المدنية من شرق الوطن العربي الى غربه، فتحولت معظمها الى دول عسكرتارية يحكمها جنرالات ومارشالات اعتادوا على مقولة(نفذ ولاتناقش)التي لايمكن ان تداربها الدول المدنية. في ذات الوقت اصاب الشعوب يأساً وقنوطاً من عدم ظهور قائد أو رمز من بين الملايين ليحرك الناس او ليقودهم نحو المطالبة بحقوقهم المشروعة ... مما اوصل المواطن العربي الى التسليم بان بطون النساء جفت ولم تعد قادرة على انجاب عبد الناصر جديد او عمر المختار اوبن بلة او عبد الكريم قاسم!! لقد تنبهت الشعوب العربية في غفلة من الزمن وبعد ردح طويل من الانحناء تحت سياط الحكام، حيث فاض كيل الناس بالظلم والجوع والبطالة والقمع والفساد والرشوة ومصادرت الحريات.. فثارت بشكل عفوي وغير مؤدلج، بعد ان طال انتظارها لقائد بمزايا قادة الامة السابقين.. صحيح ان الحكومات والممالك التي عينها الاستعمار لم تكن محبة لشعوبها، وولائها التام للاستعمار، ليست بالخافية على احد، ورغم ذلك لم تكن بالقسوة التي جاء بها الجيل الثاني من دعات التحرر للاوطان المستعمرة، ولا يمكننا باي حال من الاحوال اغفال او انكاربان وسائل الاذلال والتنكيل هي اشد ظلما مما كانت عليه ومن قادة انتفضوا على تلك الانظمة بثورات وانقلابات، ليصبحوا بعد حين من الزمن قامعون لشعوبهم بقسوة اكبر واستبداد اوسع، ويستأثرون بخيرات البلدان بشكل اشد من تلك التي كانت على يد الانظمة البائدة.. فما إن أمسكوا السلطة وذاقوا طعم الحكم حتى استبعدوا التفكير بالتخلي عنها بأي ثمن، حتى لو كانت الوسيلة قتل وتجويع الناس، آخذين بالاعتبار المبدأ الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)!! بعد أن رزحوا عقدين أو ثلاثة على سدة الحكم،ثم نجدهم ماضين بمشاريع التوريث لابنائهم، غير عابئين بمطالب ورغبات شعوبهم التي ملت من الانتخابات الصورية، والاستفتاءات المزيفة .. فثاروا بشرارة بوعزيزي وافلحوا باجبار زين العابدين بن علي على الفرار في ليلة ظلماء تاركا البلاد خلفه .. وهاهم يجبروا مبارك على التغيرالشامل وتسمية نائبا له بعد ثلاثة عقود من حكمه الاوحد،وهو يستعد الان لحزم حقائبه استعدادا للرحيل الذي باتت تباشيره تلوح في الافق القريب,ان باقي الشعوب العربية ماضية حتما على ذات الطريق، فجمرة الثورة تنفخها رياح الرفض ..وهاهي الجماهير العربية تتحمل المسؤولية، وتأخذ على عاتقها وضع حد لتجاوزات الانظمة ودكتاتورياتها، ففي وقت اختفت فيه الرموز والقيادات، أصبح الشعب هو الرمز والقائد!!..