نابل.. نتائج عمليّة القرعة الخاصّة بتركيبة المجالس المحلية والمجلس الجهوي    الرابطة 2.. نتائج مباريات الدفعة الثانية من الجولة 24    كرة اليد: الترجي يحرز كأس تونس للمرة 30 ويتوج بالثنائي    بنزرت: وفاة أب غرقا ونجاة إبنيه في شاطئ سيدي سالم    مداهمة تجمّع ''شيطاني'' في إيران    لوقف حرب غزة.. ماكرون "يتحدث العربية والعبرية"    شاطئ سيدي سالم ببنزرت: وفاة أب غرقا عند محاولته إنقاذ طفليه    تحذير طبي: الوشم يعزز فرص الإصابة ب''سرطان خطير''    3 دول عربية ضمن أعلى 10 حرارات مسجلة عالميا مع بداية فصل الصيف    وزارة المالية تعلن عن اطلاق منصة ''تاج''    محرزية الطويل تكشف أسباب إعتزالها الفنّ    إستقرار نسبة الفائدة عند 7.97% للشهر الثاني على التوالي    الحمادي: هيئة المحامين ترفض التحاق القضاة المعفيين رغم حصولها على مبالغ مالية منهم    عاجل/ الهلال الأحمر يكشف حجم المساعدات المالية لغزة وتفاصيل صرفها    عاجل/ الإحتفاظ بشخص يهرّب المهاجرين الأفارقة من الكاف الى العاصمة    بلاغ مروري بمناسبة دربي العاصمة    بداية من اليوم: اعتماد تسعيرة موحّدة لبيع لحوم الضأن المحلية    110 مليون دينار تمويلات لقطاع التمور...فرصة لدعم الإنتاج    غرق قارب بأفغانستان يودي بحياة 20 شخصا    إمكانية نفاذ منخرطي الكنام إلى فضاء المضمون الاجتماعي عبر منصة 'E-CNAM'    وزارة التربية: نشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة الخاصة بالمترشحين لامتحان بكالوريا 2024    الهلال الأحمر : '' كل ما تم تدواله هي محاولة لتشويه صورة المنظمة ''    الشركات الاهلية: جهود مكثفة للإسراع بإعداد دليل مرافقة الباعثين    عاجل/ إتلاف تبرعات غزة: الهلال الأحمر يرد ويكشف معطيات خطيرة    كرة اليد: اليوم نهائي كأس تونس أكابر وكبريات.    غدا : التونسيون في إنتظار دربي العاصمة فلمن سيكون التتويج ؟    تجربة أول لقاح للسرطان في العالم    بعد إغتيال 37 مترشحا : غدا المكسيك تجري الإنتخابات الاكثر دموية في العالم    حريق ضخم جنوب الجزائر    عاجل : منع الإصطياف و التخييم في هذه المناطق الغابية بداية من اليوم    وزيرة الإقتصاد و مدير المنطقة المغاربية للمغرب العربي في إجتماع لتنفيذ بعض المشاريع    أنس جابر معربة عن حزنها: الحرب في غزة غير عادلة.. والعالم صامت    وزير الصحة : ضرورة دعم العمل المشترك لمكافحة آفة التدخين    قتلى في موجة حر شديدة تضرب الهند    اتحاد الفلاحة: هذه اسعار الأضاحي.. وما يتم تداوله مبالغ فيه    طقس اليوم: أمطار منتظرة بهذه الجهات    عاجل/ بنزرت: هذا ما تقرّر في حق قاتل والده    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    غمزة فنية ..الفنان التونسي مغلوب على أمره !    لأول مرة بالمهدية...دورة مغاربية ثقافية سياحية رياضية    مسرحية «تيتان» هنا وهناك    الانتقال الطاقي...مشروع للضخ بقدرة 400 ميغاواط    انطلاقا من غرة جوان: 43 د السعر الأقصى للكلغ الواحد من لحم الضأن    وزارة الصناعة: توقيع اتفاقية تعاون بين أعضاء شبكة المؤسسات الأوروبية "EEN Tunisie"    مفقودة منذ سنتين: الصيادلة يدعون لتوفير أدوية الإقلاع عن التدخين    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    البرلمان : جلسة إستماع حول مقترح قانون الفنان و المهن الفنية    رئيس لجنة الفلاحة يؤكد إمكانية زراعة 100 ألف هكتار في الجنوب التونسي    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    قفصة: وفاة 3 أفارقة من جنوب الصحراء وإصابة 20 آخرين في انقلاب شاحنة    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    الدور الثالث من بطولة رولان غاروس : من هي منافسة أنس جابر ؟    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور حمادي صمّود في حديث مطوّل ل «الشروق»: الثورة ليست كنزا ينال كل مواطن منه قسطه وليست فرصة للاستغلال مهما كانت مشروعية المطالبات
نشر في الشروق يوم 17 - 02 - 2011

عرفته مدارج الجامعة التونسية على امتداد أربعين سنة مدرّسا مبرزا في البلاغة... تخرّج على يديه جمع كبير من الأساتذة الجامعيين... أشرف على عديد أطروحات الدكتوراه مؤطرا ومناقشا وموجها وملاحظا...
في رصيده عديد المؤلفات التي أثرت المكتبة التونسية بمضامين فيها إضافة وإثراء للمعارف اللغوية والابداعية.
الدكتور حمادي صمّود التقته «الشروق» في هذا الحوار المطوّل حول ثورة 14 جانفي وارهاصاتها العديدة... وهذه الحصيلة.
٭ حوار: عبد الرحمان الناصر
٭ ثورة 14 جانفي... حدث تاريخي في تونس... هل كان لابدّ منها؟
التغيير كان لابدّ منه لان الأمور لا يمكن لها ان تتواصل على ما هي عليه... ان الوضع أصبح كابوسا لا يحتمل وأكرر ان ما حدث كان لابدّ من حدوثه.. الثورة فتحت آفاقا كبرى وحصولها يكاد يكون من باب المستحيل لذا فإن سعادتنا بها كانت كبيرة...
والأدبيات التي قيلت أشارت الى تونس من حيث أنه لم يكن في الحسبان أن يتم بهذه الطريقة وهو شيء أكثر مما كنا نتوقع لذا فالفرحة كانت مضاعفة ولكن أيضا الحذر والاحتياط من ان تزوغ لا تقل عن الفرح والحماس يجعلنا نشعر شعورا أننا أناس يعيشون حياتهم وتطلعاتهم بشكل مختلف تماما..
ولكن أيضا في نفس الوقت ومن باب المعرفة بما يحدث وحدث في الثورات المماثلة بعدد أصابع اليد الواحدة وضرورة الحذر والتوقي من المنزلقات وهي منزلقات نرجو ان لا تكون معطّلة للثورة وأن تسمح مهما كان حجمها الوصول الى تحقيق الغايات التي لابدّ من تحقيقها.
٭ كيف تحدد هذه الغايات؟
تتمثل هذه الغايات في حرية الشخص والمجتمع والديمقراطية..
والحرية هي تشمل كل الحريات من حرية الرأي الى حرية المعتقد وكل حريات الانسان ذاتا ومواطنا وعنصرا فاعلا في الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه بلادنا ثم العدالة الاجتماعية ومع هذا الثالوث نصنع ما يسمى بكرامة الانسان وشعوره بأنه ذات منصهرة في مجموعة تسعى الى تحقيق نفس الأهداف.
٭ ماهي نوعية هذه المحاذير؟
نعم لابدّ من المحاذير... هذه المحاذير تتأتى من أن مفاهيم الحرية والديمقراطية مفاهيم تبدو لي من الناحية الفكرية البحتة واقعة في منطقة ليست مستقرة تمام الاستقرار فهي تقع في تقاطع جملة من الفعاليات التاريخية التي تجعلها مفاهيم لا تقوم دون ممارسة أي أن قيامها النظري غير كاف وأنها لا تكتمل الا بالممارسة والتجسّم باعتبار ان الحرية ليست تفكيرا إنما قضية التفكير التي لا تكون الا بالممارسة وكذلك الديمقراطية لا تستكمل وجودها الا اذا تجسّمت في مؤسسات وحياة اجتماعية واقتصادية الى غير ذلك.
فمشكلة الحرية تقع في منطقة مضطربة حيث أن التسلّط يرهقها والفوضى تميتها فالحرية تقع في منطقة سرعان ما تنقلب الى ضدها، التسلط وتكبيل الآراء يرهقها لذا فهي تنسحب وتتقلص ويضيق مجال ممارستها الى درجة الاختناق ولكن ايضا عدم الانتظام في ممارستها وفهمها فهما أوليا سطحيا على أنها تبيح كل شيء وتسمح بكل شيء هو ايضا مرهق لها بل لعلّه يضيق عليها الخناق أكثر مع ضرورة الإشارة الى الفرق بين التسلط والانتظام.
التسلط إقصاء لإرادة الفرد والجماعات في حين ان الانتظام هو فعل إرادي.
إذن الحرية فعل إرادي يستنبطه المواطن حفاظا على تلك الحرية ومن هذا المنطلق فالحرية إنصياع إرادي لما به تبقى الحياة الاجتماعية ممكنة ومتواصلة.
٭ هل من توضيح أكثر لهذه المسألة؟
ألاحظ انه على كل مواطن الآن وأنا أحدثك كمواطن أن يقوم بدوره للحفاظ على ما تطمح اليه الثورة وما نريد تحقيقه في أمد طويل.
كل مواطن له على الاقل دوران أساسيان:
أولا: الاقناع والاقتناع بضرورة الاقلاع عن صورة بدت لي أنها مركوزة في المخيال الجماعي وهذا ما بدا لي من خلال متابعتي لكل التونسيين من خلال ما يجري منذ شهر في مختلف أرجاء الوطن وما نراه في وسائل الإعلام وخاصة المرئي منه وهي أن الدكتاتورية في أذهان الناس كأنها مربوطة بفكرة الكنز المرصود اي الكنز الذي يتربّع عليه ثعبان مخيف وإذا ما ازلنا هذا الحيوان الخطير وقعنا على الكنز ولذلك فلكل شخص الحق الآن في أن ينعم بما في هذا الكنز وينال منه قسطه وفي رأيي ان هذا الثعبان ذهب وقد التهم الكنز.
هنا لابدّ ان نعي هذا بعمق انه ذهب وترك البلاد في حال من النهب والفوضى وما يلزم معه الآن أكثر من اي وقت مضى ان نقدّم مفاهيم التضحية والصبر والشهامة حتى يتحقق ما قامت الثورة من أجله.
أما الاحراج بهذه الطريقة وكأن هذه الفترة فرصة لا تعوّض فهو تعطيل للثورة وضرب من الوقوف في وجه ما نترقب ان نحقق وذلك مهما كانت مشروعية المطالبات وقد رأينا منها حالات ما كان الانسان يتصوّر أن تونس القرن الواحد والعشرون فيها من بؤر الفقر والحرمان ما شاهدناه.
٭ ما هو المطلوب على المستوى العاجل إذن؟
أن يفهم الناس ان المنطق الاجتماعي والمنطق التاريخي لا يمكن ان يسيرا على هذه الوتيرة وأنه لا يمكن لنا ان نخرج الذين تكفلوا بتحقيق هذه المطالب بهذا الضرب من الاحراج حتى أصبحنا لا نرى الا الإلحاح على تلبية الرغبات تلبية آنية وهذا أمر لا يمكن لأى مسؤول ان يستجيب ولا إمكانيات البلاد أيضا تسمح بذلك وعلينا أن نعمل قبل كل شيء على ان تعود الحياة الاقتصادية الى سالف نشاطها حتى نوفّر ما يمكن به من تلبية هذه المطالب ولا شك انها ستلبّى متى توفّرت أجواء الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية من وجهة نظري إن كان هناك عمل لابدّ ان نقوم به وبأقصى السرعة هو تمكين موارد الثروة وهي محدودة في بلادنا من أن تعود الى سالف نموّها وأن نسمح لكل قطاعاتنا سواء التي تستغل للاستهلاك الداخلي او للتصدير من أن تنشط وأن يعود إليها نسقها الذي كانت عليه وأحسن طبعا مما كانت عليه.
٭ يتفق الجميع ان القطاع التربوي يعيش وضعا استثنائيا قياسا بحجم المشاكل التي يتخبط فيها وأعني هنا بدرجة أولى المستوى الجامعي ومشكل الخريجين العاطلين عن العمل؟
فعلا القطاع التربوي أعرفه أكثر من غيره وهو قطاع يعاني مشاكل عديدة زادها التراكم حدّة وقسوة أحيانا وأعني بذلك خاصة ما يسمى ببطالة أصحاب الشهائد العليا هذه معضلة بلاشك ولكن ليست مستحيلة الحل.
٭ أنت تطرح حلولا إذن؟
الحلول يمكن بلوغها والتوصل إليها لكن علينا ان نعي ان هذه الحلول لا يمكن ان تقع في زمن وجيز او بعصا سحرية، فعدد العاطلين من أصحاب الشهائد العليا لا يقل عن 100 ألف كيف يمكن لبلد أن يجد حلاّ ل 100 ألف عاطل عن العمل دفعة واحدة لا طاقة استيعاب الوظيفة العمومية ولا إمكانيات الدولة الآن ولا حسن استعداد المسؤولين الذين أخذوا على عاتقهم هذا القطاع بقادر على أن يستجيب لكل المطالب دفعة واحدة.
فالحل الشامل لها يتطلب وقتا ويتطلب تضافر جهود القوى الوطنية باعتبار ان هذا مشكل تربوي فقط بل هو مشكل وطني أيضا وأنا شخصيا لا أشك في أن جانبا كبيرا منهم يدرك هذا الأمر وله طاقة التفهم لصعوبة الحل ولكن لابدّ من أن يوجد هذا الحلّ ولكن على أمد متوسط وربما على أمد طويل.
لا أعتقد شخصيا أن هناك بلد قادر على أن يستوعب في أسابيع كل هذا العدد وأن يستغلهم ويدمجهم في الدورة الاقتصادية مع الالحاح دائما على أنه مشكل لابد أن يكون من أولوية الأولويات في نطاق ما ستؤول إليه حياتنا في أجل قريب عندما تستقر الأوضاع وعندما نتجاوز هذه المرحلة الانتقالية ولذلك يصبح الاحراج بالاعتصام والاضراب نوعا من التعجيز الذي لا نعرف كيف ستكون نتائجه على هذا المرتقب الذي نتطلع إليه جميعا بعد هذه الثورة الكبيرة.
هناك تأكيد منك من أن الثورة أمام تحديات كثيرة وصعبة في قادم الأيام؟
الثورة أمام تحديات صعبة وأرجو أنها ليست عقلية التفكير في أنها فرصة، الثورة ليست فرصة... إن الذين قاموا بالثورة وضحّوا من أجلها وهم في ريعان الشباب في الأغلب لهم علينا حق المحافظة على ما قاموا به وأن نفكّر في الآتي ولا يكون التفكير في الآتي إلاّ بأن ندرك تمام الإدراك ما نحن مدعوون إليه من تضحيات إضافية في هذه الفترة الدقيقة الحرجة. أظنّ أن الناس المؤمنين بهذه الثورة والمترقبين لما ستحدثه من انقلاب في حياتنا وأفكارنا ورؤانا قادرون على أن يفهموا أن من واجبنا قبل كل شيء الوقوف في وجه كل هذه المعيقات وأن يقدموا مصلحة المجتمع ومصلحة البلاد على كل ما يتصل بالذات وبالقطاعات أو بالأشخاص، أرى أنه من غير المعقول أن تكون قطاعاتنا في إضرابات منذ شهر حيث لم تقف هذه المطالبات وإن كنت أؤكد على شرعيتها وأنه لابد من دراستها والنظر فيها وتلبية المعقول منها.
في كلامك مسحة من التفاؤل رغم ما أشرت إليه وحددته من صعوبات؟
كمواطن أنا متفائل ويجب أن أكون كذلك ولكن أدعو إلى شيء من تأجيل ما لابدّ من تأجيله، يجب أن يفهم الناس وألحّ هنا على كلمة تأجيل ذلك.
نحن نعرف أن الانخرام الاجتماعي هو نتيجة التسلط الذي خلق تفاوتا غير مقبول ولكن للمطالبة أوان أو على الأقل تكون المطالبة في نسق جدولي، الحكومة تستجيب للفئات المتدهورة لكن غير قادرة على الاستجابة إلى كل المشاكل.
وأظن أن الإعلام له دور وعليه مسؤولية ولا أخفي عنك، أن الإعلام المرئي يعيش أحيانا منزلقات خطيرة ولعله بذلك يكبّل أكثر مما يسمح بهذه الثورة بأن تبلغ ما تريده، وهذا أمر غير مقصود. الاعلام المرئي انتقل من الضدّ إلى الضدّ... من جهاز في يد الحاكم إلى إعلام أصبح كأنّه مرآة عاكسة مجرد انعكاس لكل ما يحدث في البلد وبأقساط.
هذا يعني من وجهة نظرك أن الاعلام المرئي يعمل دون خط تحريري واضح؟
نعم أصبح الاعلام منبرا لكل من أراد أن يعبّر في الغالب عن حالة شخصية دون أن يكون للقائم على الموضوع فاعلية ولا يتدخل بالسؤال.
الاعلام ليس مرآة عاكسة وهذا انطباع حصل لي كما كان الناس مقلعين عن الاعلام عندما كان أداة في يد الحاكم أصبحوا مقبلين عليه الآن لأنه أصبح يعكس دون موقف وإذا بنا أمام ركام من الخطابات المتشنجة يغلب عليها الصراخ أكثر من الكلام، يعرض فيها الناس أحوالهم، وهي أحوال على درجة من السوء عجيبة وكثيرة حتى لكأنه ليس في البلد نقطة واحدة مضيئة وهذا أمر يدعو إلى كثير من التدبّر وإعادة النظر.
لكن هذا لا يعني أننا لا نريد أن نكشف هذه الحقائق لكن أن نشخص المسائل إلى هذه الدرجة أجرأ وأقول أن كشف الحال بالمعنى الدارج للكلمة إذ يذهب بكرامة المتظلمين وبشهامتهم لأن الشعب الذي قام بالثورة شعب لابد أن تتوفر فيه خصال الشهامة وإباء الضيم والتضحية كأننا بين عشية وضحاها فقدنا هذه المعاني، ويمكن للإنسان أن يبلغ صوته وأن يقدم بؤسه ومأساته ولكن بشيء من الشهامة والستر، فإن كان الاعلام يرمي من وراء ذلك إلى تعرية ممارسات الحكم السابق، فأظن أن ما نعرفه عنه يكفي لتوريطه والرغبة عنه والتقزز منه، لا نحتاج لنعلم مدى ما اقترفه الحكم البائد من جرائم في حق الوطن، نحن لا نحتاج إلى هذا الذي نسمعه يوميا وفي كل نشرة أخبار تقريبا.
أنت تنادي بخاطب إعلامي جديد؟
هناك أشياء مهمة، فالاعلام في حاجة إلى تشريك المواطنين في حوارات مع بعضهم البعض، حوارات تكون فاعلة في صورة تونس المقبلة وأن يكون الاعلام مسؤولا وله القدرة على التمييز بين الأهم والمهم وفهم خصوصيات هذه المرحلة.
في هذه المرحلة يحدثنا أهل الاقتصاد أن البلاد خسرت أموالا بحكم الثورة وهي خسائر لا تساوي شيئا أمام ما غنمناه منها وعلينا في خطاب التحميس والاستنفار أن نرفع الكرامة قبل الخبز وهو أساسي في استنفار الناس ودفعهم إلى الفعل الثوري.
فشعار «خبز وماء وبن علي لا» خطاب مهم في فترة معينة من حياة الثورة، فترة استنهاض الناس واستثارة الشعب والتضحية والموت في سبيل أن تحيا تونس ولكن مباشرة بعد هذا لابد أن نفهم أنه لا كرامة بلا خبز بمعنى أنه لا كرامة دون أن يعود الناس إلى الانتاج وتوفير الثروة حتى تقسم قسمة عادلة وحتى يجد المجتمع شيئا فشيئا توازنه الجديد الذي تبنيه الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
بعض الآراء تقول إن الطبقة المثقفة لم تقم بما هو منتظر منها تجاه الثورة ما هو تعليقك؟
لا يختلف حالها كثيرا عن حال بقية المواطنين لأن مشاعر المحافظة على الذات والحياة لا تختلف عن الطبقات الأخرى، بقي أن الطبقة المثقفة وأتحدث هنا من موقعي كمدرس ساهمت في الثورة على صعيدين على الأقل :
الصعيد الأول : المطالبات المباشرة والعمل النقابي واللوائح المباشرة التي كانت تعرض الموقعين عليها إلى العقاب، وأذكر هنا أنه في كلية الآداب لا يمرّ اجتماع نقابي إلا وقال فيه النقابيون رأيهم في تجاوزات السلطة، ولكن وإن لم يؤد إلى شيء كثير، لذلك كانت بعض مؤسسات التعليم العالي محاصرة لوجود حراك للرفض ولكنه لا يتجاوز شكل اللوائح.
التي صحيح أنها لم تغير من الأمر شيئا كثيرا.
وكان لابد من أجسام كيميائية أخرى حتى يتم الأمر بالكيفية التي رأيناها.
الصعيد الثاني وهو مهم أظن أن المساهمة الفعالة في تكوين الأجيال المتعاقبة تكوينا علميا عصريا حاولت أن تمارس فيه حريتها في المنابر المتوفرة لها وأدت واجبها بكثير من الشجاعة وكنا نعرف أن ما يقال في الأقسام ومدارس الجامعة يبلّغ إلى السلطة.
من وجهة نظري كانت مساهمة في وضع الأجيال التي علمناها في حضرة أهم ما ينتج في العالم من أفكار وما تبشر به تلك الأفكار من تطلعات وقدرة على تغيير الأفكار والأنساق والرؤى كل في مجال اختصاصه وأظن أن هذا كان له تأثير غير مباشر في الثورة.
علمنا الأجيال مما يقتضيه العيش في العصر من متطلبات في حرية الرأي وحرية المعتقد ونسبية الحقيقة وعلمناهم أن الحقيقة ليست ملكا لأحد وأنها نسبية وأن كل الأنساق (الكوليانية) أنساق على هامش العصر ولابد أن يأتي يوم تحاصر فيه تلك الأنساق ويتبين الناس رهافتها وأعتقد أن الانتقال إلى هذه الأفكار من الأنساق الفكرية إلى الأنساق السياسية انتقال سهل بعملية قياسية بسيطة يفهم الناس أن التسلط والدغمائية والانفراد بالرأي كلها مفاهيم لم يعد لها مكان في هذا العصر.
بكل تواضع هذا ما قمت به وربينا عليه طلبتنا وربيناهم أساسا على الاختلاف وشخصيا في اختصاصي القريب مني أنا مدرّس بلاغة، ولا يمكن لبلاغة أن تقوم إلا في وجود الاختلاف وتعدد الرأي.
حققت الثورة هدفها الرئيسي المتمثل في اسقاط النظام الدكتاتوري... هي ثورة شعبية ما هو المطلوب من المثقف اليوم حتى تحافظ هذه الثورة على ألقها وتوهجها؟
الدور المطلوب من المثقف اليوم شأنه في ذلك شأن المواطن العادي يجعله من الأولويات للدفاع عن الدولة المدنية، الدولة الحديثة، الدولة التي تحتكم إلى قوانين وضعية وتكون في صلب العصر لا على هامش العصر وضرورة الانتباه إلى كل الحركات والتطلعات والطموحات التي تعمل في السر والعلانية لتردنا إلى وضع لا يختلف عن الوضع الذي كان قبل الثورة، نحن نريد دولة حرة ديمقراطية تقوم على العدالة الاجتماعية وتنبع من صلب العصر ومعين الحداثة ولعل هذا الواجب الثاني أولى لأنه هو الذي سيضع المرتقب على المسار الصحيح لا سبيل إلى أي شكل من الأشكال التي تتحدث باسم الميتافيزيقيا أو علم الغيب والتي تعتقد أنها تمتلك الحقيقة وتريد أن تقنع الناس بأنها وصية عليهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.