الفراغ النسبي للامن الذي تشهده البلاد والبطالة والثمن الرمزي للسفرة البحرية في اتجاه المجهول واستقرار الطقس و حفاوة الاستقبال لاول رحلة يوم 17 جانفي الماضي كلها عوامل تم استغلالها في تنظيم الرحلات البحرية «فالحرقة» كما يسمونها خلفت لوعة وحُرقة وألاما لعديد العائلات بجرجيس وبغيرها من المدن التونسية. بعد ان استيقظت عائلتان من جرجيس على وقع مصيبة حلت بهما اثر انقلاب زورق في حدود الواحدة والربع من صباح يوم الجمعة 11 فيفري بمنطقة «لمسة» جنوبي مدينة جرجيس على متنه 12 شخصا بصدد التنقل منه الى الباخرة التي ستقلهم الى ايطاليا لكن القدر كان اسرع فمات اثنان منهم غرقا وتم الاحتفاظ بثلاثة في قسم الانعاش بالمستشفى الجهوي بجرجيس أين تم تمكينهم من الاسعافات الطبية اللازمة فيما نجا الباقون. وفي الوقت الذي كانت فيه السلطات الامنية من حماية مدنية وحرس بحري وجيش وطني يبحثون عن المفقودين بحادثة الزورق بجرجيس كان حوالي 115 شخصا يصارعون الموت ولكن في المياه الاقليمية التونسية اذ ان الباخرة التي إنطلقت من شاطئ «العقلة» بجرجيس في الليلة الفاصلة بين 10و11 فيفري 2011 في اتجاه ايطاليا تعرضت الى حادثة أليمة مساء يوم الجمعة 11 فيفري في حدود الثانية و50 دقيقة وحسب شهود عيان ونذكر من بينهم هيثم هنيد وعبد القادر القبة وسيف الدين بلغول وفهمي بن راشد وغيرهم لما كانوا على بعد 70 كلم من جزيرة قرقنة و90 كلم من لامبادوزا الايطالية فوجئوا بخافرة تابعة لجيش البحر كتب على جانبيها الحرية 302 تصطدم بباخرتهم التي يبلغ طولها 19 مترا مما أدى الى انقسامها على شطرين تم على اثرها تسجيل 23 شخصا في عداد المفقودين و05 قتلى وبلغ عدد الناجين 85 شخصا الذين ساعدوا بعضهم البعض وتمكنوا من النجاة بمساعدة مهاجرين غير شرعيين كانوا على متن خافرة جيش البحر. توضيح من السلطات الأمنية واجراءات مشددة للحد من الظاهرة وعلى خلفية هذه الحادثة التي تعرضت لها الباخرة تحول مسؤول رفيع المستوى من جيش البحر صباح الاثنين 13 فيفري واستمع خلاله الى روايات شهود العيان من الناجين والى بعض العائلات التي فقدت أبناءها ولا زالت لا تعرف مصيرهم وأكد لهم بأن الحادث البحري كان عرضيا أنجر عن خلل ميكانيكي وليس مقصودا والجيش التونسي في البر كان أو في البحر مسؤوليته حماية المواطن وليس الحاق الضرر به. تعهد بالبحث عن المفقودين وأثناء السؤال عن مصير المفقودين صرح بانه سيتم بذل مجهودات اضافية للبحث عنهم في المياه الإقيليمية التونسية وتمنى العثور عليهم أحياء وأكد ان الجيش التونسي مؤكدا انه وفي اطار الحرص على حماية الشباب من هذه المخاطر سيتم العمل على التصدي لكل الرحلات التي يتواصل تنظيمها بطرق غير شرعية ومن مختلف شواطئ جرجيس التي يبلغ طول سواحلها 130 كلم وبين انه يوميا يتوجه الى المياه الاقليمية الايطالية ما بين 300 و 400 شخص ودعا الى ضرورة تكاتف جهود مختلف الاطراف الامنية والعائلات للقضاء على هذه الظاهرة . بعد استماعه لكل الروايات التي دامت زهاء الساعتين طلب من الشباب مقترحات للتقليص من هذه الظاهرة فطالبوا بضرورة تطوير انشطة الفضاء الاقتصادي ما يعرف بالمنطقة الحرة والاسراع في جهر الميناء التجاري حتى يستقبل بواخر تؤمن خطوطا بحرية بين جرجيس وأوروبا وبالتالي يتم تشغيل المعطلين عن العمل. العائلات تحتج خرجت مسيرة احتجاجية يوم 16 فيفري شارك فيها ما لا يقل عن 300 شخص من الشباب والنساء وطالبوا خلالها بضرورة مواصلة البحث عن المفقودين وتسليم جثث من توفي الى عائلاتهم ودعوا مجلس الشعب المؤقت للتدخل وحث السلط القضائية على فتح تحقيق قضائي للبحث في حيثيات الحادثة واسبابها ومقاضاة كل من تثبت ادانته في الحاق الضرر بكل نفس بشرية وقد تم تشكيل لجنة من المحامين ستتولى تقديم نيابات للمتضررين والدفاع عنهم. «الشروق» التقت ببعض أفراد العائلات الذين صرحوا بالاتي : ٭ وسام السافي من جرجيس: يؤكد على ان أحد أقاربه كان عازما على السفر ولم تتمكن عائلته من أثنائه عن عزمه ورغبته الملحة في السفر قصد تحسين وضعيته الاجتماعية على اعتبار ان فترة بطالته طالت . ٭ السيد علي المجعي : لن اغفر لنفسي لأني مكنت ابني الوحيد من مبلغ مالي قصد السفر لتسوية وضعيته الاجتماعية وقد حاول مرارا الحصول على تأشيرة والسفر بطريقة شرعية الا انه لم يتمكن من ذلك مات أسامة غرقا قبل ان يحقق حلمه. ٭ فرحات القبة : هذه الظاهرة تفاقمت وراءها أشخاص يريدون إحداث البلبلة في البلدة للحفاظ على مصالحهم الشخصية وراءها منظمون محترفون استغلوا الانفلات الأمني ليقنعوا الشباب بكل الطرق بضرورة الهجرة بمبالغ تتراوح بين 1.500 و3.000 دينار فشباب جرجيس يعي جيدا قدرته على صياغة المستقبل الأفضل للبلدة وهو ليس مستعدا للعودة الى الوراء. ٭ زكية : دور الأولياء هام في التقليص من الظاهرة والقضاء عليها فدماء الشهداء غذت الثورة لتقدم للباقين من الشباب الحياة الأفضل ولابد ان يقدم شبابنا القليل من التنازلات والتضحيات على الأقل في هذه الفترة الانتقالية حتى تتحقق مطالبهم في تحسين اوضاعهم فبالامكان الاستثمار في مدنهم التي ستبدو اجمل بكثير ان بنيت بسواعدهم كل من موقعه . وعلمت «الشروق» ان عددا من المتضررين تقدموا بشكايات الى السلطات القضائية واذنت النيابة العمومية بفتح تحقيق قضائي للبحث في حيثيات الحادثة الواقعة للباخرة وعلى ضوء ما سيفرزه التحقيق سيتم التتبع العدلي لكل من سيثبت تورطه من قريب او من بعيد في هذه الحادثة .