ذهاب نهائي ابطال افريقيا.. التشكيلة الاساسية للترجي والاهلي    قريبا: اقتناء 18 عربة قطار جديدة لشبكة تونس البحرية    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    منوبة: الاحتفاظ بصاحب كشك ومزوّده من أجل بيع حلوى تسبّبت في تسمم 11 تلميذا    مديرو بنوك تونسية يعربون عن استعدادهم للمساهمة في تمويل المبادرات التعليمية في تونس    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس تدعو إلى عقد مجلس وطني للمنظمة خلال سبتمبر القادم    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    مصر: رفع اسم أبوتريكة من قائمات الإرهاب والمنع من السفر    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    قابس: نقل 15 من تلاميذ المدرسة الاعدادية ابن رشد بغنوش بعد شعورهم بالاختناق والإغماء    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    عاجل/ القصرين: توقف الدروس بهذا المعهد بعد طعن موظّف بسكّين امام المؤسسة    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيوليت داغر ل «الشروق»: شعب تونس واع بما فيه الكفاية لمنع المتواطئ والأجنبي من المرور
نشر في الشروق يوم 27 - 02 - 2011

«في تونس حاولت أن أقابل الأطراف المعارضة وليس في الحكومة الحالية، وإن كان هناك من أراد الاستماع الى وجهة نظرها، لكن وجهة نظرها (أطراف في الحكومة) معروفة... ففي حالة الثورة، واليوم بالذات، أعتقد أنه لا خير يُرجى ولا تعويل منتظر على من قبل أن يشارك في هذه الحكومة التي تسمّى انتقالية لأنها (الاطراف) لم ترسل إشارة الى أنها تحترم ارادة الشعب وفهمت مطالبه»... هكذا قالت «فيوليت داغر» رئيسة اللجنة العربية لحقوق الانسان، عندما سألتها: بمن التقيت في تونس، وكنت أعرف سعة اتصالاتها بالمعارضة التونسية (المتعددة) وصلتها بها... شخصيات وأحزاب ومنظّمات...
بدت تتحدّث عن ثورة تونس وثورة مصر، باعتزاز كبيرين، واصفة اللحظة التي مكّنت فيها الثورة مناضلي حقوق الانسان والمناضلين من أجل الحريات العامة والفردية في بلادنا العربية، توصف بالفارقة..
هي دكتورة في علم النفس، تترأس اللجنة العربية لحقوق الانسان، مستقلة كذات وكلجنة التطوّع هو ديدن المنتمين إليها والعاملين فيها...
تؤمن بقدرة الشعوب العربية على تغيير واقعها... وتتحدّث عن «إرادة الشعب»، كما أرادها الشابي في قصيدته التي تحوّلت الى أهزوجة للتغيير في كل قطر عربي: «الشعب يريد»...
لا نأخذ أموالا من أحد... ولا نعمل لأي أجندة، سوى أجندة الشعب العربي في التحرر والانعتاق... والاستقلال... «نعمل على الأرض انطلاقا من تقارير بخصوص حقوق الانسان ولدينا نشاطات فكرية وكتابات...
كانت تتجوّل مساء الجمعة في ساحة القصبة، تتفحّص الشعارات التي عبّرت عن وعي استثنائي لدى الشباب، فتأكدت «فيوليت» في تونس، أن الشعب عرف ماذا يريد...
بكثير من السرور تتحدث عن انتصارات الثورة العربية... التي بدأت ساحة، ساحة وقطرا قطرا... تتمدّد عبر الجغرافيا العربية... وبامتعاض كبير تتحدّث عن القوى المرتدّة على الثورة... وتعدهم بحساب التاريخ...
فالى هذا اللقاء الذي خصّت به السيدة «فيوليت داغر» «الشروق» وقد نص السؤال الأول على ما يلي:
أنت في زيارة الآن الى تونس بعد أن كنت في القاهرة... هذه الثورة العربية التي انطلقت من تونس ضد الظلم والاستبداد كيف تراها عين المناضلة الحقوقية العربية «فيوليت داغر»؟
نحن الآن في مرحلة هامة جدا في الوطن العربي، شعوبا وكذلك المجتمعات العربية المدنية، كنا نتوق أن يتحرّك الاستقرار المستنقعي، الآن الشعوب تثور لتغيير هذه الأنظمة البائدة والدكتاتورية، رغم الثمن الباهظ الذي تدفعه شعوبنا الثائرة في الوقت نفسه أنا متخوّفة من تطويق هذا الحراك من داخل المجتمعات العربية ومن خارجها، لأنها كانت بالداخل تجثم على صدور الشعوب العربية فهي ستدافع عن مصالحها حتى اللحظة الاخيرة، طبعا بالتعاون مع القوى الخارجية التي هي أصلا متواطئة معها منذ البداية لأنها تؤمّن مصالحها (القوى الخارجية) فهذا الحراك ليس في مصلحة هذه الاطراف الداخلية والخارجية، لذلك هناك تكالب من الطرفين للاحتفاظ بكل ما كسبته على حساب هذه الشعوب وهي مستعدة لارتكاب جرائم لتحتفظ بمواقعها...
أنت تعرفين العدو الخارجي، ولكن الخيانات من الداخل صعب كشفها ولا يمكن أن نعلم بأعداء الداخل... هذا ما أخشاه الآن.
ولهذا أجد أنه في كل الحالات لا يمكن توقع مسار في خط مستقيم لنيل الحرية والحقوق. ولكن أنا آمل أن يفهموا نفسية الشعوب ويتعاملوا بموجب ما تتطلبه هذه المرحلة من أخلاقيات ومن حرص على مستقبل البلاد والمنطقة العربية أيضا. لأننا نعرف أن ما يجري في بلد عربي هو يؤثر ويتأثر ببقية أرجاء الوطن العربي. وهذا ما لاحظناه بعد ثورة تونس والحراك الذي حدث.
أنا شاهدت في مصر وفي تونس الوعي والنبل والاخلاق والنضج والحس السليم ليس عند النخب بل عند الشباب الذي لم يعش في ظل أنظمة ديقراطية منذ خرجت من الحياة. إنها مثار إعجاب لأنها ضحت وتصدت للمهمة ولم تنتظر أحدا. وكأن تغيير الاوضاع يقع على عاتقها وحدها. فاحتراما لكل هذه التضحيات والشهداء على أولئك الذين كانوا بالنسبة لنا في صفوفنا، محسوبين علينا، أن يتذكروا فقط أن الشعوب تمهل ولا تهمل، وأنه فقط لمصالحهم هم عليهم أن يتنبّهوا لما يقترفونه من موبقات بحق شعوبهم، بخيانتهم الآن، وبتفتيت حراكهم وتطويقه بالتنازلات التي يقدمونها.
الرجال ترحل لكن الوطن باق، والتاريخ سيكتب وسيسجل لمن كان الشمعة التي أضاءت ظلمات واقعنا العربي، والمتواطئين والخونة سينكشفون ويسقطون. الشعوب وصلت الى مرحلة جديدة لا يمكن أن تتخلف عنها اليوم.
على الاقل نطالبهم أن يشعروا بمن هم في الشارع، والذين هم في الشارع ليسوا «أوغادا» فهم إن لم يكونوا أرفع منهم شأنا، فهم ليسوا أدنى مستوى، بوعيهم وأخلاقهم وبحبهم للوطن.
هم على الاقل (الشعب) لا يبحثون عن مصالحهم الشخصية بل عن مصلحة الوطن الشعب .
فهمت من كلامك، أنك تقصدين من كانوا في «المعارضة» في عهد بن علي، والآن أصبحوا جزءا من السلطة؟ هذا ما تقصدين؟
أنا أقصد أنهم تخلّفوا عن الركب عندما تعاملوا مع ما جرى، إن لم أقل بانتهازية، على الاقل لم يرفعوا السقف، وإنما بتنازلات وبمد اليد لمن كانوا قد ارتكبوا جرائم بحق الشعب... فكيف يجلسون معهم ويتحاورون وهم يعرفون ما فيهم؟ بالتأكيد لهم وجهة نظرهم التي تقول على ما أعتقد بأن البلد يواجه مؤامرات وأن وجودهم ضروري للنأي بالبلد عن هذه المؤامرات...
ومن هنا يبرّرون وجودهم في هذه الحكومة الانتقالية، ولكن هذا تبرير لأنهم أضعفوا هذه الهبّة الجماهيرية بهذه المواقف المتذبذبة والمتواطئة.. وأكثر من ذلك، هم من يشنون حربا على الثوار اليوم!
وهل هذا غريب في ثورة مثل التي جدّت في تونس على أيدي أبناء الشعب إذ من طبيعة الثورة الشعبية أن تتعرض إلى ما يسمّى «بالثورة» المضادة؟
نعم من طبيعة الأشياء هذا الأمر، لأن في الثورات وجد دائما من ينقلب عليها من داخلها ليسهّل ثورة مضادة تطيح بالمنجزات وبالشعارات أيضا التي رفعتها.. هذه الآليات موجودة في كل الثورات وفي كل الشرائح المجتمعية. لهذا فإن هذا ليس مفاجأة لنا، لكنه مؤلم عندما يفضح هذه الشرائح التي تقوم بهذه الأدوار.. ولهذا يفترض بنا أن نبقى متحلّين بسعة الرؤية والاصرار والايمان بمهماتنا للدفع قدما للأمام.. بهذه التحرّكات الجماهيرية بقطع النظر عن هؤلاء.. لأن التاريخ يعلمنا أن منهم من كان قصير النظر وقصير العمر أيضا، هم عرقلوا ولكنهم لن يحبطوا هذه السيرورة سيجعلون الحراك ربما سيكون الأمر أغلى ثمنا، لكن الشعوب العربية اليوم هي أكثر وعيا وإدراكا لحركة التاريخ.. ولحقوقها أيضا..
لهذا فهي مستمرة مهما ارتكب من آثام في حقها. أعتقد أن المسؤولين الذين يسمّون مسؤولين بدون أن يكونوا مسؤولين دائما، عليهم أن يفهموا أنهم لو أحبطوا هذه التحرّكات الآن، سيجد أنها ستنفجر في وجوههم بعد حين، وسيكونون مسؤولين عن الثمن الغالي الذي دفعه بلدهم بسوء تصرفهم وقصر نظرهم، ولتقديم مصالحهم الضيقة على حساب البلد والشعوب.
فهم مسؤولون ولكن نحن أيضا مسؤولين إن تركناهم يتمادون في غيّهم..
أنا أعتقد أن ما يجري هو شبيبه بحركة «القط والفأر»، القط لمّا يمدّ رأسه يختبئ الفأر والعكس كذلك.. فهم سيعودون الى جحورهم عندما يرون هذه الشبيبة المصمّمة على الانتصار مهما كلف ذلك من أرواح.. ونحن جميعا في المجتمعات العربية مطالبون بالتشابك والتضامن والمساندة. لأن ما يجري في قطر يؤثر على مسار الحراك الاجتماعي والشبابي في قطر آخر سواء سلبا أو إيجابا.
لكن هذه المظاهر، لا تخلو منها انتفاضة ولا تخلو منها ثورة.. فهذا هو معنى الحراك.. ومعنى الغربال الذي تقدّه الجماهير الثائرة، لتعرف من معها ومن ضدّها.. من بامكانه أن يواصل الطريق كاملا ومن لا يستطيع أن يمضي قدما.. ليتوقف عند نقطة ما؟
نعم هي موجودة في كل المجتمعات بغضّ النظر عن الطبقات الاجتماعية والفروقات. فلا يمكن أن نكون مثاليين وطوباويين ونفترض أن الجميع في نفس المستوى من الوعي ومن التضحية بالذات من أجل اعلاء الشأن العام. لكن طبعا، هذا يتمّ بدرجات متفاوتة وعلينا تحييد هذا الصنف من البشر بكل ما استطعنا الى ذلك سبيلا لأن من يدفع الثمن في النهاية هو هذه الشعوب التي كفاها إهدارا لمواردها ولطاقاتها البشرية على يد «قادتها» الذين لم يكونوا يملكون أية امكانيات فعلية لقيادة شعوبهم وإنّما وُضعوا ولا أقول استولوا فقط وسُهّل لهم الاستيلاء على مقدّرات شعوبهم ليقوموا بالأدوار التي قاموا بها في خدمة نظام دولي، متكالب على ثروات الشعوب ومتعاون على أن يبقى في رأس أولوياته تحقيق مصالح جيو استراتيجية، واقتصادية وعسكرية تضحي بمصالح الآخر..
فهذه القوى الامبريالية التي لا تجد في الشعوب الأخرى سوى مزرعة أو حديقة لها، وتطوّعها لمصالحها.. فالنظام الدولي الذي يتعلق الآن بمظاهر ومقولات الديمقراطية وحقوق الانسان إنما يفعل ذلك لينقضّ من جديد على ثروات ومقدّرات الشعوب ومنعها من تقرير مصيرها بنفسها. فهو نفسه الذي ساند الدكتاتورية.
أعتقد أن هناك الدمى وهناك من يحرّك الدمى في مسرح للدّمى.. ولو لم يكن كذلك، لما بقي هؤلاء الحكام لعشرات السنوات يحكمون بالأسلحة التي يورّدها لهم هؤلاء الامبرياليون، وعبر ارساء أنظمة دكتاتورية، تطبق على أنفاس الشعوب ولا تترك لها متنفسا وتغيّر الواقع المعاش.
٭ ما الذي أبهرك كناشطة حقوقية في ثورة تونس، وما الذي أشعرك بخوف أو ربما حالة انقباض في الآن نفسه؟
قلت في الأول إننا نحن كناشطين في مجال حقوق الإنسان نعمل من تلقاء أنفسنا في مجالات صعبة جدّا. وعلى حساب حياتنا الشخصية، مهنيا وعائليا واقتصاديا.. طبعا لا أقول الجميع، وأنا هنا أتحدث عن الشريحة التي لا تتاجر بحقوق الإنسان. إذ هناك من يفعل هذا، أي يتاجر بحقوق الإنسان، للحصول على تمويل مثلا، «ومن أجل معبر يوصلهم إلى السلطة مثلا».
هؤلاء الشرفاء الذين أتحدث عنهم، يأملون في مناداتهم بتحرّر الشعوب، لا بدّ وأن تتحقق يوما وربما بعد مماتهم.. فكم ستكون سعادتهم عندما يرون هذا بأعينهم.. ويعيشون هذه اللحظات التاريخية في حياة شعوبهم.. بما يعني أنهم كانوا على حق في أن يختاروا أن يكونوا الشمعة التي تنير الظلمات.. لأن كلامهم لم يكن هباء منثورا، لكن من الناحية الأخرى أي عندما تسألينني عن الأمور السلبية التي تشعرني بانقباض وبخوف وبحذر مما يجري، هي ما ذكرته عن الثورات المضادة.. وتنكر البعض للثورة ومطالبها.. وتآلف المصالح من الخارج والداخل لاجهاض هذا الحراك الاجتماعي..
المشكلة أنني كمختصة في علم النفس كنت أحلّل أيضا السلوكات البشرية، وكنت أخشى من الثمن الكبير الذي تدفعه الشعوب عندما يتحكّم بمصيرها أقلية، أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها ليست سوية العقل والنفس وخاصة من يوضع في مرتبة «الأب الأكبر» وعندما يكون كما نرى اليوم في حالة ليبيا، وهي الأكثر تجليا، كيف أن من يسمي نفسه قائد الثورة يتصرّف كما تصرّف «نيرون» وكان الشعب ملكه، مستعدا أن يبيده من أجل أن يبقى والمؤسف أن هذا الشخص معروف أنه لن يكون غير ذلك ورغم ذلك بقي أكثر من 4 عقود إلى أن هبّ الشعب وقال له «ارحل».
أنا لم أتوسّم خيرا أبدا في أناس مصابين بأمراض نفسية بحكومتنا، بأنهم قادرين على فهم الرسالة التي قالها لهم الشعب، عبر تحركه العظيم.. لأن المشكلة هي في وجود خلل كبير، يعتري رؤيتهم للواقع، وتعاملهم معه.. وهذا الخلل يمكن أن نصنّفه في مرتبة انكار الواقع في ما يسمى في علم النفس «بالذهان» Psychose. أكان في مظهر جنون العظمة Paranoia أو في انفصام الشخصية أو في تعبيرات أخرى، أيضا وفي أشكال عديدة قصوى من الخلل النفسي.. هؤلاء ذهبوا الى مرحلة متقدمة في التضحية بالشعوب ومصالحها، ولم يتنحّوا إلا بوجود قوة مضادة أتت من الحلقة الضيقة التي تحيط بهم، والتي ربما تكون أجبرتهم على ترك الساحة..
ما يلفت النظر في بعض هذه الثورات، أن هناك من جُبل على مقاومة الدكتاتورية وعندما يعتلي السلطة يصبح دكتاتورا، فماذا تقولين؟
أعتقد أن العلاقة جدلية بين قمّة الهرم (السياسي والاجتماعي) وبين القاعدة الشعبية بمعنى أن الثقافة المشتركة بين كل هؤلاء وهذه العقلية التي تحكّمت خلال عقود، بمقدّرات أفرزت ثقافة طغت على من هم في المواقع الوسطى، خاصة مع عدم وجود مؤسسات تمارس سلطة مضادة، أو لنقل مع منع هذه المؤسسات التي يمكن أن تمارس سلطة مضادة للدكتاتور، بحيث اعترى الخلل التركيبة الاجتماعية، فصرنا نرى دكتاتوريين صغارا كانوا الى وقت قريب ينفّذون السياسات ويؤبّدون هذه العقلية أو يكرّرون هذه السلوكيات، على طريقتهم وفي أماكن تواجدهم، ولهذا ليس من السهل تنظيف المؤسسات اليوم إلا بحراك يقتلهم بشكل جذري وليس التغاضي عنهم وعن وجودهم، لأن من اعتاد أن يكون مستبدّا ولا يؤمن بحق الاختلاف، ولا تهمّهم حقوق الاخرين، فهو لن يتبدّل بين ليلة وضحاها.
ما يحدث من حراك في تونس، هل يكفه الاصلاح أم أن الحلول الجذرية هي الحل؟
لا أعتقد أن الاصلاح يكفي، لأنه عملية ترقيع لما قد أفسد بشكل كبير، يجب إعادة صياغة لدستور وقوانين وإرساء مؤسسات حقيقية مستقلّة عن السلطة التنفيذية وخاصة مؤسسات القضاء والمجلس النيابي وغيرهما من المؤسسات، هي ركن أساسي في دولة تسمّى دولة قانون وخاصة السلطة الرابعة وأقصد الاعلام، لأن دون ذلك يكون امتصاصا مؤقتا وخادعا للنقمة.. التغيير يجب أن يكون في الأسس التي تستند إليها دعائم الدولة، ومؤسساتها، ومنذ ذلك نكون قد أجهضنا الثورة بتسرّعنا في قطف ثمارها، فهي ثمار لن تكون ناضجة.. وستفقد الشجرة والأرض التي تمّت فيها مقوّمات الحياة، وعندها سنكون مجبرين أن ننتظر وقتا قبل أن تنضج مقومات ثورة قادمة، فهل كل ما نريده ثورات متلاحقة أم إرساء دولة ديمقراطية، دولة قانون.. ينعم كل أبنائها بالتنمية وبالديمقراطية، فلنوفّر على أنفسنا إهدار طاقات ولنساهم جميعا في تحقيقها والاستماع لصوت الضمير والحق.. الرسالة يجب أن تكون واضحة، لمن يتولون مقدّرات البلد.. مسؤولون عن إزهاق أرواح اضافية وعن هدر الامكانات البشرية والمالية بالمماطلة والمراوغة وذرّ الرماد في العيون، التي يعتمدونها بسياستهم الترقيعية والجوفاء الى حدّ كبير.
قبل حلولك بتونس، وخلال وجودك هنا أيضا، حلّ بتونس ما يشبه «تسونامي» زيارات، أمريكية أساسا، من فلتمان الى ماكاين وليبرمان (من الكونغرس) الى وليام بورنز كيف تنظرين الى هذه الزيارات وغاياتها؟
هؤلاء معروفون، وهذه الأسماء معروفة بأدوارها التي تشعل النيران بدل أن تطفئها في منطقتنا العربية بأشكال مختلفة وعبر مؤامرات تحاك من طرف بلدانهم على شعوبنا بالتنسيق للأسف مع مجموعات (أطراف) من بلداننا ليبقوا متحكّمين بسياساتنا وبمصائرنا... ولو كنا نحن كشعوب واعون جميعنا بهذه الأدوار الخبيثة لما تركناهم ينفثون سمومهم فينا عبر وكلائهم وعملائهم الذين يسمّون «مسؤولين» في بلداننا.. بالتأكيد ليس كل المسؤولين لكن بعض هؤلاء، هم كما يقال فيهم «أود الجبنة منها وفيها».
لكن الشعوب اليوم وعلى هذا النضج الذي بيّنته لا يمكن ان تُقاد الى حتفها وتستمر في غفوتها الى ما لا نهاية. وقد رأينا المقاولات الشريفة في كل من العراق رغم المؤامرة الكبيرة على هذا الشعب وما فعلته من دحر السياسات الأمريكية وحلفائها من قوى اقليمية ودولية وإن لم تكن قد حققت كل ما تصبو إليه لكنها قهرت هذه القوة العظمى وأعطت الدرس لأن الشعوب عندما تريد الحياة، لابد وان تحقق النصر. وكذلك رأينا في لبنان ورأينا في فلسطين ماذا فعلت المقاومات... ليس فقط المسلحة بل المدنية ايضا، بإجبار القوة العظمى بالتراجع وبتبديل سياستها والمداورة لتعود عبر اشغال اخرى من قبيل تغذية النعرات الطائفية وايجاد الطرق لضربها ببعضها البعض، عندما لم تتمكن بالسلاح من كسر شوكتها لأنه لا يخفى على أحد ان منطقتنا العربية مستهدفة منذ زمن بعيد، من اجل ان لا تتوحد كلمتها ونهب ثرواتها فإذا كان الاستعمار القديم الذي قسّم بلداننا ويأتي اليوم ليكمل الشوط في عدة بلدان قرروا ان يقسّموها عبر تفتيت مجتمعاتها وضربها بالقبلية والطائفية بدل ان يكون ذلك إغناء لها فأصبح وبالا عليها عندما يستعمل من قبل هذه القوى المهيمنة فإن الشعوب العربية التي تعي المؤامرة المحاكة ضدها بأن تكمل مهماتها الوطنية من تصد للاستعمار القديم... فنحن لم نفهم ما عدا بعض الشرائح
هؤلاء الذين يسمّون أنفسهم ليبراليين حتى ماركسيين هم هؤلاء الذين يطعنون هذه الثورات في ظهرها من حيث يدرون أو من حيث لا يدرون.
ما هي وصايا «فيوليت داغر» لثورة تونس إن كانت لها وصايا من مناضلة حقوقية؟
أولا ان يشعر كل إنسان بأنه مسؤول عما يرتكب بحقه من أسى، بمعنى ان لا ينفض يده مما يجري على الساحة اليوم، ويترك هذه المهمة وهذه النخب المجتمعية المقاومة فهو معني مثلهم بمصير بلده، وبمصيره هو بالتالي. ليتخلى عن الانانية وعن ضيق الافق، ويمكن أن يكون فاعلا للمساهمة في التغييرات والتغيير يبدأ ايضا من الذات وليس من اسداء الصلح مع الآخرين. علينا العمل كل انطلاقا من نفسه لارساء ثقافة جديدة هي ممكنة اليوم مع كل هذا التغيير المتسارع في سلم الاولويات وفي المطالب وفي هذه المنظومة الثقافية.
ثانيا: على من تسمي نفسها قيادات، تستحق هذه المكانة عن جدارة لأنها مسؤولة أمام الشعب وأمام التاريخ عما ستؤول إليه هذه الثورات.
وعلى فلول القيادات السابقة أن تفهم الدرس، أن توفّر الوقت أمام مجتمعاتها من أجل التسريع في هذه السيرورة وعدم اعاقتها، لتكمل تحقيق الانجازات وتسرّع وتيرتها.
وعلى المجتمعات الدولية المدنية، أن تؤازر هذه الشعوب العربية التي تخرج الى الشارع لتستعيد حقوقها، ان تساعدها وتقدّم لها كل ما أمكن لأن هذه المتغيّرات ستنعكس عليها هي أيضا، فهذا ليس كرما منها وإنما تطبيقا لمبادئها ومثلها ولتنعم بكل ما هو إيجابي وكل ما يؤثر عليها.
لأنهم أيضا، في الغرب بحاجة الى ترتيب البيت وأن يكنسوا أمام الأبواب، وأن يعيدوا النظر في من يؤتمنون على مقدّراتهم.
٭ يعني حكّامهم؟
نعم... فهم أيضا يعانون في الغرب وإن كان بأشكال مخففة ومختلفة، مما نعاني منه نحن.. في العالم الثالث.
إن ما يجري في منطقة معيّنة يؤثر في التوازنات الدولية فلتكن هذه التأثيرات لما فيها خير الشعوب وليس على حساب بعضهم عبر نهب خيراتها ووضع اليد على مصيرها.
٭ هل تعتقدين ان الاعلام الذي يمثّل تحرره من عدمه عنوانا للديمقراطية أو غطاء للدكتاتورية، يجب أن ينصّص على حريته في الدستور مثلا؟ حتى لا ينقلب عليه المنقلبون؟
سيدتي، أعتقد ان الإعلام وما يسمى بالسلطة الرابعة هي سلطة يمكن ان تكون مهادنة وفي خدمة السلطة التنفيذية «الأتوريتارية autoritaire كما يمكن ان يكون الاعلام سلطة مضادة حقيقية تمارس دورها في تصحيح مسار دولة القانون يجب ان تكون هناك نصوص تفرض رقابة فعلية على هذه السلطات الحاكمة وتمنعها من ان تسخر السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة الاعلامية لصالحها.
نحن مع وضع نصوص تكون ملزمة ومع إرساء مؤسسات أيضا، يكون لها دور في الصحافة مع مؤسسة اعلامية مستقلة عن السلطة التنفيذية تناط بها مهام الاشراف على المؤسسة الصحفية المسموعة او المكتوبة او المرئية، وأن لا يكون هناك تعيين إنما انتخاب من يتولون المسؤوليات التنفيذية والاجرائية حتى لا يوظف الاعلام في خدمة السلطة السياسية ويلمّع صورتها ويغيّب الشعب في حقيقة ما رسمه من سياسات تتحكم بمصائرهم لعقود.
* حوار فاطمة بن عبد الله الكرّاي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.