تونس وسويسرا تطلقان التعاون في مجال حماية المناخ وآفاق واعدة للشراكة الجديدة في المجال    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 29 ماي    سفيرة فرنسا آن غيغان تشيد بجودة الموارد البشرية التونسية    البطولة الاسبانية: إشبيلية يعلن رحيل لاعبه إيريك لاميلا بنهاية الموسم الجاري    الحماية المدنية: تسجيل 6 وفيات و411 إصابة في حوادث مختلفة    لأول مرة في العالم: شفاء مريض سكري باستخدام العلاج بالخلايا    عاجل : صدمة بعالم كرة القدم    الفيفا تصدر بيانا فيما يخص قضية يوسف البلايلي ..التفاصيل    بطولة رولان غاروس: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 77 عالميا في الدور الثاني    دبلوماسي صيني : نمو العلاقات مع الدول العربية يعزز السلام والتنمية في الشرق الأوسط    تونس: كراء سيارة يصل الى 150 دينارا لليوم الواحد    الحماية المدنية: 6 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    بداية من 1 جوان: تنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع بتونس    وزير الفلاحة في جلسة عمل مع الوفد الايطالي    تفكيك شبكة مختصة في التنقيب على الأثار مالقصة ؟    مفزع/ حجز 188 كغ من الزطلة منذ بداية السنة إلى غاية الأسبوع الحالي..    رضا الشكندالي: البنك المركزي يهدف إلى الحدّ من التضخم عبر الترفيع في الفائدة المديرية    يهم التونسيين : الأسعار الحالية للأضحية تتراوح من 700 إلى 1500 دينار    يوم مفتوح بعدد من الولايات للتحسيس بمضار التدخين    الجزائر تتقدم بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي "لوقف العدوان في رفح"..    تقرير: زيادة ب 26 يومًا إضافيا من الحر خلال عام    طقس الاربعاء: الحرارة تصل الى 39 درجة بهذه المناطق    المكلف بتسيير ولاية المهدية يُودّع الحجيج    عاجل/ إخلاء مستشفى القدس الميداني في رفح بسبب تهديدات الاحتلال..    بطولة رولان غاروس : برنامج النقل التلفزي لمواجهة أنس جابر و الكولومبية كاميليا أوزوريو    وزارة التربية تكشف حقيقة عقد اتفاقية شراكة مع مؤسسة "سمارتيرا"..#خبر_عاجل    وزير الصحة يوقع على مبادرة حول المشاركة المجتمعية في القطاع الصحي    اليوم: مجلس النواب يعقد جلسة عامة    بوتين محذرا الغرب: "يجب على دول الناتو أن تفهم بماذا تلعب"    القانون الجديد... بين إلغاء العقوبة السجنية أو الابقاء عليها ...الشيك بلا رصيد... نهاية الجدل؟    للاستجابة للمعايير الدولية...الصناعة التونسية في مواجهة تحدي «الكربون»    نمت بأكثر من 3 %... الفلاحة تتحدى الصعاب    رونالدو يشد عشاقه بموقفه الرائع من عمال الملعب عقب نهاية مباراة النصر والاتحاد (فيديو)    بورصة تونس ..مؤشر «توننداكس» يبدأ الأسبوع على ارتفاع    تحطم طائرة عسكرية من نوع "إف 35" في ولاية نيومكسيكو الأمريكية (فيديو)    الاحتلال يترقب قرارا من غوتيريش يصنفها "قاتلة أطفال"    280 مؤسسة توفر 100 ألف موطن شغل تونس الثانية إفريقيا في تصدير مكونات السيارات    تعظيم سلام يا ابن أرض الرباط ... وائل الدحدوح ضيفا على البلاد    قبل جولته الأدبية في تونس العاصمة وعدة جهات، الكاتب جلال برجس يصرح ل"وات" : "الفعل الثقافي ليس فقط في المركز"    افتتاح الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعين من ذوي وذوات الإعاقة بعد أكثر من 4 سنوات من الغياب    وزير الصحة يشارك في مراسم الاعلان عن مجموعة أصدقاء اكاديمية منظمة الصحة العالمية    وزير الصحة يؤكد بجنيف حرص تونس على التوصّل إلى إنشاء معاهدة دوليّة للتأهّب للجوائح الصحّية والاستجابة لها    قابس: الاحتفاظ بشخص مفتش عنه وحجز كمية من الهواتف الجوالة المسروقة    الليلة أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 18 و28 درجة    بداية من اليوم.. مدينة الثقافة تحتضن الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعيين من ذوي الإعاقة    فتح باب الترشح للدورة 36 لمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية    المنتخب الوطني: موعد الإعلان عن القائمة وبرنامج التربص    27 ألف مشجّع للنادي الافريقي في دربي العاصمة    عاجل/ اعتراف إيرلندا بدولة فلسطين يدخل حيّز التنفيذ    حادث مرور مروّع في القصرين    عاجل :عطلة بيومين في انتظار التونسيين    رئيس الجمهورية يستقبل الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح    في الملتقى الوطني للتوعية والتحسين البيئي... ياسين الرقيق يحرز الجائزة الأولى وطنيا    في إطار تظاهرة الايام الوطنية للمطالعة بعين دراهم ...«الروبوتيك» بين حسن التوظيف والمخاطر !    أولا وأخيرا «عظمة بلا فص»    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبد الوهّاب بن حفيظ ل«الشروق»: التخويف من الأحزاب خطير ...ونخشى ان يلعب المال دورا في توجيه الرأي الانتخابي
نشر في الشروق يوم 03 - 03 - 2011

٭ تونس «الشروق»
عبد الوهاب بن حفيظ مدير برنامج بحوث الشرق الأوسط وخبير مشارك في تقرير البرنامج الانمائي للأمم المتحدة حول المعرفة في المجتمع العربي وأستاذ علم الاجتماع السياسي في كلية العلوم الانسانية والاجتماعية وباحث في مركز البحوث الأجتماعية والاقتصادية بتونس له اسهامات علمية في مجال التحوّلات السياسية والأجتماعية في العالم العربي كما يشرف على مجلّة علمية تصدر مرتين في السنة بعنوان «أوراق المتوسّط»
في هذا الحوار يشرح الدكتور عبدالوهاب بن حفيظ وجهة نظره فيما حدث وما يحدث في تونس منذ 14 جانفي والمخارج الممكنة من الأزمة .
٭ شهدت الفترة الأخيرة تجاذبا بين الحكومة المؤقتة وجبهة 14 جانفي في الوقت الذي ينتظر فيه الشارع حلولا عملية لمشاكله وثمة اليوم مخاوف من تنامي العنف ؟ هل سيكون تعيين السيد الباجي قائد السبسي على رأس الوزارة الأولى علامة بارزة في اتجاه إنجاح المرحلة الانتقالية؟
الأمر لا يتعلق بتغيير شخص محل شخص آخر، حتى وان كان للسيد باجي قايد السبسي كاريزما الرجل السياسي في وقت الأزمة وللسيد محمد الغنوشي نجاعة التقنوقراطي في زمن الاستقرار. صحيح ملامح مختلفة، فالوزير الأول الجديد معروف بنزعته الإصلاحية وهو رجل قانون وحفيد اسماعيل قايد السبسي الذي ساهم في كتابة أول دستور تونسي سنة 1861 . إضافة إلى ذلك هو رجل ذو خبرة في مجال العلاقات الخارجية وله صلة ودراية بالمعارضة و بأجهزة السيادة ، وخصوصا وزارة الدفاع التي كان على رأسها خلال حكم الرئيس بورقيبة. لقد كان ايضا إضافة إلى السادة صلاح الدين بالي والهادي خفشّة وأحمد المستيري من الوزراء المدنيين ومن خريجي كليات الحقوق الذين كانوا على رأس وزارة الدفاع وأكدوا طابعها المدني.من ثم فان علاقته بكبار الضباط بمختلف أجيالهم كانت ولاتزال بالنسبة لمن يتذكره الى اليوم جيدة.
ليس مهما الآن التعرض للماضي البعيد ولا لبعض أخطاء الرجل (أحداث 1962) ، لكن المهم هو النظر الى النصف الثاني والمملوء من الزجاجة. السيد باجي قايد السبسي هو الوزير السابق الوحيد الذي طالب بعد الثورة بعدم الاكتفاء بملفات الفساد المالي مطالبا أن يشمل ذلك أيضا الفساد السياسي منبها إلى المفاجأة التي ستنتظر التونسيين عندما سيكتشفون الأجهزة الالكترونية (في إشارة إلى أجهزة التنصت المتطورة) التي قد تخرج من قصر قرطاج. وما سيتغير اليوم مع أداء الوزير الأول الجديد سوف يظل مرهونا بمعطيين اثنين وهما: توضيح أجندة للتحرك الحكومي تمهيدا لاستحقاق انتخابي – تأسيسي من ناحية، وإعادة الثقة إلى المجتمع والرأي العام من خلال تواصل جيد معه. أما وفيما يتعلق بالتجاذب مع جبهة 14 جانفي فهو مرشح في ظني الى التقلص الآن والحال وأن المحطة القادمة قد تقررت أو تكاد أن تتقرر، أي العمل على الاعداد لانتخاب مجلس تأسيسي وإعادة كتابة الدستور.
٭ هل ترون بأن الوزير الأول الجديد سوف يبادر بوضع خارطة طريق لاستكمال عملية الانتقال السياسي في ظروف ملائمة، تداركا لما حصل في الحكومة السابقة؟
السيد محمد الغنوشي لم يعط اشارات قوية تؤكد مسارا واضحا للانتقال السياسي، مع احترامي الشديد للرجل. لقد تعثر في التواصل مع الرأي العام ولم يعط أجندة زمنية لعمل حكومته، اضافة الى اعطائه الأولوية المطلقة للحل الاقتصادي (التشغيل) في وقت تشكو فيه البلاد من أزمة سياسية يمكن أن يؤدي حلها الى خلق دينامية جديدة للاقتصاد وللتشغيل معا.أما السيد باجي قايد السبسي فهو سياسي بالدرجة الأولى وهو يؤمن حسب الكثير من الملاحظين بأهمية الحل السياسي العاجل وتحقيق الاستقرار. انه قريب جدا من النظرية القائلة بضرورة ربط الاصلاح السياسي بالاستقرار. والواقع فانه منذ التسعينات كانت قد ترددت أنباء في الأوساط الدبلوماسية والإعلامية الغربية عن إمكانية المراهنة على السيد باجي قايد السبسي لتعويض الرئيس السابق بن علي في سياق البحث عن مخرج للانسداد السياسي الذي عم البلاد . وقد رأى بعض الملاحظين في ذلك آن ذاك ، سببا لإبعاده في التسعينات . من جانب آخر،علينا أن لا ننسى بأنه في عام 1971 وتحديدا مع المؤتمر الثامن للحزب(15 أكتوبر) كان قد ظهر تيار ليبرالي إصلاحي عبر عن نفسه من خلال رموز جديدة كالسادة أحمد المستيري وحسيب بن عمار والباجي قايد السبسي والحبيب بولعراس، وذلك من خلال ما تضمنته مبادئ اللائحة السياسية التي صادق عليها المؤتمر والتي تضمنت زمن بورقيبة مسائل منها :
التعلّق المبدئي بحق المشاركة الشعبية في تسيير شؤون البلاد
دعم الحوار مع القواعد
الاستبشار بتوسيع صلوحيات المجلس النيابي
المطالبة بدعم الحزب لمبدإ «السيادة الشعبية» والعمل على ضمان ذلك
المطالبة باعتماد الانتخابات في كل المستويات الداخلية للحزب
نفس الميثاق، أكد يومها على الربط بين مفهوم «الدولة الوطنية الحديثة» ومبدأ «السيادة الشعبية»والبرلمانية ومسألة الديمقراطية السياسية» كإطار منظم لتحويل المطالب السياسية، وهو ما يعني تطوير معايير الشرعية وجعلها أفقية تصاعدية ومستمدة من الشعب، عوضا عن الشرعية التاريخية. وبصفة عامة فلقد كان جوهر الخلاف قائما على مرجعيتين أساسيتين وهما : أولا: مرجعية «السيادة الوطنية» والتي حاول المحافظون توظيفها من خلال مصادرة الشرعية الشعبية عبر مبدإ «الوحدة» وثانيا: استبعاد التعدد السياسي واستبعاد مبدأ السيادة الشعبية. لقد كان التقليد السياسي السائد داخل الحزب الدستوري آن ذاك بصفة عامة هو أن تكون الممارسة السياسية معبرة عن مبدإ «السيادة الوطنية» ككل مما يعني بأنها لا يمكن أن تقوم بدور تحويلي لرأي عام أي لاختيارات أفراد وإنما لكتل أو تجمعات عامة (المنظمات الوطنية مثلا). لذلك فإنه في حين ترتبط الشرعية الشعبية بمفهوم الرأي العام وبالمواطنة يرتبط مفهوم السيادة الوطنية والذي ورثته النخبة السياسية عن مراحل الكفاح الوطني بفكرة رفض الخصوصيات والتضحية بها من أجل الاندماج في نظام الحزب الواحد. لذلك كان رفض التيار الاصلاحي (بما في ذلك السيد باجي قايد السبسي) للحكم الشخصي للرئيس الحبيب بورقيبة مرتبطا بمطالبة تكريس مبدإ «السيادة الشعبية» اللامشروطة. لقد كان اتخاذ مثل تلك المواقف يتطلب من دون شك شجاعة كبيرة آن ذاك.
٭ هل ستستمر حالة شد الحبال بين الحكومة الجديدة وجبهة 14 جانفي في ظل حالة الانفلات الأمني في الشارع؟
من المهم بأن يكون هذا الشد جدليا وايجابيا وأن لا يتحول الى ما يشبه صراع الديكة ..من المهم بأن يكون هذا الحوار مثمرا . من هذا المنطلق يمكن أن تكون الجبهة أو غيرها سلطة مضادة لكن من دون أن تدعي وصاية تقريرية على الدولة ولا على المجتمع . طبيعي أن يتخوف البعض من الالتفاف على مكاسب الثورة وأن يتجمعوا وطبيعي أن تتخوف الحكومة من حالات الارباك المتعمد. السياسة لعبة ولكن لا يجب أن تتحول الى لعبة كسر عظم. هناك قاعدة في التسويق تقول (وللسياسة أيضا سوقها وعرضها وطلبها)، اذا تخاصم اثنان أمامك فحاول أن تتصور بأن لكليهما حق يحفظ. لم تعط الحكومة اشارات قوية للرأي العام فخرج هذا الأخير الى الشارع. أنا دائم المقارنة بين الحكومة الانتقالية في تونس وحكومة انتقالية أخرى (أعني اسبانيا بعد نهاية حكم الجنرال فرانكو) والتي أتى على رأسها وضمن انتقالها الديمقراطي ادلفو سواريز. كان سواريز من طينة الغنوشي والباجي قايد السبسي وكان الجنرال فرانكو من طينة الجنرال بن علي. وعندما كلف «ادلفو سواريز» بتشكيل حكومة سأل عن جدول عمله فقال يومها : اعادة الثقة أولا...ثم اعادة الثقة أخيرا. لذلك، قام بحل مكتب الشؤون السياسية في وزارة الداخلية والتي كانت تجسد السلطة الخانقة للجمعيات وللأحزاب والغاء العمل بقانون الجمعيات الجائر حتى تتمكن النخب من تأطير الشارع تجنبا للفوضى ولتمكين آلاف العاطلين من العمل ضمنها . كما قام بتأسيس مجلس وميثاق يرافق عمل الحكومة.
٭ ما الذي أخفقت فيه الحكومة الانتقالية السابقة وما الذي نجحت في انجازه؟
مكاسبها في ظني أكثر من أخطائها على الرغم من قصر عمر هذه الحكومة. سيسجل لها سن قانون العفو التشريعي العام واطلاق سراح المساجين السياسيين والغاء الأمن الجامعي . كما سيسجل لها أيضا البدء في الملاحقة القضائية لا فقط للمجموعات الحاكمة السابقة وإنما أيضا للمجموعات التي تمول العنف في الشوارع (حتى وان كان ذلك في آخر يوم من عمرها).أما ما لم تفعله في معلوم الشارع والرأي العام فلقد كان عليها وضع رزنامة زمنية دقيقة للاصلاح الدستوري والسياسي وتهيئة المناخ النفسي والجمعياتي – الحزبي والاعلامي. على أن كل هذا لم يحصل حيث ظلت المصالح المكلفة بالتعامل مع ملف الجمعيات تتعامل وفق نفس الذهنيات (في وقت تغير فيه الولاة ولم تتغير فيه ذهنيات الأعوان). ويعني ذلك أن المجتمع المدني التونسي لن يخوض تجربة الانتقال الا مع تأجيل التنفيذ. لقد أعطت الحكومة الانتقالية السابقة صكا مؤجلا لصرفه بعد مدة في حين أن الانتخابات على الأبواب. ومع ذلك مازلنا نعمل بقانون «خذ الوصل وانتظر ثلاثة أشهر»، وهو قانون علقته كل الثورات في العالم مستبدلة اياه باجراءات فورية مؤقتة لتطوير قدرات المجتمع المدني من خلال الاكتفاء بالتصريح أو بأجل لا يزيد عن شهر. مسألة أخرى لا تقل عنها أهمية: ثمة أسئلة مفتوحة لم يكن للرأي العام إمكانية التعبير عنها. ومن الاسئلة مثلا: لماذا يتم الحديث عن الفساد المالي ولا يتم الحديث عن الفساد السياسي ولماذا عرف الرأي العام بشأن الأموال ولم يعرف أي شيء عن أجهزة التنصت الالكتروني والمتابعات وأرشيف عمار 404. ؟
٭ جدل كبير حول المجلس التأسيسي والشرعية الدستورية والشرعية الثورية ما هو اقتراحك للخروج من الأزمة؟ هل هناك خارطة طريق ؟
ليس المطلوب وضع خارطة طريق ...فالطريق هو عبارة عن حالة مادية موضوعية ومكانية بالأساس. وبقطع النظر عن الوضع الملوث لكلمة خارطة الطريق في العلاقات الدولية فان تحفظي هو من جانب آخر. الطريق حالة مرسومة مسبقا والسؤال هو من يرسمها؟ يفترض الطريق مفهوم المساحة والمسلك و الشارع. وقد يذكرنا ذلك بعبارات « الشارع العربي» ،و «نبض الشارع»....ووفق كل المعايير يفترض الشارع الاعتراض الانتفاضي أو المطلبي وهي المرحلة التي أرى بأنها قد انتهت مع تعالي الأصوات المطالبة بانتخاب مجلس تأسيسي جديد. هنا نمر من لغة نبض الشارع الى لغة الرأي العام. وأرى بأن دراسات الرأي العام التي انجزتها مؤسسة «سيقما» ثم اذاعة «اكسبرس» تبعث على الضحك بمثل الضحك الذي تبعث عليه وعود الاتحاد الأوروبي المالية المترددة لتونس. لا يمكن أن نحدد اتجاهات الرأي العام من خلال مكالمات الهاتف الجوال أو الانترنيت لأن سكان قفصة ودوز وبوسالم ليس لديهم جميعا جوال أو انترنيت . المهم ما أردت أن أقوله هو أننا بحاجة الى مسار وليس الى طريق نهائي, فالمسار هو عملية اختيارية من أدنى ومن أسفل: أسير او لا أسير .....والمسار متعدد بمعنى انه لكل طرف مساره ومنعرجاته. واذا كان الطريق يفترض اللجوء الى الشارع فان المسار يفترض اللجوء الى الرأي العام والى صندوق الاقتراع. وهذين المسلكين مختلفين تماما. لذلك نرى من الضرورة المضي قدما في اتجاه الإعداد لانتخابات المجلس في ظرف قصير. ليس مهما التاريخ ورمزية التاريخ المهم هو احداث النقلة .
٭ بشكل عملي كيف يمكن تنفيذ ذلك في ظل المخاوف من التفاف الأحزاب على ما قام به شباب غير متحزب ؟
أولا: المسألة تتصل بنمط الاقتراع. المخاوف متأتية من بعض المقترحات التي تقدم بها البعض بما في ذلك الاستاذ الصادق بلعيد حول ضرورة أن يكون نمط الاقتراع فردي تجنبا لهيمنة الاحزاب Uninominale . أنا لا ارى ذلك، بل ان الذهاب في هذا الاتجاه هو من الخطورة بمكان بحيث يمكن أن يؤدي الى تكرار بعض التجارب العربية أو الإفريقية التي تحول فيها الاستحقاق الانتخابي الى عملية شراء للأصوات وللذمم. أنا لا أنتمي الى أي حزب ، ولكن أرى في التخويف من الاحزاب عملية خطيرة على المدى البعيد. سهام بن سدرين، مية الجريبي، علي العريض، حمة الهمامي، راضية نصراوي ، المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر جميع هؤلاء هم ممثلون لأحزاب وجميعهم أمضوا الجانب الأكبر من حياتهم في مقاومة الاستبداد وقد دفعوا الثمن غاليا وهو ما لم يقم به الكثيرون، فهل يعقل القول بأنه يمكن أن تبنى الديمقراطية من دونهم ؟
ثانيا: يمكن لنمط الاقتراع بالقوائم أن يتناصف مع نمط الاقتراع الفردي. وقد بينت بعض التجارب الانتقالية جدوى هذا التناصف في بعض البلدان (حالة النيبال مثلا حيث شكلت الانتخابات والدعوة الى مجلس تأسيسي مخرجا وفاقيا). كما يمكن في تونس أن يحدث نفس الشيء، لكن على أمل أن لا تطول فترة اعادة الكتابة أو كتابة الدستور. فهذه الفترة كانت تأخذ في الماضي تقريبا ثلاث سنوات (دستور الثورة الفرنسي 1789 عام ودستور 1959 التونسي)، أما اليوم فإن التمدد في الزمان أصبح أقل وكذلك في عدد المرشحين للمجلس التأسيسي.
٭ هناك من دعا الى صيغة مؤتمر وطني أو مجلس تأسيسي يعينه رئيس الدولة بمرسوم (كما اقترح ذلك المؤرخ هشام جعيط). ألا يساعد ذلك في اختصار المسافة وضمان أن تسلك البلاد طريقا آمنة؟
دستور 1959 كان عملية اختصار طريق أي Short Cut كما يقال اليوم في لغة الحاسوب. لقد وضع بشكل مستعجل ولم يؤكد باستفتاء شعبي. لذلك كان دستور 1959 على شاكلة استقلال البلاد منقوصا. واليوم بالامكان تصحيح هذا المسار. لا أرى خوفا من تعدد الخيارات. ان طبيعة النقاشات التى استمعت اليها في حلقات اعتصام القصبة كانت مثيرة للدهشة. استوقفت إحدى البنات الحاملات للافتة (17 سنة) تحمل عنوان «نريد مجلسا تأسيسيا» وسألتها فيما اذا كانت تعرف عما تتحدث وترفع من شعار وأعطتني الدرس. انها تجربة راقية فعلا من الوعي المدني. طبعا ونتيجة للخوف السائد من سلطات الرئاسة اللامحدودة يتجه الرأي العام المسيس على الأقل في اتجاه المطالبة بنظام برلماني. وارى بأن المرشحين وحرصا على الترشح سوف يتأقلمون مع هذا الاتجاه. انه منطق العرض والطلب السياسيين. لكن دعنا من ردود الفعل. النظام السياسي في تونس لم يكن رئاسيا كما يتصور البعض ولم يكن لدينا دستور ولا نظام دستوري قبل 14 جانفي 2011. لقد سقط الدستور منذ 1975 أي منذ أن تحولت الرئاسة الى رئاسة مدى الحياة وتحولت الفصول المتعلقة برئاسة الجمهورية الى ترجمة مسرحية للأمر العلي الذي كان باي تونس يحكم به ومن خلاله . ان الذي يتحدث عن فراغات دستورية اليوم يجب أن يعرف بأننا كنا فعلا نعيش الفراغ منذ سنوات طويلة وأن آلية الحكم الوحيدة هي الأوامر والتعليمات.
في نظري لم يكن هناك دستور منذ عام 1975 كما لم تكن هناك جمهورية بالمعنى الذي أراده آباؤنا. وحتى لا نسقط في المزايدة يمكن القول بأننا كنا ضمن نظام جمهوري – ملكي حتى وان لم نكن عمليا ضمن جمهورية موز نظرا لمكاسب البلاد التي لا يمكن انكارها اليوم بفضل وعي ومسؤولية النخب. تلك من دون شك منة بورقيبة على تونس من خلال دستور 1959 ومنعرج 1975. واذا أردنا أن نخرج من منطق «الشارع» أرى أنه على الجميع أن يعمل خلال الفترة القادمة على تشريك الشباب والرأي العام في حلقات الحوار للتعريف بخصائص هذا النظام أو ذاك.انتخابات المجلس التأسيسي لا يمكن أن تكون «ماكينة» دستورية. القانون وحده ( مع احترامي لمجهود خبراء القانون الدستوري ) لا يكفي. ثمة مسألة اسمها المشروعية La légalité ومسألة أخرى مختلفة هي الشرعية La légitimité. . والشرعية لا تكون فقط تحت عنوان «أم القوانين» أي الدستور وانما أيضا بشرعية رمزية وأخلاقية وبشرعية اجتماعية سوسيولوجية. وما يحدث اليوم يبرهن على أن الثورة هي فعلا من دون منظومة قيم بديلة. وإذا لم تتحول الديمقراطية بشكل تدريجي الى عادة والى حالة عرفية ونفسية ومزاجية فانه لا يمكن أن يفعل القانون أي شيء. نحن نريد أن يكون الانتقال فرصة تدريب ودربة على الديمقراطية. نريد للمدارس والمعاهد والجامعات والصحف والجمعيات أن تشارك وأن تعرف مخاطر ومساوئ الاستبداد والمخارج الممكنة. يقول ماكس فيبر «بأن الادارة البيروقراطية بانضباطها مدرسة تعلم المواطن العقل». وهنا أقول بأن هذه الاجواء من الحوار يمكن أن تكون مدرسة تعلم المواطن وخصوصا الشباب المشاركة وتحمل المسؤولية. أستغربت من أحد الوزراء الذي تحدث عن أهمية وضع برامج جديدة للشباب لتعليم الحياة العامة والديمقراطية. الحرية لا يمكن أن يتعلمها الجيل من خلال الكتب وبشكل نظري. انها كقيادة السيارة جزءها الأهم في الدرس هو التطبيقي أي أن تسوق وهي أيضا كالرقص ...لا يمكن أن يتعلمه الراقص الا فوق دائرة الرقص وبالحركة. هل رأيت راقص «تانغو» تعلم الرقص من خلال قراءة كتاب؟
٭ ولكن ماذا عن امكانية تعيين أعضاء المجلس وأن يكون العدد محدودا في 30 شخصا كما طالب البعض بذلك؟
من حيث المبدأ المقترح الذي تقدم به الاستاذ هشام جعيط عملي الا أنه يطرح مشكلتين أساسيتين:
الأولى أن العدد ليس هو المشكل. ثمة تجربة مشابهة وقعت في ايزلندا مؤخرا حيث ضم مجلس تأسيس الدستور واعادة كتابته 30 شخصا. الا أن عمله قد توقف نتيجة ظهور اعتراض على تمثيليته. وهذا يفسر لماذا يجب أن نخرج وبسرعة الى الانتخابات. كل يوم تأخير سيكلف تونس نفسيا واقتصاديا وسياسيا أكثر مما تطيق. هذه نصيحتي الى الحكومة الجديدة. الى ذلك فان التشريك وفق قاعدة الترشح الفردي والقوائم مهم لأنه سيحول البلاد الى نادي حوار مفتوح وممارسة تجريبية للديمقراطية.
٭ وماذا عن هوية الدولة في الدستور؟ ألا يخشى أن يذكي هذا الجدل نزاعات اديولوجية حسمها دستور 1959 وأرسى بها على بر الأمان؟
لا أرى ذلك. ليس في مصلحة أحد اليوم إعادة طرح صيغة توافقات 1959. فالذين يريدون إزاحة العلاقة بين الدين والدولة في اتجاه «علمنة» الدولة وفق النموذج الفرنسي من حقهم ذلك لكن من المهم المرور بمحطتين: أولا أن تحصل هناك أغلبية سياسية توافق على ذلك، وهذا استبعده في تقديري نظرا لطبيعة الأغلبية الثقافية والسوسيولوجية القائمة في تونس. ثم أولا وأخيرا من حق الشعب اذا قرر الحفاظ على هويته أن يحافظ عليها من خلال الدستور بما في ذلك هوية المجتمع والدولة. وهذا هو المعنى الحقيقي لللائكية. انها تعنى ومن خلال أصلها اليوناني «اللاوس» Laos والذي هو الشعب. فاذا أراد الشعب هوية عربية اسلامية للدولة ولتونس كما هو الحال الآن فهذا يعنى أيضا بأنه يعبر عن ذلك في اطار حق «اللاوس» أي الشعب في تقرير مصيره. وذلك هو الجوهر الأول لللائكية قبل أن تتلبس لبوس التاريخ الدستوري الفرنسي والذي هو استثناء فريد في العالم بصدد اعادة الصياغة اليوم.
المحطة الثانية هي أن يقبل هؤلاء بمبدإ الفصل ومن ثم عدم إمكانية تمويل الدين لدور العبادة واستقلال هذه الأخيرة، وهو ما يعني ضرورة العودة منطقيا الى نظام الأحباس الذي ألغاه بورقيبة. وهذا ما لن توافق عليه العديد من الأطراف المتأثرة بالنموذج الفرنسي للفصل. في نفس الوقت ومن ناحية أخرى لا يمكن لأنصار المزيد من الربط بين الدولة والدين ، أي الاسلاميين، أن يغيروا من صيغة هذا التوافق، لأن خطوة أخرى اضافية سوف تؤدي الى اثارة مخاوف لدى الجميع طالما وأن الاسلاميين لم يوضحوا بعد وبشكل واضح موقع التشريع المدني من التشريع غير المدني. كل ذلك يعنى أن توافق 1959 (اذا جاز اعتباره توافقا) ليس مجرد نص قانوني وانما هو توافق تاريخي. من ناحية أخرى، علينا أن ندرك بأن دستور 1959 هو نص، في جانب كبير منه سياسي وهو لم يعرض على استفتاء كما قلنا . بمعنى آخر ،علينا أن نبقي على ما جاء فيه مع الاضافة ومع التعزيز في اتجاه التوازنات النفسية والثقافية الجديدة . لنكن صرحاء . الحديث يتعلق هنا بعلاقة الدين بالدولة وبمسألة عروبة تونس. ثمة مسائل لم يتعرض لها الدستور أو تعرض لها بشكل مستعجل رغبة في استرضاء الرأي السائد وضمان «الوحدة» والثوابت وهذا أمر هام . المشكل هو أن هذه الثوابت لم تكن مفتوحة على مبدإ الحرية والتنوع بما يكفي . صحيح نحن بلد عربي اسلامي ولا شك في ذلك. واعتبار ماجاء في الفصل الأول من أن تونس دولة حرة مستقلة لغتها العربية ودينها الاسلام، هي من المسائل التي لا يجب أن تكون موضوع خلاف لأنها أمر واقع. لكن هل يعقل أن يغيب الدستور الخاصية البربرية مثلا لتونس والحال وأن الاسلام التونسي هو بربري في أساسه التاريخي؟ أنا كشخص يمكن أن أكون من أصل تونسي - بربري أشعر بأنني مؤمن و عروبي بلساني وفكري وثقافتي ويمكن أن أفتخر بذلك، ومن الغبن أن لا يترجم الدستور هذه الحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.