منذ ثورة 14 جانفي، ما انفك موضوع الفساد المالي صلب دواليب الدولة يحظى باهتمام الشعب والمختصين والخبراء. فالحقائق المريرة التي تم الكشف عنها طوال الشهرين الماضيين حول تورّط مسؤولين إداريين وموظفين عموميين وحتى كبار المسؤولين (مثل الوزراء والمديرين العامين والسفراء والولاة والمعتمدين) في الفساد المالي خلال سنوات النظام السابق، صدمت وأثارت استياء الجميع. وأصبح المطلب الشعبي الوحيد في هذا المجال، إضافة الى محاسبة كل من ثبت تورطه، هو كيفية تفادي حصول أعمال الفساد المالي بمختلف دواليب الدولة في المستقبل.. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة الى وجود قانون صادر في أفريل 1987 ينصّ على ضرورة تصريح أعضاء الحكومة وبعض الأصناف من الأعوان العموميين (تصريح على الشرف) بمكاسبهم وبمكاسب أزواجهم وأبنائهم القصّر في أجل لا يتجاوز شهرا من تاريخ تعيينهم في وظائفهم مع ضرورة تجديد هذا التصريح كل 5 سنوات في صورة بقائهم بالوظيفة نفسها وإمضاء تصريح جديد عند انتهاء مهامهم في أجل لا يتجاوز شهرا... وعليهم ان يبيّنوا بالتصريح نفسه مصادر المكاسب التي تحصلوا عليها بأنفسهم او تحصل عليها أزواجهم أو أبناؤهم القصّر خلال كامل مدة قيامهم بالوظائف التي استجوبت التصريح. سفراء وقضاة ووزراء حدّد هذا القانون الأشخاص المعنيين بهذا الإجراء وهم أعضاء الحكومة (الوزراء وكتاب الدولة) والقضاة والسفراء والولاة ورؤساء المؤسسات الأم والمؤسسات الفرعية (الواردة بالقانون المؤرخ في 20 جويلية 1985).. كما ينطبق القانون أيضا على أعضاء الدواوين الوزارية والكتّاب العامون للوزارات والمديرين العامين ومديري الإدارة المركزية والقناصل العامين والقناصل والمعتمدين الأولين والمعتمدين والكتّاب العامين بالولايات وبالبلديات والمديرين العامين المساعدين والمديرين بالمؤسسات الأم وبالمؤسسات الفرعية وأعوان إدارة التجارة وأعوان الإدارة الجبائية وكذلك كل عون للدولة او الجماعات العمومية المحلية او المؤسسات العمومية الإدارية يقوم بمهام آمر صرف او محاسب عمومي.. وأضاف هذا القانون انه يمكن إخضاع أصناف أخرى من الأعوان العموميين لهذا التصريح وذلك بأمر بناء على اقتراح من الوزير الاول. غير انه منذ 1987، لم يصدر مثل هذا الأمر، وهو ما يعني ان أصنافا عديدة أخرى من الموظفين العموميين مازالت غير معيّنة بالتصريح على المكاسب قبل وبعد تعيينها. إقالة... ومراقبة نصّ هذا القانون على أن كل من لا يحترم اجراء التصريح تقع إقالته من الوظيفة المعنية.. وعند عدم احترام اجراء التصريح اثر انتهاء المهام (الموجبة للتصريح) تجرى رقابة على تصرفه طوال المدة التي قضاها بتلك المهام. تطبيق؟ يتساءل كثيرون إن كان هذا القانون مطبّقا بالوجه الكافي طوال ال 23 سنة الماضية على كل المعنيين به بلا استثناء... فإذا اتضح انه لم يطبق بالوجه الكافي فإنه من الضروري الآن محاسبة كل من تسبب في التغافل عن عدم تطبيقه... كما انه يجب تفعيله الآن بشكل جيّد من الحكومة المؤقتة لتفادي وقوع أية تجاوزات في المستقبل، إضافة الى ضرورة اعتماده لمحاسبة كل من شغل احدى هذه الوظائف المذكورة خاصة خلال السنوات الأخيرة التي انتشر فيها الفساد المالي والرشوة صلب دواليب الدولة.. هيكل مراقبة يعتبر الخبراء والمختصّون ان تفعيل هذا القانون بالوجه الكافي لا يمكن ان يتم إلا بعد بعث هيكل خاص دائم ومستقل لمقاومة الفساد المالي في القطاع العمومي وحتى الخاص مثلما تنصّ على ذلك اتفاقية الأممالمتحدة لمقاومة الفساد التي صادقت عليها تونس في 2008.