مثلت مسألة سوء التصرّف في توزيع الأراضي المعدة للبناء بأغلب المناطق البلدية بولاية قبلي احدى المعضلات التي طال تداول الأهالي الأحاديث والأقاويل في شأنها خلال السنوات الماضية إذ عرفت الجهة منذ بعض السنين تحويل أغلب الأراضي المملوكة على وجه الشياع لأبناء القرى الى ملكية المجالس البلدية أو المجلس الجهوي وأطلقت في ما تبقّى منها أيادي المتنفّذين في مجالس التصرف والمجالس القروية وما يسمى بنواب العروش يتصرّفون فيها حسب أهوائهم ومصالحهم وولاءاتهم حتى ارتبط في ذهن الأهالي معنى الحظوة لدى الحزب الحاكم ولدى السلطة بعدد قطع أراضي البناء التي يمكن منها الشخص الواحد وأفراد عائلته يتصرفون فيها حينا بالاستغلال وأحيانا كثيرة بالبيع والتفويت. وقد ساهم هذا الوضع بقدر مهم في مراكمة الاحتقان لدى أبناء الجهة وخاصة منهم الشبان الذين حرم أغلبهم من حقه في الحصول على قطعة أرض واحدة يقيم عليها قبر الحياة بينما يرى غيره من المتنفّذين يتصرّفون في عشرات القطع بالبيع والاتجار بل لقد وجد عدد كبير من هؤلاء الشبان أنفسهم مضطرّين لاقتناء قطع أرض من هؤلاء المتنفّذين الذين استولوا على الأرض التي تملكها المجموعة بطرق ملتوية حينا وتسلطا جهارا نهارا أحيانا. وإزاء هذا الوضع حاولنا أن نتقصّى حقائق هذا الملف وخفاياه في مرحلة أولى من خلال استجواب بعض الأهالي الذين يقولون أنهم ظلموا في هذا الشأن إذ أفادنا السيد محمد أنه اقتنى قطعة أرض من أحد المسؤولين كان قد استولى على قطع كثيرة من هيئة محلية لها علاقة بالأراضي وقد عمد هذا المسؤول الى بيع القطعة الواحدة أكثر من مرة دون أن تطاله يد القانون المقطوعة حسب قوله كما أفادنا السيد عبد القادر وهو أحد المسؤولين بهيئة محلية لها علاقة بالتصرف في الأراضي الاشتراكية أن أحد المسؤولين في هذه الهيئة قد باع أغلب القطع الموضوعة بذمة هذه الهيئة وأبقى الأموال عنده دون أن يحاسب أحدا ودون أن يطالبه بذلك أحد الى اليوم كما أشار إلينا مواطن آخر الى أنه بقي سنين طويلة يقدم المطلب بعد الآخر للفوز بقطعة أرض يقيم عليها بيتا ولكن دون جدوى في حين أنه أحصى أكثر من عشرين قطعة تمتعت بها عائلة واحدة متنفّذة وتصرّفت فيها بالبيع في حين يخصّص القانون هذه القطع حصرا للأهالي الذين لا يملكون منازل ولكي لا نسلم بمجرد الأقوال ولنفصل بين ما تؤكده القرائن وما تتداوله الألسن وضعنا لإنجاز هذه المهمة خطة منهجية تقتضي أن نصل الى احصاء عدد مقاسم أراضي البناء التي تصرّف فيها كل مجلس بلدي أو مجلس تصرّف أو قروي أو غيرهم في أمثلة التهيئة العمرانية ثم البحث عن قوائم الاسناد ومقاييسه وأثمانه وأخيرا التثبّت لدى سجلات القابض البلدي أو الجهوي عن الوثائق التي تثبت أو تنفي خلاص هذه القطع المسندة ولذلك فقد كانت وجهتنا في إنجاز هذا الملف بلديات المنطقة نطلب منهم اطلاعنا على الوثائق التي تساعدنا على انجاز هذا التحقيق الصحفي الذي يساهم بقدر مهم في كشف الحقائق ولكننا وجدنا أنفسنا أمام مجموعة من الصعوبات تعرقل امكانية انجاز هذا الملف منها غياب المسؤولين في البلديات واستغراب بعض المسؤولين الآخرين من هذا الطلب إذ هم لم يتعودوا أن يكون للصحفي الحق في الاطلاع على بعض أنواع الوثائق ومنها تلميح بعضهم بخطورة إثارة مثل هذا الموضوع باعتباره يمسّ من مصالح بعض ذوي النفوذ والشأن ومثل هؤلاء لن يسكتوا ولن يسمحوا بذلك حسب قول أحد الذين نصحونا بعدم الاقتراب من هذا الملف إما خوفا أو تخويفا كما اكتشفنا أن وثائق المحاسبة المالية التي تفصل بين من اشترى قطع أرض وبين من استولى عليها قد حرقت ضمن ما حرق في مكاتب القباضات المالية التي استهدفت بشكل غريب يطرح أسئلة حارقة حول كثير من ملابسات أحداث العنف والحرق في ثورتنا الطاهرة.