بقلم الأستاذ: سعيد غبوش (المحامي لدى التعقيب) في ظل أحكام الدستور الصادر بتاريخ 01061959( الذي تم تعليق العمل به) واستنادا للأمر عدد 50 لسنة1978 المؤرخ في 26011978 أعلنت حالة الطوارئ على كامل تراب الجمهورية... فقد اقتضت الأحوال في خضم ثورة 14012011 أن تعلن حالة طوارئ منذ 15012011 ليمدد فيها لتاريخ31072011. ومصطلح «حالة الطوارئ» لم يرد به النص الدستوري بل ضمن صلب الأمر المنظم أعلاه لإعلان حالة الطوارئ في البلاد التونسية. وقد أجمع أهل الاختصاص على تعريف حالة الطوارئ بكونه«نطام تضييقي لمجال الحريات العامة... ويتجسم في توسيع الصلاحيات الأمنية العادية للسلطات المدنية». فهو نظام استثنائي... تفرضه ظروف استثنائية تمر بها البلاد... ويهدف الى حماية النظام العام للدولة... وبالضرورة أفراد الشعب... وقد استتند الأمر عدد50 لسنة 1978 لأحكام الفصل 46 للدستور التي تمثل المرجع العام في حين يمثل الأمر عدد 50 أمرا ترتيبيا. ولا أحسب حالة الطوارئ إلا من قبيل التدابير الاستثنائية التي يخول نص الدستور اتخاذها من قبل رئيس الجمهورية المنتخب...وهي تدابير يمكن اتخاذها من قبل الرئيس المؤقت لعدم تحجير ذلك عليه صلب الفصل 57 من الدستور وهو ما حصل فعلا يوم15012011. كما تخول أحكام الفصل عدد 4 من الأمر عدد 50 لسنة 1978 للوالي باعتباره سلطة تمثل رئيس الجمهورية حق إعلان حالة الطوارئ في حدود ولايته. وطبقا لأحكام الفصل الأول من الأمر عدد 50 لسنة 1978 فانه«يمكن إعلان حالة طوارئ على كامل تراب الجمهورية أو بعضه في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير للنظام العام وأما حصول أحداث تكتسي لخطورتها صبغة كارثة عامة».... وتكون لمدة شهر واحد ولا يجوز التمديد فيها إلا لمرة واحد. وهذه الصياغة تختلف من حيث الشكل فقط مع الصياغة الواردة صلب الفصل 46 من الدستور والتي تنص«لرئيس الجهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها بحيث يتعذر التسيير العادي لدواليب الدولة اتخاذ ما تحتمه الظروف من تدابير استثنائية...» ومع التأكيد على أن الثورة التي شهدتها البلاد لا تمثل في حد ذاتها خطرا على كيان الجمهورية ولا على استقلال الوطن فإنها قد تمثل خطرا على امن العباد وعلى النظام العام بصفة عامة تجسمها بعض الأحداث التي عاشتها بعض مناطق البلاد بفعل بعض الأفراد التي تتعارض مصالحهم مع الطموحات الشرعية لأفراد الشعب. وتقدير حالة الخطر الداهم أو الأحداث التي تكتسي لخطورتها صبغة كارثية عامة وكذلك الأمر عند تقدير حالة تغذر التسيير العادي لدواليب الدولة خاضعان لاجتهاد رئيس الجمهورية...دون تقيد منه بنتيجة الاستشارة المسبقة لمجلسي النواب والمستشارين وخاضعة أيضا لتقدير والي الجهة واستشارة سلطة الإشراف. وباعتبارها تدابير استثنائية فإن اتخاذها يكون بمقتضى أمر خاص وشخصي ممضى من رئيس الجمهورية بصفة حصرية(أو من الوالي بمقتضى قرار) ينفذ حال صدوره وغير خاضع لأحكام الفصل 2 من القانون 64 لسنة1993 المؤرخ في 05071993 وهو ما يفسر صدور الأمرين المتعلقين بإعلان حالة الطوارئ عدد 184 و 185 بتاريخ 15012011 و14022011 في حين لم ينشرا بالرائد الرسمي إلا بتاريخ 01032011... خلافا لنظام نفاذ النصوص القانونية العادية والأساسية والأوامر الترتيبية التي لا تصبح نافذة إلا بمرور خمسة أيام من تاريخ إيداع الرائد الرسمي بمقر ولاية تونس العاصمة. ولقد عرفت بلاد الشرق والغرب إعلان حالة طوارئ... لسنين عديدة وبدون تحديد لمدتها (مصر الجزائر...) وبقيت قائمة في بلاد الفراعنة بعد ثلاثين سنة من حادث المنصة ولضرورة صيانة وحماية الثورة... في حين رفعت في بلاد المليون شهيد وهي على وقع بعض التظاهرات والمسيرات...وطبول الثورة تقرع على حدودها الشرقية.... في حين حرص رئيس الجمهورية المؤقت في بلاد الزيتونة بأن تكون مدة حالة الطوارى محددة بأجل معين تحصينا للثورة واحتراما لأحكام الأمر 50 لسنة 1978. ولتبيان طبيعة التدابير التي تجسم إعلان حالة الطوارئ ومدى خطورتها على الحريات الفردية... من إساءة التقدير أو التعسف... فانه من حق رئيس الجمهورية(والوالي في حدود ولايته) على سبيل المثال لا على سبيل الحصر اتخاذ التدابير التالية: أ وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والجولان والتنقل في أماكن أو أوقات معينة (منع الجولان) والإضراب وتوقيف المشتبه فيه أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفا احتياطيا والإجازة في تحري الأشخاص والأماكن في أي وقت وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال دون تقيد بأحكام القانون...(وهذا ما يفسر قيام لجنة التحري في مواطن الفساد بإجراء التفتيشات داخل القصر الرئاسي وإجراءات الحجز دون التقيد بأحكام الفصول94و95و97 وما بعده من مجلة الإجراءات الجزائية). ب مراقبة الرسائل والمخابرات أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والملفات والرسوم والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها. ج تحديد مواعيد فتح الأملاك العامة وإغلاقها. د سحب إجازات الأسلحة والذخائر والمواد القابلة للانفجار والمفرقعات على اختلاف أنواعها والأمر بتسليمها وضبطها وإغلاق مخازن الأسلحة. ه إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة. و حجز أي منقول أو عقار وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات وتأجيل الديون والالتزامات المستحقة والتي تستحق على ما يجري حجزه. ومن المفارقات السعيدة أنه رغم إعلان حالة الطوارئ فان جل هذه التدابير لم يقع اتخاذها بل اتخذت قرارات هامة وتاريخية لحماية الحريات الفردية والعامة وحرية التعبير وحرية تكوين الأحزاب والعفو العام...فضلا عن إلغاء جهاز أمن الدولة والبوليس السياسي.... وكأن البلد ليست في ظل حالة طوارئ. والأمل أن تنجز كل المشاريع السياسية في ميعادها وتكلل بالنجاح لما فيه خير هذا الوطن وعزته ومناعته على كامل الأصعدة... بحيث يستتب الأمن الخاص والعام تيسيرا للسيرالطبيعي لدوليب الدولة...فتزول حالة الطوارئ بزوال أسبابها ولو قبل 31072011... غير مأسوف عليها....وبدون رجعة.