أفضت الندوة الوطنية المنعقدة امس بالعاصمة باشراف الوزير الاول السيد محمد الغنوشي والتي توجت اشغال الاستشارة الوطنية الموسعة حول واقع وآفاق القطاع التجاري الى تشخيص الاشكاليات التي يواجهها قطاع التجارة كما اسفرت الندوة عن إصدار جملة من التوصيات والمقترحات لفضّ هذه الاشكاليات. وكانت فعاليات هذه الاستشارة التي أذن بتنظيمها رئيس الدولة قد التأمت منذ جوان الماضي على ثلاث مراحل شملت الاول ىالجهات والثانية الجالية التونسية بالخارج اما المرحلة الثالثة فتوجهت فيها الاستشارة نحو الاقاليم السبعة للبلاد. وجاءت الندوة الوطنية امس لتحوصل نتائج الحوار الذي جرى في مختلف هذه المراحل والذي شاركت فيه مختلف الاطراف من منتجين وفلاحين وصناعيين وتجّار ومسديي خدمات والاحزاب والمنظمات الوطنية ومختلف مكوّنات المجتمع المدني. أرقام الاسعار ومن ابرز المسائل التي طرحت على انها إشكال حقيقي يعاني منه قطاع التجارة مسألة غلاء المعيشة وارتفاع مستوى الاسعار ويقترن هذا الإشكال خصوصا بشطط تعريفات مؤسسات التأمين والمؤسسات الاستشفائية الخاصة وبعدم اعتماد الدواوين وشركات الخدمات العامة (مثل الكهرباء والغاز والمياه والتطهير والتأمين) الموضوعية في تحديد اسعارها وتعديلها ومراجعتها هذا فضلا عن غياب المنافسة النزيهة خصوصا في قطاع الملابس الجاهزة وعدم انعكاس التفكيك الديواني على أسعار البيع للعموم. وفي باب الاسعار ايضا لوحظ ضعف تدخل الدولة لحماية المنتوج الفلاحي عند تدني الاسعار كما لوحظ ارتفاع سعر كلفة عوامل الانتاج وانعكاسه على المقدرة الشرائىة للمستهلك. وطرح المشاركون في الاستشارة اشكالية اخرى تتمثل في تعدد الأداء البلدي وارتفاع نسبة الأداءات المباشرة اضافة الى اشكالية عدم واقعية سقف النظام الجبائي التقديري الحالي (100 الف دينار) ولجوء بعض التجار الذين تجاوزوا هذا السقف الى تقديم حسابيات غير صحيحة مما يضرّ بمداخيل الدولة ويخلق حالة من عدم الانصاف بين الخاضعين لكلا النظامين الجبائيين التقديري والحقيقي. وتطرح مشكلة تعقد الاجراءات وصعوبات الاستخلاص كأبرز المشكلات العالقة بالنظام الجبائي الحالي الذي لا ينضوي تحت لوائه عدد كبير من التجار والمتعاملين الاقتصاديين المنتصبين في فضاءات التجارة الموازية. وتم التركيز كذلك فيما يتعلق باشكاليات القطاع التجاري على مسألة تنامي ظاهرة التجار الموزعين المتجولين وهو ما يؤثر سلبا على القطاع المنظم وظاهرة الجمع بين تجارة الجملة والتفصيل بطرق غير قانونية في عديد القطاعات الى جانب التركيز على مشكلة طول وتعقد الاجراءات الإدارية عند الانتصاب وخلال فترة النشاط ومحدودية امكانيات الاجهزة الرقابية وتأثير ذلك على تأمين التغطية المطلوبة علاوة على ارتفاع كلفة الضمان الاجتماعي مما يثقل كاهل الباعثين الصغار. وأثار المشاركون في الندوة ايضا جملة الصعوبات والعراقيل التي تواجه المتدخلين في القطاع التجاري فيما يتعلق بالتمويل ومن اهمها ضعف مستوى مساهمة القطاع البنكي في تمويل الاستثمار والنشاط التجاري وارتفاع مستوى العمولات والفوائض البنكية مثل مصاريف دفع وخلاص الشيكات والفوائض الموظفة على القروض والتسهيلات البنكية فضلا عن صعوبة الحصول على القروض البنكية خاصة لصغار التجار وما يرافق هذا من عدم توفر السيولة الكافية خاصة لبعض الأنشطة ذات الطابع الموسمي (مثل تجميع التمور). البيوعات بالتقسيط وتطرقت الندوة التي نظمت في ثلاث ورشات الى مسألة البيوعات بالتقسيط التي بدأت ترتبط بها بعض المظاهر السلبية مثل مطالبة بعض التجّار للحريف بالسندات وصك الضمان في آن واحد وتهرّب بعض المستهلكين من أداء ما عليهم من ديون وطول اجراءات التتبع وآثار ذلك على مردودية المؤسسات خاصة الصغرى منها. وتعمد البعض من التجار عدم تحرير عقود البيع بالتقسيط او عدم التنصيص على كل البيانات الرامية الى حماية المستهلك. وبخصوص المساحات الكبرى شدد المشاركون في الاستشارة حول التجارة على التخوّف من تحوّل بعض هذه المساحات الى بدائل التجارة والتوزيع بالجملة والتخوف ايضا على قدرة التجارة الصغرى وبعض المهن التقليدية على مسايرة نسق المساحات الكبرى من حيث طرق التزوّد والعرض والتجهيزات والأسعار غير التنافسية. وطرحت الندوة ايضا معضلة تدني مستوى خدمات ما بعد البيع (الضمان والصيانة...) وتهرب المورّد او المصنع من توفير هذه الخدمات. كما طرحت مشكلة عدم التوازن بين السعر والجودة. علاقات ووجه المشاركون في الندوة الوطنية انتقادات الى مصادر التزوّد والعلاقات المهنية التي تتأثر بمحدودية احترام المنتجين والتجار لمسالك التوزيع ومحدودية سياسة العرض في تجاوز اختلال التوازن بين العرض والطلب والقضاء على الاحتكار اضافة الى عدم قدرة تجار التفصيل في بعض الجهات على التزود مباشرة بأسعار تنافسية بسبب ضعف امكانياتهم مما يجعلهم تحت السيطرة المطلقة لتاجر الجملة سواء على مستوى نوعية وجودة البضاعة او السعر المعتمد. ولم يغفل المشاركون في الندوة امس معضلة التجارة الموازية التي تفاقم تأثيرها على القطاع المنظم وعلى المستهلك وعلى جمالية المدن رغم زوال الاسباب الهيكلية لتنامي هذه الظاهرة من حذف للتراخيص وحرية للأسعار وللتوريد. وتساءل المشاركون عن مصادر المواد التي تروجها التجارة الموازية وكيفية توزيعها. ومع التشديد على خطورة هذه الظاهرة تمت الاشارة الى الدور الاجتماعي الذي يمكن ان تلعبه في امتصاص الطلب الاضافي على الشغل. وتمت الاشارة في المقابل ايضا الى شمول هذه الظاهرة لمواد خطرة قابلة للاشتعال كالمحروقات التي يتم الانتصاب بها على قارعة الطريق..