بقلم : د. عبد اللطيف الحناشي (جامعة منوبة كلية الآداب) منذ اندلاع الثورة في مصر سعت إسرائيل لإنقاذ حليفها الاستراتيجي، مبارك ونظامه، فسعت للتأثير الخفي على واقع الأحداث بطرق مختلفة إذ كشفت مصادر إسرائيلية مطلعة، أن اسرائيل عرضت على اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية المصرية، وضع «كافة إمكانياتها» تحت تصرفه ل«حماية النظام في مصر» بما في ذلك تنفيذ«عمليات نوعية لإجهاض الثورة الشعبية» كما ذكرت صحيفة«ديلي تليغراف» أن إسرائيل حشدت قواها لدعم الرئيس حسني مبارك، وسمحت للقوات المصرية بدخول شبه جزيرة سيناء للمرة الأولى منذ توقيع اتفاق السلام بينهما سنة 1979، وقالت ان قرار السماح لكتيبتين من الجيش المصري بالانتشار ضد المتظاهرين في سيناء، التي كانت منزوعة السلاح منذ انسحاب إسرائيل منها بعد اتفاقات كامب ديفيد، هو «انعكاس لقلق نتنياهو المتزايد من تطورات الأوضاع في مصر». أما على الصعيد الديبلوماسي فتعددت المحاولات الديبلوماسية الإسرائيلية لكبح الثورة إذ حثت وزارة الخارجية الحكومات الغربية على وقف انتقاداتها لمبارك خلال سعيه لقمع الانتفاضة الشعبية ضد نظامه ،وفي هذا الاطار بعثت إسرائيل برسائل رسمية الى الولاياتالمتحدة ودول أوروبية والصين طالبت فيها بكبح الانتقادات الصادرة عن قادتها ضد الرئيس المصري حسني مبارك بزعم انه توجد مصلحة للغرب بالحفاظ على استقرار النظام المصري، وجاءت هذه الرسائل الإسرائيلية في أعقاب تصريحات وبيانات صدرت عن عدة عواصم غربية تبين منها أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي سئموا نظام مبارك، كما أرسلت وزارة الخارجية الإسرائيلية تعليمات الى سفرائها في كل من الولاياتالمتحدة وروسيا والصين وكندا وعدة دول أوروبية تطلب منهم الاتصال مع مسؤولين في وزارات الخارجية ومكاتب رؤساء أو رؤساء حكومات في الدول التي يخدمون فيها وتسليمهم الرسالة من الحكومة الإسرائيلية. ولقد عملت الدولة الإسرائيلية بكل الطرق للإبقاء على الأنظمة الاستبدادية المتوحشة في العالم العربي وقد أفصح عن هذا الدور مؤخرا رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يادلين الذي تحدث عن نشاط المخابرات الإسرائيلية في العالم العربي، ومما قاله أن مصر هي «الملعب الأكبر لنشاطاتنا، فحسب الخطط المرسومة منذ عام 1979 فلقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع لقد نجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائما ومنقسمة الى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر». اسرائيل خائفة بل تعيش حالة رعب غير مسبوقة مما يحدث الآن في مصر فهي على يقين ان الوضع في مصر قبل الثورة هو غير الوضع الذي سينشأ بعد الثورة، مهما كانت النتائج فهي تخشى من التداعيات المختلفة للثورة الشعبية المصرية، فآنيا تخشى من تضرر التنسيق الأمني«الصامت والخفي» بين إسرائيل ومصر، كما تخشى من أن تتحسن علاقات القاهرة بحكومة «حماس» في قطاع غزة، وتخشى أيضا من المس بمكانة القوة المتعددة الجنسيات في سيناء ومن احتمال عرقلة حركة سفن الصواريخ الإسرائيلية في قناة السويس. أما على المستوى الاستراتيجي فخشيتها تبدو أعمق من ذلك أن رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية الإسرائيلية شاؤول موفاز قد وصف ما حدث في تونس وما يحدث في مصر ب« الإنذار الاستراتيجي بالنسبة الى «إسرائيل » فمن المحتمل ان يحدث برود حقيقي «للسلام البارد» مع إسرائيل الأمر الذي سيلحق خسائر مؤكدة للجيش الإسرائيلي واستراتيجيته، فمنذ أكثر من ثلاثة عقود جمد الجيش الاسرائيلي من حسابه خطر التهديد المصري ويقول بعض المحللين في هذا الصدد ان السلام مع القاهرة في العقود الأخيرة قد مكن الجيش الإسرائيلي من اقتطاع تدريجي لمقادير القوات العسكرية، ومن خفض سن الإعفاء من الخدمة الاحتياطية وصرف عظيم للموارد الى أهداف اقتصادية واجتماعية ،وانحصرت تدريبات هيئة القيادة العامة في مجابهة «حزب الله» و«حماس» ومع سوريا في الأكثر ولم يستعد أحد بجدية لسيناريو دخول فرقة مصرية الى سيناء بعد اندلاع الثورة. ولا شك أن سقوط نظام حسني مبارك سيؤدي الى «يتم» إسرائيل التي ستبقى بدون أصدقاء من الوزن الثقيل في الشرق الأوسط خاصة بعد انهيار تحالفها مع تركيا منذ السنة الماضية، وبالتأكيد ان الدور الذي كانت مصر تقوم به والمتمثل بكسر العزلة العربية والدولية المفروضة عليها بسبب سياساتها كما تخشى إسرائيل، حسب بعض المحللين الإسرائيليين انتقال الثورة الى الأردن الأمر الذي قد يعرض نظام الحكم الهاشمي للخطر الأمر الذي سيخلق واقعا سياسيا واستراتيجيا جديدا في المنطقة ويساهم في خلق شرق أوسط جديد كما تتصوره قوى المقاومة العربية وليس ذاك الذي حاولت كل من إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية فرضه على المنطقة بكل الوسائل. لذلك يصبح الفزع الإسرائيلي الصهيوني، من الثورة المصرية وما سيتولد عنها من تحولات سياسية لعل أدناها بروز نظام سياسي ديمقراطي وأقصاها انتقال حمّى الثورة الى أنظمة ودول صاغت إسرائيل والصهيونية العالمية شكل نظامها واستراتيجيتها، أمرا ثابتا قد يتحول الى هستيريا تدفع النظام العنصري لارتكاب حماقات جديدة في حق العرب.