في جرابه خمسة عقود من التجارب المسرحية قدم خلالها 40 عملا مسرحيا واستطاع أن يرسم لنفسه مسيرة حافلة بالعطاء... حياته كانت عادية لكن في سنة 1993 تعرض للاضطهاد من قبل البوليس السياسي ليدخل في دوامة من المشاكل المفتعلة. هو المسرحي الطيب السهيلي «الشروق» إلتقته فكان الحوار التالي... في أوّل حديثه صرّح محدثنا أنه لم يدل بأي تصريح لأي صحيفة تونسية أو أجنبية وقد استغرب في نشر حوار له في احدى الصحف اليومية ليواصل أنه خيّر الصمت بعد أحداث 14جانفي حتى لا يكون راكبا على الأحداث وخيّر الحديث في الوقت الحالي ليروي لنا ما ذاقه من عذابات واضطهاد عادت عليه بالحزن والاستغراب. المسرحي الطيب السهيلي انخرط في مجال التمثيل منذ سنة 1963 أخرج وشارك في التمثيل لعديد الأعمال أهمها الجازية الهلالية وعاقبة الأصدقاء والصعود الى المنحدر الرمادي وغيرها من الأعمال الجادة والهادفة وبالتوازي مع عمله المسرحي تخرّج محدثنا أستاذ مسرح وعمل في عديد المعاهد، كان يعيش كغيره من زملائه لكن وفي ذات صباح من أيام سنة 1993 طرق أعوان الشرطة التابعون لفرقة الارشاد باب منزله ليتم نقله الى أحد المقرات الامنية حيث أخضعوه الى التحقيق وسأله الاعوان عن تنقلاته والأماكن التي يرتادها وتدخلوا حتى في حياته الشخصية...ليظل لمدة أربعة أيام من الاستجواب مما أجبره على التغيّب عن المعهد ودون سابق انذار تم نقله الى مدينة الكاف ليعمل أستاذا هناك بعيدا عن عائلته المتواجدة بالعاصمة. رضخ محدثنا الى الأمر المقضي وصار يتنقل بين العاصمة والكاف يوميا مما دفعه الى تقديم شكاية الى الوزارة لتتم احالته على التقاعد المبكر... ورغم حالة الاكراه والحكم الجائر رضخ الطيب السهيلي مرّة أخرى للوضع. تتواصل مأساة جليسنا فقد أجبره عمدة المكان على الخروج من منزل والده بتعلّة أن وثائق الملكية غير مكتملة، بإذن من القوة العامة. ظن محدثنا أن الاضطهاد والظلم سيكون حكرا عليه لا على عائلته المضيقة لكن وفي سنة 2010 تم طرد ابنته من عملها (أستاذة فنون تشكيلية) بعد أربع سنوات من العمل لتدخل بدورها في دوامة المشاكل المادية خاصة بعد أن تسلمت قروضا بنكية لمساعدة عائلتها لكنها الآن مهددة بالسجن باعتبار عدم قدرتها على تسديد ديونها... وضمن هذا السياق حاول الاستفسار من محدثنا عن أسباب المشاكل التي طالته وعائلته ليرد بأنه لا يزال في حالة استغراب منذ سنة 1993 وهو بدوره يريد معرفة الحقيقة وآن الأوان وبعد قيام ثورة 14 جانفي بأن يطالب السلط المعنية بمدّه بملفه الامني. يقسم محدثنا ان المشاكل كانت مفتعلة ولا علاقة له بأي حدث يمس من أمن الدولة لكنه يعترف بأن بعض أعماله كانت تحمل مضامين تهدف الى نيل الحريات وضمان الكرامة ورفع الظلم ولعل خلفيات أعماله المسرحية دفعت بالبوليس السياسي بأن يضمّوه ضمن المغضوب عليهم. حاولنا الابتعاد عن المسائل الشخصية، للمسرحي الطيب السهيلي ليحدثنا عن أعماله المسرحية ونشاطاته الآنية فانغمس في الحديث عن الابداع وأهداف المسرح الحق رغم الحالة النفسية التي هو عليها... فذكر أنه ودون غرور ففي جرابه قرابة الاربعين مسرحية ورغم حالات الاضطهاد فقد ظل ينشط على الخشبة باعتبار تجاهله من قبل المخرجين التلفزيين لعدة سنوات. ومواصلة منه لنقد الأوضاع ومحاكاة الواقع فقد أعدّ مسرحية بعنوان «ثورة الصبار» وهي مسرحية غنائية فرجوية ناقدة للأوضاع تحمل في طياتها تداعيات الثورة وعن اختيار كلمة الصبار فقد بيّن أن شجرة الصبار هي شجرة شوكية وهو ما يحيل أن الثورة نجحت بدماء الشهداء الذين تصدوا للقمع ورفضوا الظلم والطغيان لتكون ثورة نتطعمها بلذة... وجهنا لمحدثنا سؤالا عن مفهوم الابداع الفني ودور الفنان في خلق عمل يتماشى والواقع المعاش فصرّح بأن على الفنان أن يكون صاحب رؤية فنية لما يدور من أحداث ليحولها الى عمل فني حق وضمن هذا السياق أضاف ان المبدع هو من يقوم بالثقافة وتحقيق الجودة وفي المقابل يكون دور الوزارة التشجيع حتى يكتمل المشهد ويكون الدعم في خانة الابداع لا التواكل ونهب القدر المستطاع من المال.