خاض أمس القضاة، بكامل محاكم البلاد، إضرابهم بدعوة من جمعيتهم،وقد سجلت نسبة نجاح الإضراب حسب رئيس الجمعية السيد أحمد الرحموني نسبا غير مسبوقة خاصة في محاكم المدن الداخلية للبلاد. وشهدت المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف داخل البلاد إضرابا ناجحا بنسبة مائة بالمائة فيما لم يتجاوز في محكمة الاستئناف بنابل نسبة السبعين بالمائة، وكانت أضعف نسبة بمحكمة الاستئناف بتونس، فيما تم الاتفاق بين الجمعية وبعض القضاة على العمل وعقد الجلسات خاصة بالنسبة الى القضايا التي لا يمكن تأجيلها او القضايا الاستعجالية حتى لا يتم تعطيل مصالح المواطنين. ويرجع القضاة ضعف نسبة الاضراب في محكمة الاستئناف بتونس لتركّز عدد من زملائهم من الذين يقولون إنهم محسوبون على ما يعرف باسم نقابة القضاة. وزارة العدل والتدخل في القضاة اتهم رئيس جمعية القضاة التونسيين السيد أحمد الرحموني وزارة العدل بالتدخل في المؤسسة القضائية ومحاولة الهيمنة عليها وقال «لابد من تحرير القضاء من ادارة تقليدية كانت عائقا أمام استقلالية القضاء» وأضاف «ان وزارة العدل هي من يدير المحاكم وان وزير العدل هو رئيس النيابة العمومية». وطالب الرحموني بضرورة الفصل بين الادارة والمؤسسة القضائية وبالتالي بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية. مطلب القضاة هو مطلب الشعب قال الرحموني ل «الشروق» ان القضاة لم يطالبوا بمنافع ولكنهم يطالبون بما يطالب به الشعب وهو ارساء منظومة لوضع قضائي هو حاليا في حالة انهيار. وقال ردّا على بعض المقترحات لاصلاح المؤسسة القضائية «إننا لا نريد حلولا تجميلية، لقضاة عانوا طيلة أكثر من خمسين عاما من سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وبالنسبة الى ما يتم الترويج اليه بوجود خلافات بين القضاة قال الرحموني «إن القضاة متوحّدون في مطالبهم وفي اطار جمعيتهم ويطالبون مثلهم مثل أبناء الشعب بمنظومة قضائية مستقلّة» وحول علاقتهم بوزارة العدل قال الرحموني إن وزارة العدل لها تصوّر يسعى الى ايجاد بدائل عن المؤسسة القضائية وايجاد بدائل عن جمعية القضاة». الجمعية والنقابة قال السيد أحمد الرحموني رئيس جمعية القضاة التونسيين ردّا على سؤال حول الاشكاليات القائمة مع نقابة القضاة «نحن لسنا ضد أي تعدد نقابي او جمعياتي، نحن مع التعدد اذا كان يعكس فعلا تجاذبات فكرية او تعددا في الآراء...». وقال في هذا الاطار «هناك صراع بين منظومة قديمة تريد أن تشدّ المؤسسة القضائية الى الوراء وأخرى تدافع عن استقلال القضاء». وأضاف بأنهم يتهمون اعضاء الجمعية بالتسييس وهي «حجة من لا حجة له» على حد قوله وقال «إن القضاة يدخلون مجلس حماية الثورة أو هيئة تحقيق أهداف الثورة لأنه لا يمكنهم ان يبقوا محايدين أمام مبادئ الثورة ومطالب الشعب التونسي، إذ لا يمكن للقضاة أن يبقوا معزولين عن الحياة العامة» وأضاف بأنه «لا يمكن للقاضي ان يكون متحزّبا وعليه أن لا يعلن عن أي توجّه سياسي» ورفض ما أسماه بعزل القاضي عن الحياة العامة، وقدّم مثالا عن ذلك عندما قال ان القضاة تم تغييبهم عن المجلس القومي التأسيسي لصياغة دستور 1959، فكنّا أمام منظومة دستورية غير مستقلّة، واليوم لابد من تشريك القضاة في المجلس الوطني التأسيسي، وطالب الرحموني بضرورة تحرير المؤسسة القضائية من إدارة تقليدية كانت ومازالت عائقا أمام استقلالية القضاء، «فوزارة العدل هي من يدير المحاكم الى حد الآن». الدفاع عن المعزولين! وفي سؤال حول امكانية دفاع الجمعية عن بعض القضاة الذين تم تجريدهم من مهامهم قال «إن جمعية القضاة لا يمكنها ان تغطي ممارسات سابقة من القمع والفساد الذي طال المجتمع المدني» وأضاف «لابد من معالجة مبدئية لظاهرة الفساد في نظام العدالة ليشمل القضاة ومساعدي القضاء» وأضاف «بأن اصلاح العدالة هي مسألة جوهرية في العدالة الانتقالية لأنه لا يمكن تتبّع مرتكب الجرائم او الكشف عن الحقائق او تعويض المتضرّرين... الا بالاعتماد على المؤسسة القضائية في اتجاه تغييرها لأنه دون اصلاح هذه المؤسسة لا يمكن تحقيق أهداف العدالة الانتقالية». تطهير المؤسسة القضائية قال الرحموني في خصوص موضوع تطهير المؤسسة القضائية، إن اجراءات التطهير تمكّن القضاء من التباعد على مستوى المسؤوليات من اشخاص لم يلعبوا أدوارهم في المرحلة السابقة، واحداث هذه التغييرات يتم بإجراء الحركة القضائية التي تستهدف رفع المظالم السابقة واستبعاد من لم يكن في مستوى مسؤولياته واقرار مبدإ التداول على تلك المسؤوليات بما يؤدي الى ابراز الكفاءات القضائية التي عانت من التهميش»، واعتبر ذلك أمرا أساسيا للفترة الانتقالية وقال ان المحاسبة لا تتم الا بتطبيق القانون. وعموما فإن اضراب القضاة عرف نجاحا لم يكن منتظرا، ويعتبر تجربة نضالية أولى لأبناء المؤسسة القضائية الذين عانوا على مدى أكثر من خمسة عقود من التهميش.