كيف ينظر لواقع المشهد السياسي في تونس بعد الثورة؟، وكيف عاش تقلبات وأطوار الدولة التونسية على امتداد العقود الفارطة؟ وما هي مواقفه من بورقيبة وبن علي ومن مسار الحركة الدستوريّة ماضيا وحاضرا ومستقبلا..؟ الأستاذ عبد المجيد شاكر محامي الثورة الجزائرية ورئيس الحزب الحر الدستوري الديمقراطي يتحدّث ل«الشروق» ويُجيب عن كلّ تلك الاستفسارات بعد صمت طويل. الأستاذ عبد المجيد شاكر واحد من رموز الحركة الدستورية الذين قاطعوا الحياة السياسية منذ انقلاب 7 نوفمبر 1987 كما يسميه الذي أنهى حكم الزعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة، حكم عليه بخمس سنوات أشغال شاقّة زمن المقاومة الوطنية وكان أخر مدير حزب قبل مؤتمر بنزرت الذي أقّر التسمية الجديدة للحزب الاشتراكي الدستوري. تولّى حقائب وزارية وعمل في السلك الديبلوماسي من 1966 إلى جانفي 1988 وكان محاميا للثورة الجزائرية وهو الشقيق الأصغر للمناضل الشهيد الهادي شاكر. في 84 من عمره بادر مع مجموعة من الشخصيات بإحياء إرث الحركة الدستورية بتأسيس الحزب الحر الدستوري الديمقراطي الذي يتولّى رئاسته الآن بعد أنّ أعاد شارة الحزب الحر الدستوري الذي قاد النضال الوطني من أجل الاستقلال وبناء الدولة ، الشروق التقته في هذا الحوار . كيف ولدت فكرة إحياء «الحزب الحر الدستوري» بعد كل هذه السنوات خاصة أننّا لم نسمع عنك القيام بأي نشاط سياسي طيلة العهد السّابق؟ أوّلا أنا أقول في البداية «عدنا والعود أحمد»، الحزب الحر الدستوري التونسي معلم سياسي وتاريخي أعطى مكاسب هامّة لتونس وبالتالي فهذا المعلم يجب أن نحافظ عليه حتّى لا يخرج من التاريخ من الباب الصغير .الحزب الحر الدستوري التونسي ولد غداة الحرب العالمية الثانية تقريبا بمبادرة من جماعة من التلاميذ في المعاهد الفرنسية وكنّا أيضا من قادة الكشّافة ومن بين الذين كانوا معنا المنجي بالي رحمه اللّه وزكرياء بن مصطفى وحامد القروي من سوسة وأنا من صفاقس .كنّا نخوض النضال السياسي والكشفي وتطوّرت حركتنا عام 1952 في ما يعرف بانتفاضة المعاهد وتكوين الاتحاد العام لطلبة تونس في الفترة الحاسمة من معركة الاستقلال. بعد الاستقلال وما جاء به من تحرير للمرأة وتوحيد التعليم ومجانيته ووضع أسس السياسة الاجتماعية والاقتصادية وإعلان الجمهورية وتحقيق الجلاء في بنزرت ورمادة عام 1963 والجلاء الزراعي في ماي 1964 ،في هذه السنة وتتويجا لكل هذه المكاسب أنتظم مؤتمر الحزب في بنزرت وآنذاك طرحت فكرة «الاشتراكية» وقرّر المؤتمر وضع حد لنشاط الحزب الحر الدستوري وحلّ محلّه الحزب الاشتراكي الدستوري .ويومها غادرت إدارة الحزب واحتفظت بعضوية الحكومة وبعد تصحيح مسار الثورة الجزائرية وتولّي بومدين الحكم قرّرت الحكومة عودة أحمد المستيري من الجزائر وتعييني سفيرا لتونس في الجزائر ومنذ سنة 1966 لم أعد الى تونس إلا في جانفي 1988. ولكن كان حضوري موجودا داخل الحزب دون أن أتوّلى أي مسؤولية، عملت سفيرا في الجزائر وستوكهولم وبراغ وجينيف والدنمارك وفنلندا وأسبانيا وغيرها ...وعندما حدث «الانقلاب النوفمبري» كنت في جينيف. كيف كانت علاقتك بالحزب عندما عدت؟ في حزبنا لدينا تقاليد آلية إذ كان كل من يتولّى الوزارة الأولى يصبح آليا أمينا عاما للحزب يعني رئيس الحكومة والأمين العام للحزب في حالة رئيس دولة مريض يكون هو الحاكم الفعلي ،إذ عندما عيّن المخلوع وزيرا أوّل في سبتمبر 1987 وجد نفسه على رأس الحكومة والحزب في حين أن الزعيم الحبيب بورقيبة مريض وفاقد لنفوذه فأقصاه عن الحكم وكان لابد له من حزب يكون موال له لا تكون له أي صلة بجماعة الزعيم الحبيب بورقيبة فكان عليه أن يبحث عن مناضلين ومناضلات يساندهن وكان له مشروع لا يعرفه إلاّ قلّة وهو «التجّمع الشعبي الديمقراطي» وطلب من اللجنة المركزية الالتحاق بالحزب الشعبي الديمقراطي الذي ينوي تأسيسه لكنّ «الدساترة» رفضوا وكان الأخ حامد القروي مديرا للحزب وكان من أوّل من رفض التخلّي عن الحزب وحلّه لكن المخلوع أصّر على موقفه إلى أن زاره في يوم ما المرحوم الهادي نويرة في قصر قرطاج وقد شكا له من تعنّت «الدساترة» ورفضهم الالتحاق بحزبه الجديد الذي ينوي إعلانه «الحزب الشعبي الديمقراطي» فنصحه المرحوم الهادي نويرة بتغيير اسم الحزب فقط إلى «التجمّع الدستوري الديمقراطي»وهكذا ساند المناضلون الدساترة مثل جلّولي فارس ومصطفى الفيلالي وغيرهم هذا المسار في المؤتمر الأوّل لكني كنت بعيدا عن كل هذا . كيف عشت ما تسميه ب«الانقلاب النوفمبري»؟ كنت في جينيف صباح 7 نوفمبر وصلني هاتف حوالي السّادسة والنصف يطلب منّي فتح المذياع الذي كان دائما الى جانبي على غرار الزعيم الحبيب بورقيبة فوجدت شخصا بصدد إلقاء بيان ففهمت كل شيء. اتصلت بالأخ صلاح الدين بالي رحمه اللّه وكان وزيرا للدفاع واقترحت عليه أن يقيم الزعيم في قصر السعادة في المرسى في الصيف وأن يقضي الصيف في قصر سقانص بالمنستير وساندني الأخ صلاح الدين بالي رحمه الله لكنّه اتصل بي بعد قليل وقال لي إن الحكّام الجدد ليسوا مع هذه الفترة فساءني ذلك كثيرا وكانت هذه الحادثة دلالة كافية لأفهم كل شيء خاصة أننّي كنت على أبواب التقاعد. عندما عدت إلى تونس ألم تعرض عليك مناصب؟ عدت إلى تونس في جانفي 1988 واقترح علي الرئيس المخلوع «لمّ الشّمل «والالتحاق بالحكومة لكنّي اعتذرت له لأنّي لا أرى نفسي إلاّ مع الزعيم الحبيب بورقيبة وأعتبر أن العمل مع غيره خيانة لعلاقتي معه فقد كان مثل والدي وعندما يزور صفاقس كان لا يقيم إلاّ في بيتنا وكان صديقا لشقيقي الهادي شاكر رحمه اللّه وعرض عليّ في ما بعد تعييني في اللجنة المركزية وفي مجلس المستشارين لكنّي كنت دائما أكرّر الاعتذار حتّى بعد المؤتمر الأخير للتجمّع في 2008 عندما دعاني وكانت أمامه قائمة طويلة لاحظت أنّ أوّل اسم فيها هو بلحسن الطرابلسي ! وانتبه المخلوع الى أنّي قرأت القائمة فقال لي «هذا مجرّد مشروع»، وفي الحقيقة لم أكن أدرك أن هذا الشخص «باندي» فحتّى لو ألتقيه في الشّارع لا أعرفه كما اتصلوا بي للمناشدة لكنّي كنت أقول لهم دائما ما تفعلونه خطر على تونس بعد دورتين كان من المفروض أن ينسحب منذ 2004 . وبالتالي فلم تكن لي أيّة علاقة بجهاز الحكم لا حكومة ولا حزب ولا توجد لي أي ورقة انتماء إلى «التجمّع» ولم أحضر أي لقاء في أي مستوى حزبي طيلة 23 عاما. حل التجمّع الدستوري الديمقراطي كيف تقبّلته إذن؟ لم يكن لي أي اتصال بالتجمّع ولا بالتجمعيين لكن عندما حلّ التجمّع فكّرت في آلاف الدستوريين الذين كانوا فيه ولم يكن لهم أي نشاط عدائي ولا فساد ...وبعد أن حلّ التجمّع نهائيا فكّرت في مصير الدستوريين الذين ناضلوا من أجل استقلال تونس ودورهم في بنائها بعد الثورة فبدأنا تأسيس الحزب الحر الدستوري لجمع شمل العائلة الدستورية على قاعدة أحكام القضاء فنحن ملزمون بما يحكمه القضاء في قضايا الفساد فكل من كان محلّ تتبّع قضائي لا يمكن أن يكون في حزبنا وفي المقابل لا يمكن تجريم الآلاف لمجرّد انتمائهم ل«التجمّع»، العقاب الجماعي سلوك نازي وفاشي والفصل 15 أعتبره نتيجة منطق فاشي فبأي حق يحاسب الآلاف على جرائم الرئيس المخلوع والمقربين منه، أنا محام ودافعت على زعماء الثورة الجزائرية مثل بن بلّة وآيت أحمد فكيف نحاسب مناضلا في الشيحية أو في ساقية الزيت أو في بنقردان مثلا على جرائم المخلوع؟ هذا شيء غير معقول بالمرّة ، على هذا الأساس قبلنا من كانوا في التجمّع ممّن لم تتعلّق بهم قضايا وأن يكونوا ملتزمين بمصالح تونس العليا وأن يعملوا من أجلها. هناك الكثير من الأحزاب لها مرجعيات دستورية هل ستشكّلون جبهة موحّدة في انتخابات المجلس التأسيسي؟ هناك اتصالات بيننا، ومازلنا ندرس الوضع في تونس ونتبادل الآراء بين كل الأحزاب ذات التوجّه الدستوري والبورقيبي لصياغة إستراتجيتنا القادمة، الجبهة واردة وممكنة لكن أنا بصراحة كمناضل دستوري ومعي الكثير من المناضلين الدستوريين الصّادقين مطلبنا هو حزب دستوري واحد يجمع كل العائلة الدستورية. اخترتم إضافة «الديمقراطي»لاسم حزبكم هل في هذا إقرار بغياب الديمقراطية عن مرحلة الزعيم بورقيبة؟ الزعيم الحبيب بورقيبة للأسف لم يقدّم مشروعا تعدّديا حقيقيا لكن عندما نتأمّل عميقا في فكر الزعيم نكتشف أنّه كان يعمل على تثقيف الشعب حتّى يكون مهيئا للتجربة الديمقراطية لذلك سعى إلى تعميم التعليم وتحرير المرأة وتحرير الاقتصاد حتّى تتوفّر ظروف النظام الديمقراطي. لكن بداية من سنة 1967 أصيب الزعيم بالمرض وتحوّل الحبيب بورقيبة إلى شخص آخر بسبب المرض وبدأ يفقد تدريجيا السيطرة على أجهزة الدولة وهو ما أثّر على التجربة السياسية في تونس .كانت هناك تعددية نسبية في الحزب القديم والحزب الشيوعي والنقابات ومشائخ الجامع الأعظم هذه جهات لم تكن موافقة تماما على المسار البورقيبي. سنة 1973 اقترح بورقيبة رئيسا مدى الحياة وهذا خطأ سياسي كبير في رأيي ويبدو أن هناك حاشية كانت قريبة منه تقتضي مصالحها الحفاظ على وجود بورقيبة حتى وإن كان على نعش ، ورغم معارضة بعض الوجوه الدستورية مثل الحبيب بو الأعراس والباجي قائد السبسي وأحمد المستيري ولكن بورقيبة فقد السيطرة على الحكم والدليل اتفاقية جربة فقد تأثّر بورقيبة بالأدوية التي كان يتناولها واستغل البعض هذا الوضع بتوجيه سياسة الدولة كما يريد. متى سيكون مؤتمركم الأوّل ؟ شخصيا فوجئت بالحماس الذي استقبل به الحزب في الجهات الداخلية وبدأنا في تركيز الجامعات والفروع وتطوير أداء الحزب وتنظيم عمله هذا هو الأولوية بالنسبة إلينا والحزب سيكون مفتوحا للأجيال القادمة لابد من تكوين جيل قيادي جديد وسيكون المؤتمر الأوّل بعد الانتخابات. كيف ترى المشهد السياسي في تونس ؟ هناك هيمنة واضحة للون سياسي على المشهد التونسي وعندما ظهر حزبنا بدأت السهام تصوّب نحونا وهدفنا الأساسي هو إيجاد ثقل سياسي حتى لا تنخرم الحياة السياسية وتقليص الخوف ،الشعب التونسي خائف الآن من المستقبل ولكن نحن نقول للشعب لا تخف هناك رجال ونساء في تونس سيصلون بها إلى برّ الأمان نحن نعمل على تركيز نظام تعدّدي ديمقراطي لأنّ هيمنة حزب واحد على الحياة السياسية سيكون كارثة على المستقبل ،أحزاب الوسط إن لم تكن حاضرة في المجلس التأسيسي ككتلة لها ثقل ستنتهي التجربة الديمقراطية. نعم هناك خطر على تونس وهي مستهدفة من الدّاخل والخارج كما قال بورقيبة «أنا خائف من المخاطر الدّاخلية على تونس» ، هناك مخاطر التطرّف الديني والعروشية وعلى السياسيين والأحزاب أن تتحمّل مسؤوليتها في مقاومة العروشية التي حاربناها كحزب دستوري منذ الخمسينات. ما هو موقفكم من أداء الحكومة ؟ الباجي قائد السبسي رجل دولة كبير وافق على رئاسة الحكومة خدمة للبلاد في ظروف قاسية جدّا وفي وضع هش وعلينا كأحزاب تأييد الحكومة المؤقتة حفاظا على الدولة وعلى نجاح الانتخابات القادمة وأن يصدر دستور معتدل يراعي مصالح تونس العليا وان يوفّر أرضية للتنمية فالفقراء لا يحتاجون إلى كلام معسول وخطب ثورية . شخصيا أقترح إحداث صندوق دولي للتنمية في تونس برعاية الأممالمتحدة لأنّ إمكانيات تونس محدودة جدا فنحن نحتاج الى مئات المليارات لنصل إلى نسبة تنمية ب8 بالمائة وهذا لن نصل إليه إلاّ بصندوق أممي والدبلوماسية التونسية يجب أن تعمل على هذا بداية من شهر سبتمبر في اجتماع الأممالمتحدة. هناك جدل كبير حول الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي ؟ عشنا ربع قرن من الكبت السياسي وبالتالي شيء طبيعي أن نرى كل هذا الجدل في الهيئة لكن أيضا هناك مكاسب مهمّة حقّقتها الهيئة لكن المشكلة أنّنا لم نتعلّم العمل الجماعي والنقاش كان هناك حاكم ومحكوم فقط والجدل طبيعي. كيف ترى مسألة التمويل الأجنبي ؟ كل حزب يحصل على التمويل الأجنبي لابد من التشهير به لأنّه مساهم في الاعتداء على سيادة تونس التي ماتت أجيال من أجلها وهو اعتداء على كرامة تونس وكرامة الأحزاب أيضا وأنا أتساءل عن صمت الحكومة على التمويلات التي وصلت إلى الأحزاب عن طريق البنك المركزي على الأقل ونحن كحزب نطالب بالشفافية في تمويل الأحزاب لأنّنا سندفع غاليا ثمن التمويل الأجنبي لهذه الأحزاب وحتى الإعانات الاجتماعية أطالب بأن توزّع عن طريق التضامن الاجتماعي حتّى لا تصبح الإعانات الاجتماعية رشوة انتخابية. الاعتداء على الفنّانين ما هو موقف حزبكم منه؟ لابد من الفصل بين الفن والسياسة كما الفصل بين الدين والسياسة ونحن ندافع عن حرية التعبير والإبداع ونطالب بتوفير كل الضمانات للفنّانين والمثقفين لأّن شعبا بلا فنّانين هو شعب ميّت وفي هذا السياق أنا أعبّر عن حزني الكبير لما حدث للفنّان لطفي بوشناق فليس من المعقول أن يعامل بهذه الطريقة . الفنّان في العالم وارد جدّا أن يطلب منه رئيس دولة أو زوجته أن يغنّي في حفل فليس جريمة أن يقبل لأنّ الفن لا علاقة له بالسياسة ولطفي بوشناق فنّان كبير يجب أن نعتزّ به . ما حدث في قاعة «أفريكا أر» شيء غير طبيعي وإنذار بالخطر لا بدّ من الانتباه له والتصدّي بحزم لهذه السلوكيات الإجرامية ويجب أن يعلم هؤلاء أن ثورة 14 جانفي ثورة نظيفة سلمية وهناك معايير دولية للديمقراطية من بينها حزم الأمن وصرامته وهو شيء لا يتناقض مع الديمقراطية.