يقدم رئيس الحزب الدستوري الجديد أحمد منصور رؤيته للعملية السياسية الجارية في تونس ويتحدث عن موقع «الدستوريين» في المشهد السياسي الجديد وموقفه من توحيد الدستوريين ومسائل أخرى. حزبكم يُعتبر وريثا للحزب الدستوري وهو موجود اليوم على الساحة بعد 14 جانفي بهذه الصفة، فكيف تقيّمون دور الدستوريين ومساهمتهم في الثورة؟ في البداية لا بدّ من الاشارة الى أن هناك الحزب الدستوري الذي تأسس منذ 1934 وانخرطت فيه جميع القوى الحية للبلاد، ثم واصل الحزب الدستوري الى سنة 1988 حيث استولى بن علي على الحزب بمن فيه من مناضلين لأن بن علي كان آنذاك يحظى بدعم مكوّنات المجتمع المدني التونسي من أحزاب ومنظمات سلمته صكا على بياض... ولما ترشح بن علي للانتخابات الأولى عام 1989 كان المرشح الوحيد بموافقة جميع الأطياف السياسية، لذلك فإن «الدساترة» لا يمكن أن نؤاخذهم على سكوتهم عن عملية وضع اليد على حزبهم. والأهم أن بن علي بعد أن وضع يده على الحزب أقحم صلبه في مستوى القيادة عدة أطراف لم تكن منخرطة في الحزب وأعتقد أن مردود هؤلاء لم يكن إيجابيا وغيّر من طبيعة الحزب الذي أصبح أشبه بإدارة من هيكل سياسي، حيث شعر الدستوريون بالغبن والاقصاء حتى جاءت الثورة، التي شارك فيها جميع شرائح المجتمع وفئاته، وحتى الدستوريون لم يساندوا هذا النظام لأنهم كانوا غاضبين لنفس الأسباب التي ثار من أجلها الشعب، من حيث المطالبة بالحرية والكرامة، زيادة على شعورهم بالتهميش من قبل بن علي وجماعته، فلم يساندوا النظام ولم يقفوا الى جانبه بل شاركوا الشعب ثورته، وكانت تلك المشاركة فعّالة وقد استشهد منهم العديد خلال تلك الهبّة الجماهيرية. ولا عجب في ذلك فالدستوريون هم جزء لا يتجزأ من المجتمع يفرح لأفراح الشعب ويحزن لحزنه ويتفاعل مع مواقفه وتحرّكاته فقد جبلوا على الكفاح والتضحية في سبيل الوطن. بعد خروج بن علي استهدف التجمعيّون وصاروا فئة منبوذة، فكيف سيعمل الدستوريون على التخلص من إرث «التجمع»؟ ممّا يستوجب الملاحظة أن خروج بن علي المفاجئ من تونس أضرّ بالثورة حيث لم يترك لها المجال لتنظيم هياكلها، وانبثاق قيادة عنها، ذلك الفراغ فتح الباب على مصراعيه أمام التردّد من قبل الحكومة وركوب بعض الأطراف والأحزاب على الأحداث وتبنيها شيئا فشيئا للثورة، فأصبحت دون شرعية ناطقة باسمها وباسم الشعب التونسي، ومن الغريب أن هذه الأطراف استهدفت منذ الوهلة الأولى التجمّع وساهمت وسائل الاعلام في تمكينها من احتكار الساحة السياسية والعمل على إثارة بعض الشباب والمبالغة في رفع المطالب كالمجلس التأسيسي والنظام البرلماني وما تمّ رفعه من شعارات في القصبة 1 و2، وهو ما أدى الى انفلات أمني واقتصادي واجتماعي. ودون الخوض في شرعية من عُهد إليه بقيادة البلاد وما أنشئ من هياكل لضمان الانتقال الديمقراطي. الملاحظ أن عديد الاختيارات تمت بشيء من التسرع، فهذه الهياكل لم تسع الى توطيد تمثيليتها ومن آثار ذلك اليوم قرار اقصاء كل من ساهم في إدارة البلاد على امتداد 23 سنة وهو ما يعتبر تجاوزا خطيرا لخطوط حمراء تتعلق بحقوق الانسان التي قامت الثورة من أجل الحفاظ عليها، ومسايرة بعض الجهات أو الأحزاب في الاستجابة لمطالبها دون وضع القيود الأخلاقية اللازمة التي كان من المفروض صياغتها حتى تتسم الحياة السياسية بالشفافية والمسؤولية وهو ما نتج عنه الاستعمال المفرط للمال السياسي. هل قام حزبكم بنقد ذاتي لمساره على امتداد أكثر من نصف قرن خاصة أن تجربة الحزب الدستوري شهدت عدّة نقائص ومؤاخذات حتى في عهد بورقيبة؟ إن مرجعيتنا التاريخية تنطلق من 1934 الى 1964، وهي الفترة التي تم خلالها النضال من أجل الاستقلال وبناء الدولة الحديثة واستكمال مقوّمات السيادة الوطنية وهذه الفترة تعتبر في رأي مؤسسي الحزب الفترة الذهبية للحزب الحرّ الدستوري الجديد الذي التفت حوله جميع المنظمات الوطنية وتمّ في الفترة ذاتها وخلال السنوات العشر الأولى من الاستقلال تحقيق عدّة انجازات رائدة كإصدار مجلة الأحوال الشخصية واختيار الجمهورية نظاما سياسيا للبلاد ووضع دستور يعتبر من أرقى الدساتير... نحن إذن نأخذ بالمبادئ التي تأسست عليها فلسفة الحزب وتلك المبادئ سنطبقها في المستقبل بآليات جديدة مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات. ما موقفكم من مسألة توحيد الدستوريين، وما الذي يعطل التوحيد، وكيف تردّ على من يقول إنك مع التوحيد ولكن بشرط أن تكون رئيسا؟ لا شيء يعطل توحيد الدستوريين المهم أن تكون المرجعيات متقاربة ومتناسقة، فهناك الحزب الدستوري القديم والحزب الدستوري الجديد والأمانة العامة (بن يوسف) وصفة «الدستوري» استعملتها عدّة هياكل سياسية على امتداد عقود، فالمرجعيات مختلفة وعندما تتقارب هذه المرجعيات لن يكون هناك موجب لوجود أحزاب دستورية مشتتة. ما موقفكم من الأحزاب الجديدة التي وُلدت من رحم «التجمع»؟ الأحزاب التجمعية تلتقي في مصلحة الوطن والنهوض بالانسان والتوزيع العادل للثروة والتنمية الجهوية... ليس هناك حزب يقول إنه وريث التجمع. فهذه أحزاب وسطية لها اختيارات سياسية واقتصادية معينة ونحن نلتقي معها في أكثر من نقطة. ماهي انتظاراتكم من انتخابات المجلس التأسيسي؟ كيف نتحدث عن انتخابات شفافة والأصوات تُشترى... المجلس التأسيسي خيار لم يشارك فيه الشعب التونسي ويبدو أن أغلبية التونسيين غير موافقة على هذا الاختيار، والدليل عدم الاقبال التلقائي على التسجيل في القائمات الانتخابية ممّا أدى الى إعادة النظر وتمديد الآجال من خلال فسح المجال للقيام بتلك العمليات بالإنابة وأحيانا بالجملة. وإذا لم تجر مقاطعة للانتخابات لا أتصور أن تتجاوز نسبة المشاركة 60٪ من المسجلين. أما بالنسبة الى حزبنا فقد أعددنا قائمات ونحن نتشاور مع هياكلنا وقياداتنا ومع بعض الأحزاب والأمور الى اليوم لم تتبلور نهائيا وكل شيء وارد فقد ندخل في قائمات موحدة مع بعض الأحزاب (ربما مع كمال مرجان أو محمد جغام أو الحزب الاصلاحي الدستوري وكل الأحزاب القريبة) وقد ندخل بمفردنا وقد نقاطع هذه الانتخابات.