قدمت الفنانة التونسية آمال المثلوثي ليلة أول أمس بمتحف قرطاج عرضا فنيا متميزا في إطار تظاهرة «ليالي قرطاج»، حيث غنّت للشهداء وللوطن ولغزة وفلسطين وللحرية، وهي تحمل علم البلاد التونسية وتغني بجوارحها «كلمتي حرّة». نعم كل كلماتها كانت حرة، من قبل الثورة لما كتبت وغنّت سنة 2007 «في وسطي دمعة.. في وسطي شمعة» ولما غنّت «اتكلّم حرية لسانك مطلوق هاذي بلادي نحكي فيها.. ما نيشي مجنون..» هكذا هي آمال المثلوثي اختارت أن تكون حرة بفنّها.. تحلّق بعيدا بأغانيها الملتزمة في «بالها» الشهداء وفي ذاكرتها «البابور إلّي هزّ رقيّه» الذي اختارت له مستقرا أغنية ملتزمة بعنوان«آخر الحكاية».. لكن الحكاية مازالت متواصلة.. الحرية كالبحر في حديث آمال المثلوثي وأغانيها.. فيها تسبح بتراث وطنها، وأحيانا تصنع من هذا التراث قاربا تزوّقه بآهاتها وألحانها لترحل به الى الأفق الأرحب، محافظة على جماله. هكذا هي آمال المثلوثي تطربك، وتدعوك لتلذّذ نغماتها التي صبغت بها بعض الأغاني التونسية، فتجد نفسك مقيدا بين لحن يشدّك من الماضي وآخر ملتزما يجذبك في الحاضر.. بيد أن القيد رائع.. هكذا هي آمال المثلوثي تشدّك لما تغني «ما بين الوديان دم يقطّر» ولما تنشد «على باب دارك.. نصبو الخيام»، أو حين تستسمح «الشيخ العفريت» دقائق لتغني بروحها وبإحساسها، أغنية «علاش تفكّر فيّ.. خلّيني مرتاح». أفضل صوت تونسي آمال المثلوثي، تلقائية في أدائها كما في حديثها، فكلما تحدثت الى جمهورها إلا وشدّته لينصت إليها. وكانت في كل مرة تذكّر بأسماء عناصر الفرقة الموسيقية الموجودة معها، كما كانت تفسح المجال لهم ليشاركوها نجومية الحفل، وصرّحت تلقائيا بأن الشيخ العفريت هو أفضل صوت تونسي. وذكّرت بتواريخ كتابة أغانيها، عديد المرّات، وعرّفت ب«كيتيسيا» وزميلها اللذين قدما لوحات جميلة ومميزة على الركح، كانت تتحدث بأحاسيسها، تماما كما كانت تغني، فقالت «كيتيسيا استمعت الى أغانيها عبر الأنترنيت، وعبّرت عن هذه الأغاني كوريغرافيا دون أن تكون قد فهمت الكلمات.. وقد عبّرت عن أغانيّ كما أحستها تماما..». ثنائي رائع لنبتعد عن الغناء والحديث، فللحديث بقية، ولنقف برهة عند العزف، لأنه كان روح العمل وأحد مواطن الجمال فيه.. فكل من شاهد العرض، تحرّكت يداه دون إرادة أحيانا تعبيرا عن إعجابه بتلك المزاوجة بين آلتي «القيتار» و«الكمنجة». فآمال المثلوثي فجّرت أحاسيسها، عزفا على «القيتار» وكان الى جانبها عازف متميز اسمه «زياد الزواري» أبهر الجميع بسحر عزفه على «الكمان»، فكان التميز والتفرّد، اللذين لم يأتيا من فراغ. تفرّد وليد بحث عميق في الموسيقى العربية والغربية، وتميّز وليد فكر وثقافة فنانة تونسية الأصل هي أمال المثلوثي.