بين الأزمات التي تهز حزب نداء تونس والأزمات الوطنية المتعاقبة قواسم مشتركة قوية تقر بأن مشاكل نداء تونس لم تعد شأنا حزبيا صرفا وإنما تسربت الى مؤسسات الدولة وأصبحت خطرا عليها. تونس «الشروق» وثمة اقرار اليوم بأن أزمة نداء تونس اصبحت ازمة وطنية مست الدولة حيث ان وضع الحزب وما عرفه من صراعات متتالية بات السبب الرئيسي في مشاكل البلاد وأهمها عدم الاستقرار وهو ما اعترف به رئيس الحكومة يوسف الشاهد في تصريحه التلفزي الاخير حيث أقر بكون الازمة داخل نداء تونس تسربت الى مؤسسات الدولة وتشكل خطرا عليها. ويلخص المراقبون الاسباب العميقة وراء الازمات المتعاقبة لحزب نداء تونس انطلاقا من الظروف التاريخية التي نشأ فيها الحزب، حيث كانت فكرة الالتفاف حول المشروع العصري المناقضة «للمشروع الرجعي» فكرة طيبة للغاية لايجاد التوازن السياسي عبر حزب جماهيري قادر على مقارعة الترويكا والتعبئة الانتخابية وهو ما تم تقريبا بإدارة المؤسس الباجي قائد السبسي المشهود له من الجميع خبرته السياسية الواسعة ودرايته العميقة غير أن الصعوبات التي حالت دون تحول «الماكينة الانتخابية» الى حزب على غاية من التنظيم زرع بذور التشتت الاولى. وبدأت حالة الوهن التدريجي تظهر على الجسم الندائي منذ تخلي مؤسسه الباجي قائد السبسي عن رئاسته لاسباب دستورية عند انتخابه رئيسا للجمهورية قبل تنظيم المؤتمر ، الامر الذي قاد الى صراعات متكررة بداية من قرار هيئة الحزب التنفيذية تعيين حافظ قائد السبسي في منصب منسق عام للهياكل في أكتوبر2013 ومارافقه من جدل مرورا بمعارك الشقوق والانشقاقات وخروج العديد من قياداته نحو تكوين احزاب وصولا الى «الحرب المفتوحة» بين مديره التنفيذي ورئيس الحكومة. واذ تبدو تأزم حزب نداء تونس في استقراء سريع مجرد شأن حزبي يهم المتصارعين فيه فان الخوض في التفاصيل يثبت العكس حيث انه ومع التقدم في الزمن يتضح وان لازمات حزب حركة نداء تونس انعكاسات مباشرة على الشأن الوطني بداية من فترة ما بعد انتخابات 2014 حيث يرى العديد من الندائيين ان فوزهم بالتشريعية والرئاسية كان يحتم ضرورة عليهم الحكم بكامل الصلاحيات وتحمل المسؤولية التاريخية غير أن غلبة الرأي الداعم للتوافق مع «غريم الامس» احدثت تصدعا سيكون فيما بعد عقبة وطنية. ووجد الحزب نفسه في هذه الفترة محكوما بمنظومة التوافق التي صنعها «الشيخان» فعلاوة على خسارة جزء من القيادة جراء ما سمي «بالتوافق الهش» فان سلسة الشد والجذب مع شريك الحكم حركة النهضة أضعفت الحكم من اساسه وبدأت اعراض الانعكاسات تظهر على الشأن الوطني ككل من خلال تغييب حضور البرنامج الاقتصادي والاجتماعي المفترض وجوده لحزب حاكم من ناحية وبداية انخرام التوازن السياسي من ناحية ثانية نتيجة انقسامات متتالية أنشأت أحزاب عديدة من رحمه على غرار مشروع تونس وتونس أولا وبني وطني والمستقبل. وبعد سنتين من الحكم تضرر الحزب من صراعاته الداخلية ولم ينجح مؤتمر الوفاء أوائل سنة 2016 من رأب الصدع وانهاء خلافات الماضي بل أن الحلول التوافقية سرعان ما ستغيب لتظهر التأثيرات تباعا اولا في خسارة صدارة البرلمان بما تعني من قوة عددية لتمرير التشريعات وثانيا المزيد من تأزم الاوضاع الوطنية نتيجة جملة من الاسباب تهم العمليات الارهابية الكبرى التي أضرت بالبلد ومنها ايضا تراجع دور الحزب الحاكم نتيجة الانشقاقات الكبرى بما جعلت البعض يصف عملية إقالة رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد تقديم كبش فداء وشماعة على صراعات النداء واختلال التوازن السياسي الذي بات ينعكس مباشرة على الدولة. وبتقدم الزمن بات جليا انعكاس أزمة نداء تونس على وضع البلاد ككل حيث كأن المأمول منها التدخل إزاء أزمات كبرى عاشت على وقعها تونس في كل المستويات ومنها اجتماعيا من خلال احداث الكامور وسائر الاحتجاجات الاجتماعية واقتصاديا حيث انتظر ناخبوا الحزب اساسا تقديم برنامج انقاذ اقتصادي او حوار جدي منذ سنوات يليق بمكانة حزب حاكم وبما تقتضيه تونس كما هو الحال سياسيا حيث تسربت الصراعات الداخلية الى مؤسسات الحكم برلمانا وحكومة اثر خيار القيادة تطعيم الحزب بوجوه جديدة من «المنتدبين» انظمت حديثا له ووقع تنصيبها في هياكله. وفي المحصلة وان اضعفت الصراعات حزب نداء تونس الى درجة تخليه عن دور اللاعب السياسي الذي بات يحتكره الرئيس المؤسس له ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي فإن العديد من العقلاء داخل الحزب وخارجه يرون أن ارتدادات أزمات النداء سيظل تأثيرها قائم على الدولة الى حين ان تعصف بكل الحزب مالم يتم الانقاذ من خلال المرور بجدية الى المؤتمر الانتخابي.