لا أحد ينكر الخطوات التي قطعتها تونس في مجال المساواة بين الجنسين والمكاسب القانونية المنجزة. لكن اجتماعيا هل بلغت المرأة التونسية وضعا استثنائيا أم أن المساواة أقرب ما يكون إلى الأكذوبة؟ تونس(الشروق) يتفاخر التونسي بما بلغته حقوق المرأة من قفزات ما فتئت تتحقق منذ تاريخ إصدار مجلة الأحوال الشخصية في 13 أوت 1956. لكن النساء التونسيات يعلمن علم اليقين أن الواقع لا يعكس هذا التطور. إذ أنهن يعشن واقعا متخلفا بسبب عزوف جل الأزواج عن مساعدتهن في أعمال المنزل باعتبار أن العقليات السائدة في مجتمعاتنا العربية تعتبر أن القيام بالأعمال المنزلية فيه استنقاص من الرجولة. كما أنه قد يمسّ من الامتيازات الاجتماعية التي يتمتع بها الرجل. تغير واقع الأسرة مع خروج المرأة للعمل وإثقال كاهلها بواجبات اضافية داخل المنزل وخارجه. لكن بالتوازي مع هذا الثقل يصرّ أغلب الرجال على أن أعمال المنزل حكر على النساء. وفي هذا الاطار ذكرت لنا سامية وهي سيدة تجاوزت الخامسة والثلاثين من عمرها أنها خسرت تقريبا نصف وزنها بعد الزواج وإنجاب طفلين واضطرارها الى الخروج للعمل كمعينة منزلية. فقد أصيب زوجها بمرض مزمن أقعده عن العمل في مجال البناء. وأصبحت مسؤولة عن إعالة أسرتها وتأمين معين الكراء وفواتير الكهرباء. وهو ما أجبرها على العمل مساء كمساعدة طباخ في الأعراس. وتقول سامية إنها تنتهي من العمل بعد منتصف الليل. ومع ذلك فهي سعيدة بتأمين مبلغ إضافي صيفا يحقق لها نوعا من التوازن في ميزانية العائلة. ورغم هذه المشاق فإن زوجها لا يساعدها في أعمال المنزل ولكنه على الأقل يعتني بالأبناء. ومن أعماقها "تتنهد" سامية وتسرّ لنا بأن زوجها كثيرا ما يعنفها إذا ما قصّرت في واجبات بيتها أما هي «فتصبر حتى تسير المركبة». استنقاص من الرجولة؟ كثيرات هن شبيهات سامية من النساء اللواتي يؤكدن أن الزوج لا يساعد زوجته في أعمال المنزل، بحجة أن هذه المهمة للنساء فقط، ومنهم من يعتقد أن هذه الأعمال تعدّ استنقاصا من رجولته. وترى حنان أم لطفلين أن جل النساء يواجهن هذه المشكلة، مشيرة إلى أن الحياة بحاجة إلى التعاون والتراحم دائما. وليس من العيب أن يساعد الزوج زوجته في بعض شؤون الحياة اليومية. وتشير الى أن النساء كثيرا ما يزيد احترامهن للزوج الذي يساعد زوجته على عكس ما قد يعتقده بعض الرجال. وتضيف محدّثتنا أن طفليها متقاربان في العمر. لذلك فإنها تحتاج عادةً إلى إطعامهما معاً والاهتمام بهما طوال الوقت. وكانت تأمل في أن يقوم زوجها بمساعدتها، إلا أنه على العكس من ذلك، موضحة أن نظرة المجتمع والتقاليد من أسباب عدم مساعدة الزوج لزوجته. وليس عدم حب أو رضا من الزوج. وكثيرا ما تشجع عائلة الزوج وأصدقاؤه فكرة عدم مساعدة الزوجة ومنهم من يعتبر أن هذا العمل فيه استنقاص لكرامة الرجل وإشارة الى هيمنة الزوجة وفرض كلمتها في المنزل. تمرّد لكن بعض الرجال ممن يغلبون الحكمة ويواكبون تغيّر العصر والعقليات تمرّدوا على هذه الأفكار السائدة من بينهم محسن (أستاذ وهو رجل خمسيني) يساعد زوجته دائماً. ولا يكترث لتعليقات الآخرين. إذ أنه يقف ساعات طويلة يساعدها في تنظيف حديقة المنزل وغسل الملابس وأحيانا الطبخ دون أن يخجل من نظرة الآخرين وانتقاداتهم اللاذعة .وتتمنى ابنته ألفة أن ترتبط في يوم من الأيام برجل يشبه والدها في أسلوب حياته. وترى أن مساعدة الأزواج لزوجاتهم قد لا تعني الكثير لدى البعض. ولكنها دلالة على أنه رجل يهتم بأسرته وزوجته. ويعمل على راحتها. ومثل هذا السلوك يجعل الأسرة أكثر سعادة «فحمل الجماعة ريش». وترى المختصة في علم الاجتماع هاجر الرزقي أن مساعدة الزوجة في أعمال المنزل وتربية الأبناء، تعود إلى طبيعة التربية التي تربى عليها كلا الزوجين. وتضيف أن بعض الأزواج يرون أن مساعدتهم لزوجاتهم في أعمال المنزل ينتقص من رجولتهم، وأنه من صميم عمل المرأة نظرا الى طبيعتها، وأن المنزل بالنسبة إليه مكان للراحة.وأشارت إلى أن التعاون بين الزوجين يعمّق التعاون والألفة بينهما. ويقوّي مشاعر الحب.ويسهم في تفهّم كل طرف للآخر. وشدّدت على دور الأسرة في تنمية وعي التعاون عند الذكور.ولذلك فإن النشأة والتربية الصحيحة تساهمان بقدر كبير في تغيير هذا الموروث الاجتماعي.