تونس الشروق: قطعت حركة النهضة خطوة أخرى مهمّة في توضيح موقفها من الراهن السياسي، ففي حديث مجلس الشورى عن مواصلة التفاوض مع رئيس الحكومة حول شروط الشراكة تكون النهضة قد كشفت ولأوّل مرّة عن وجود خط تواصل مع الشاهد بعيدا عن مسارها القديم في التوافق مع الباجي قائد السبسي، الذي باتت النهضة تحرص على علاقة إيجابيّة معه فقط دون التزامات أو تعهّدات فعليّة تهم التعاطي مع القضايا والملفات المطروحة وما قد يستجدّ من تطوّرات. هذا الموقف، هو جديد ويمثّل تطورا هاما، فحتى مصطلح التوافق الذي بات لازمة في خطابات النهضة وبياناتها لم يعد مقتصرا على السبسي والنداء فقط بل ذهبت الحركة في مخرجات مجلس الشورى الأخير الى توسيعه والنأي به عن الارتباط بالثنائي السبسي والنداء فهو غدا « خيارا استراتيجيا يشمل كافة القوى الوطنيّة من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي وانجاز الإصلاحات ومقاومة الفساد والسير بالبلاد نحو الانتخابات في موعدها المحدد وفي أحسن الظروف». تحوّل لافت وأسئلة مهمّة تفادت النهضة بموقفها الجديد الوضع الصعب الذي كانت عليه خلال الفترة القليلة الماضية مع ما كشفته الرسالة المسرّبة من تباين للآراء داخلها بين خياري السبسي والشاهد، كما قطعت تبعا لذلك مع ما قد يلحق خطابها من اتهام بالاضطراب والتذبذب أو الازدواجية، إذ جاء بيان الشورى حاسما في التوجُّه نحو اختيار الشاهد بديلا عن السبسي، وهذا الحسم يعدّ نقطة تحوّل لافتة سيكون لها تداعيات حينيّة على المشهد السياسي وسيكون لها تأثير مباشر على منسوب الأزمة السياسيّة. إذ سيُسهم هذا الحسم حتما في إزالة ضبابيّة العلاقة بين الكثير من الفاعلين السياسيّين وأيضا في حلحلة الأزمة السياسيّة وتصعيد المشاورات التي كانت تدور في الخفاء إلى السطح وفك الطلسم الذي بقي عالقا طويلا بخيار النهضة في التمسّك بمقولة «الاستقرار الحكومي». النهضة التي تتحدّث عن « مواصلة التفاوض مع رئيس الحكومة لاستكمال الشروط الضرورية للشراكة» تفتحُ الباب أمام حركيّة جديدة سيكون منطلقها الأساسي حزمة من الأسئلة حول الجهات المتفاوضة رأسا، هل هما رئيس حركة النهضة ورئيس الحكومة أم أنّ هناك فرقا ثنائية للقيام بهذه المهمّة؟ واذا كان من المعلوم أنّ الأستاذ راشد الغنوشي مفوّضٌ للقيام بمهمة التفاوض وتداول الملف السياسي عموما، فما هي الجهة التي يمثّلها الشاهد، هل هي جهة قد تهيكلت بعد أم أنّ الشاهد يُفاوض بصيغة الفرد وباعتبار موقعه في السلطة؟، ثمّ على ماذا اتفق الطرفان في الفترة الماضية إذ نحن بصدد «دعوة لاستكمال شروط ضرورية للشراكة»؟ ايجاد أجوبة لهذه الاستفسارات سيكون مدخلا مهما لتوضيح صورة الحكومة وهويّتها، وربما هذا الشرط الأوّل في العلاقة بين الطرفين، وقد دعا عبد الكريم الهاروني الشاهد أوّل أمس لإجراء تحوير وزاري قبل بداية مناقشة ميزانية الدولة وقانون المالية، وهذه مسألة على غاية من الأهميّة في إعادة ترتيب المشهد الوطني وتبيان طبيعة التحالفات وحجم الحزام السياسي الذي ستحظى به الحكومة الجديدة وحجم المعارضة ومكانتها. ويستمدّ التحوير الوزاري أهميّته من كونه كان مشبك الخلاف الذي أوقف مسار وثيقة قرطاج 2 نهاية شهر ماي الفارط حينما تباينت الآراء حول طبيعة الحكومة التي ستنفّذ مجموع الإصلاحات المتفق عليها بين مختلف أطرافها، وفي هذا الصدد ذهب محسن مرزوق الامين العام لحركة مشروع تونس في التأكيد على أنّ عرض التحوير الوزاري على البرلمان سيُسهم في إنهاء الأزمة السياسيّة مرّة واحدة. من التوافق الى الشراكة: ما الذي تغيّر؟ ولكنّ التحوّل اللافت من التوافق إلى الشراكة يطرحُ استفسارات أخرى، فاللفظة ليست اللفظة وتحتملُ تأويلات متعدّدة حول المقاصد، هل هي شراكة ظرفيّة لاستكمال العهدة الرئاسية والبرلمانية الحالية وبلوغ الانتخابات؟ أم هي شراكة متوسطة وبعيدة المدى يعوّلُ فيها الطرفان على قراءة استباقية اسقاطيّة للحصاد الانتخابي المنتظر في أكتوبر 2019؟ الشراكة الظرفيّة ممكنة وجائزة لتحقيق أهداف حينيّة منها التحوير الوزاري والمصادقة على الميزانيّة وقانون المالية وما بقي من استحقاقات دستورية أساسا في تجاوز اشكالية هيئة الانتخابات وتعديل القانون الانتخابي وتركيز المحكمة الدستوريّة، وقد يكون هذا يسيرا مع بداية توضّح الخارطة البرلمانية التي تحفّز كثيرا هذه الشراكة، ولكن سيكون ربّما من السابق لأوانه التكهّن بالآفاق المستقبليّة لتلك الشراكة هل ستكون قادرة على الصمود الى ما بعد الاستحقاق الانتخابي القادم؟، وقبل ذلك، هل سيكون التحوير الوزاري والمصادقة على الميزانية كفيلين بوقف واقع الأزمة السياسيّة وإيجاد طريق سالكة أمام تلك الشراكة؟ تفاهمات شبيهة بالتفاهمات السابقة مع السبسي إنّنا قد نكون على الأرجح إزاء سياق تفاهمات، قد لا ترقى إلى مستوى الشراكة الاستراتيجيّة طويلة المدى، تفاهمات قد تكون أشبه بما كان عليه الحال مع الرئيس السبسي أي بهدف رئيسي ومركزي، آني وحيني، هو تجاوز سياق أزمة سياسية صعبة مثيلة بتلك التي كانت سنة 2013، ويُطرح هنا سؤال جدلي افتراضي: ألم يكن بإمكان «منظومة الشيخين» استكمال الرهانات المطروحة على مسار الانتقال الديمقراطي اليوم؟ الشراكة بين النهضة والشاهد لن تخرج شروطها الحالية الممكنة على الأرجح، تعويلا على الواقع والمنطق، عن استحقاقات المرحلة العاجلة التي يُطالب الجميع بالانتهاء منها قريبا، ولكنّها استحقاقات، على راهميّتها ووضوحها، لن يكون إنجازها هيّنا ويسيرا بحكم عودة الاستقطاب والتجاذبات وواقع عدم الانسجام بين رأسي السلطة التنفيذية وأيضا مع الضبابيّة التي ما تزال تلفّ التموقع الحزبي لرئيس الحكومة، ما إذا كان داخل نداء تونس أو بعيدا عنه، وحجم الداعمين له من غير حركة النهضة وأيضا استعداده لقبول الشرط النهضاوي القديم الجديد المكرّر وهو إعلان عدم الترشّح للانتخابات القادمة وتفرّغه وفريقه الحكومي إلى شؤون الحكم والإصلاحات المطلوبة.