زيارة رئيس المفوضية الأوروبية اللوكسمبورغي جون كلود يانكار إلى تونس حدث هام ما في ذلك شك لا سيما وأنها زيارة تم انتظارها طويلا ووقع تأجيلها لمرات وما كان للمسؤول الاول عن الجهاز التنفيذي الأوروبي من بد من الاستجابة لدعوة رئيس الجمهورية بتونس بعد زيارة هذا الأخير ومن بعده رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى مقرات الاتحاد الأوربي في بروكسل. منذ زمن طويل لم يزر تونس مسؤول أوروبي بهذا المستوى مما كان يستشف منه عدم اهتمام بالعلاقة مع الطرف التونسي رغم الإعلانات الإعلامية المتكررة عن مساندة الانتقال الديمقراطي في بلادنا وما إقحام تونس في قائمات سوداء ثم رمادية في الغالب ظلما وبهتانا إلا دليل على هذا الخطاب المزدوج الذي لم تجن منه بلادنا إلا المشاكل وإن سارع المسؤول الأوروبي بإعلان سحب تونس من هذه القائمات فهل هو من باب الإحساس بالذنب، نأمل ذلك خاصة وأن يونكار لم يأت فارغ اليدين بل جاء ومعه 270 مليون يورو أي ما يقارب مليار دينار مما يمثل دون شك دعما للمالية العمومية في وقت هي في أشد الحاجة إليه. ولئن أعاد القول أن الاتحاد الأوروبي ساهم بمليار يورو أي 3 مليار دينار في دعم الاقتصاد التونسي خلال السنوات السبع الاخيرة فيبقى هذا المبلغ دون انتظارات تونس من أهم شريك اقتصادي ومالي واستثماري على الإطلاق. العلاقة مع الاتحاد الأوروبي حيوية بالنسبة لبلادنا وقد فرضتها الجغرافيا والتاريخ المشترك والتقارب البشري والانتساب إلى حوض البحر الابيض المتوسط ومن المفيد ان نؤكد أن تونس تحتاج إلى أوروبا أكثر من حاجة أوروبا إلى تونس مما يدعونا إلى السعي نحو إقامة علاقة متوازنة معها وتلك مسؤولية تعود لنا فلا يمكن أن ننتقد الاوربيين إن كانت رغبتهم الاستفادة من تونس كسوق لسلعهم أو كموطن يحصلون منه على القوى البشرية التي تنقصهم أو حتى كحارس لا يسمح بالمهاجرين إلى بلوغ شواطئهم ولكن علينا نحن ان نثبت أننا جديرون بغير ذلك وأنه يجب التعامل معنا بشكل يراعي مصالحنا وإن اندماجنا في أوروبا لا يمكن إلا أن يعود بالنفع على بلادنا فتتحسن جودة منتجاتنا في كل المجالات ونرفع من القدرة التنافسية لاقتصادنا في وقت تعيش فيه المجموعة البشرية على وقع العولمة والتحرر الاقتصادي الشامل. إن الاتحاد الأوروبي يوفر لنا 500 مليون مستهلك بقدرة شرائية مرتفعة مما يجعل من بلادنا منصة لكل دول العالم لإنتاج السلع والخدمات التي يمكن لها غزو الأسواق الأوروبية والعالمية عموما انطلاقا من تونس ولو أحسنا الاستفادة من العلاقة المميزة التي تربطنا بالمجموعة الأوروبية لقمنا بقفزة عملاقة يتم من خلالها حل كل المشاكل التي تتخبط فيها بلادنا. كانت تونس أول بلد جنوب المتوسط يوقع سنة 1995 اتفاقية شراكة من الجيل الثاني مع الاتحاد الأوروبي ورغم عدم وجود دراسة شاملة لتداعيات هذه الاتفاقية على الاقتصاد التونسي فالمؤشرات الرقمية تبين أن بلادنا استفادت من الإمكانيات التي اتاحتها من ذلك أن أكثر من 74 في المائة من صادراتنا تذهب إلا دول الاتحاد الاوربي مقابل 54 بالمائة من الواردات مما يدل على أن أوروبا لا تفرض علينا الاقتناء منها فضلا على أن ميزاننا التجاري مع دول الاتحاد لا يسجل عجزا إلا ب1فاصل 4 مليار دينار من جملة عجز يبلغ أكثر من 15 مليار دينار بل إننا نسجل فائضا ب3 مليار دينار مع فرنسا أول شريك في الاتحاد الاوربي وللمقارنة فإن عجز الميزان التجاري مع تركيا وحدها يبلغ 1فاصل8 مليار دينار أي أكثر من العجز مع كل دول الاتحاد الأوربي مجتمعة. بالإضافة لذلك فحسب معطيات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي فإن 71 في المائة من حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة و 90 في المائة من المشاريع وثلاثة أرباع فرص العمل المحدثة من طرف مؤسسات خارجية سنة 2016 جاءت من دول الاتحاد الأوروبي وإذا قارنا مع تركيا فإن أقل من 3 في المائة من حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة أتت من هذا البلد وهو حجم ضئيل إذا ما قورن بالعجز التجاري مع هذا البلد كما ذكرنا. بمناسبة اجتماع مجلس الشراكة المنعقد بتاريخ 11 مايو 2017 ، «اتفقت تونس والاتحاد الأوروبي على البدء في التفكير في تحديد إطار جديد للشراكة الأوروبية التونسية المستقبلية ، يخلف خطة العمل الحالية 2013-2017 وتحديد الأولويات التي تعكس اتساع وعمق العلاقات المميزة وتلبية الطموحات المشتركة للمستقبل على المدى الطويل ، مع احترام مبدأ الاختلاف المنصوص عليه في سياسة الجوار الأوروبية المعدلة» ولا شك أن الفرصة سانحة الآن لوضع أسس علاقة جديدة بين الطرفين تأخذ في الاعتبار التطورات الإيجابية الحاصلة على الساحة السياسية وفي مجال الحريات العامة والفردية في تونس ولا مجال للتخوف من علاقات واسعة مع الاتحاد الأوربي بل يجب السعي وراءها بكل جد وبتمام الأريحية ولا سيما فيما يتعلق باتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق المعروف الأليكا والذي لا يمكن، إذا ما عرفنا كيف نتفاوض فيه مع الجانب الأوربي المستعد إلى ذلك، إلا أن نجني منه فائدة لا يستهان بها لبلادنا.