اليوم وقد وصلت الحياة السياسية، إلى مرحلة كسر العظم بين الأطراف السياسية. والآن وقد جادت قريحة اللاّعبين الحزبيين «بأنموذج» جديد من ممارسة الحكم، عنوانه المغامرة والهروب إلى الأمام، فإن المطلوب وباختصار شديد، وقفة متأنّية، من لاعبين سياسيين حكماء، يعرفون كيف يضعون مصلحة هذا الشعب الذي انبرى اليوم مشدوها من هول ما يرى ويسمع.. ما وقع أمس الأوّل هو، بكلّ المقاييس قفزة نحو المجهول والجميع مسؤول عنها ومورّط في حيثياتها... رئيس الحكومة الذي طالته منذ إعلانه التحوير الوزاري، كثير من النّقد والاتهام، نجده يتحصّن بالنصّ الدستوري. نصّ والحق يقال مازال لم يتوضّح بقانون، لأن القانون محتاج إلى محكمة دستورية، تستفيد من غيابها اليوم، فئة أو فئات سياسية مهرولة، لا علاقة لها بمنطق الدولة ولا بسيادة الشعب... رئيس الجمهورية يرفض التحوير حسب منطوق مستشاريه ونجده بدوره يتحصّن بالعرف: أنه منذ 2014 تاريخ دخول تونس عهد الديمقراطية والقانون والانتخابات والاستقرار، منذ ذاك التاريخ، ترى رئاسة الجمهورية أن شأن التعيين الحكومي هو شأن رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب في انتخابات عامة. كلاهما، يجد ضالّته فعليّا في نصّ الدستور.. ولكن الحقيقة، هي أن لا الشاهد ولا قائد السبسي، مسؤول عن التطوّرات التي حفّت بهذه المستجدات، مستجدّات تضع البلاد على كفّ عفريت... التحوير الوزاري لمساء أمس الأوّل، جاء مثيرا للجدل، لكنه ليس البلسم لآلام المواطن التونسي... فنحن أمام تغيير لقواعد وأسس اللّعبة السياسية وللمرّة الرابعة، منذ انتخابات 2014، خارج إطار الدستور ومقتضيات النتائج الانتخابية... إذ عندما تنعدم السّبل في المناورة والمهادنة والمنافقة السياسية، وتنتهي حبال المواربة على الشعب، تركن المجموعة السياسية التي تكون قد أمضت على وثيقة سياسية من أجل بلوغ مرحلة معيّنة أو تفادي «كارثة» معيّنة (قد تكون تلك المظاهر تهمّ حزبا بعينه أو مجموعة أحزاب) تركن هذه المجموعة أو المجموعات.. إلى النصّ الدستوري الذي لا يزال نصّا بلا ضوابط... نصّ فضفاض ككلّ نصوص الدساتير: مبادئ عامّة... اليوم تونس تدخل أزمة أخرى، لا علاقة لها بانتظارات التونسيين... ولا علاقة لهذه الأزمة المستجدّة بوضعية الشعب التونسي ولا بأهدافه وآماله... هي أزمة تزيد من آلام الشعب التونسي، لأن حيثياتها تُحيلنا على كثير من المغامرة وكثير من المغالطة مغالطة الرأي العام لأنها أزمة تعمّق معضلات اللاّحل، وهي أزمة حمّالة منفذ لكل الأطراف التي تجعل من أحزابها وطموحاتها الشخصية، علويّة على طموحات وانتظارات الشعب التونسي... التحوير الوزاري الذي يمثّل مشكلا إضافيّا ولا يأتي بالحلّ، الاقتصادي ولا الحلّ الاجتماعي، هو عنوان لأزمة الحوكمة في تونس... لكن الآن، تونس تحتاج إلى طرف بعينه، يُعلي منطق الدولة على منطق المغامرة، وأن الذي فتح باب الأزمة واستمرأها لتونس، لن يكون هو من يكون صاحب الفكرة المتأنّية...