إجراء تحوير وزاري يشمل وزارات السيادة أساسا كان أبرز مطالب المعارضة لتجاوز الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، مطلب يبدو أنه لقي تفاعلا ايجابيا من الائتلاف الحاكم، فعبر عدد من مسؤولي الحكومة عن نوايا جدية لتغيير وزراء وكتاب دولة.. وربط أمين عام المؤتمر من أجل الجمهورية بقاء حزبه في الائتلاف بمدى تجاوب الحكومة مع التحويرات الحكومية المنتظرة.. ورغم ذلك لم يصدر عن رئاسة الحكومة أي قرار يعكس رغبة جدية للمس من وزارات السيادة أو غيرها من الوزارات وعلى غرار المناسبات السابقة لم يتجاوز مطلب التحوير الوزاري أفق التصريحات.. فلماذا تتفادى الحكومة اجراء تغييرات وزارية أبدت اقتناعها بها؟ المعارضة تتملص.. أكدت أبرز القوى السياسية على غرار "الجمهوري" و"نداء تونس" ومكونات "الجبهة الشعبية" عن عدم رغبتها في الانضمام للائتلاف الحاكم أو تقلد مسؤوليات داخل الحكومة ودعت الى الاستئناس بشخصيات وكفاءات وطنية وتكوين حكومة تكنوقراط قادرة على تسيير البلاد واخراجها من ازمتها السياسية مع تنظيم انتخابات في اقرب الآجال.. النهضة توضح.. رأى عبد الحميد الجلاصي في تصريحه ل "الصباح" ان مسألة التحوير تحمل اشارات سياسية تأكد على قبول مبدأ توسيع التحالف وشدد في نفس السياق على ضرورة "اعتماد تقييم علمي لآداء مختلف الوزراء في علاقة بما كلفوا به وبمدى استجابتهم لأهداف الثورة في ضبط من سيشملهم التحوير.. الى جانب اعتماد مقاييس سياسية ومشاورات لبعض الاطراف بما لا يربك عمل الحكومة والمسار العام للمرحلة الانتقالية الثانية. وعن الوزارات المرشحة للتحوير أكد الجلاصي ان "كل الوزارات تحتمل إمكانية التغيير اذا ما ثبت عليها تقصير. أما فيما يخص التقييم العلمي فأوضح أن رئاسة الحكومة ومن ورائها النهضة والائتلاف الحاكم هي المخول لها الإشراف على هذا التقييم العلمي. وأضاف أن "التفكير في تكوين فريق أكثر قدرة على الانجاز أمر وارد قد يشمل تغيير الوزراء وكتاب الدولة". وذكر عبد الحميد الجلاصي في نفس السياق أن "من حق الأحزاب السياسية أن يكون لها موقف رفض المشاركة في التحوير الوزاري أو في الحكومة.. لكن لا يحق لها في نفس الوقت الحديث على تفرد النهضة بالقرار.. علما واننا نعبر منذ انتخابات 23 أكتوبر عن تبني الحركة لمبدأ الائتلاف والانفتاح والتعاون." وبالنسبة لتشكيلة الائتلاف الجديد الذي قد يشهد انسحاب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بيّن الجلاصي أن حركة النهضة مع تواجد احزاب جديدة شابة وشخصيات وكفاءات وطنية لكن لا تتبنى مقترح "حكومة تكنوقراط " فحسب رأي الجلاصي "هذه الحكومة ناتجة عن انتخابات شرعية.. وليس من مصلحة البلاد تغيير وجهتها 180 درجة في وسط الطريق فذلك لا يخدم مواصلة الانتقال الديمقراطي والنهضة أو اجراء استحقاق انتخابي في اقرب الآجال." الاتحاد يراقب.. من جهته بيّن بلقاسم العياري الامين العام المساعد المكلف بالقطاع الخاص بالاتحاد العام التونسي للشغل، انه الى اليوم لم يتم الاعلام رسميا عن تحوير وزاري وهناك فقط تصريحات صادرة عن سياسيين في هذا الشأن. وأشار إلى ان من طبيعة الاشياء أن يقدم الاتحاد موقفا بشأن التحوير يقوم بإصداره اثر اجتماع مكتبه التنفيذي، وأكد ان الاتحاد العام التونسي للشغل يؤكد في هذا السياق على مبدأ التوافق والتشاور الذي نادى به في مؤتمره الوطني الاخير واعتبره اساس العمل في المرحلة الانتقالية الثانية. تحوير بين التمني والمناورة.. في قراءته للتحويرات الوزارية المنتظرة بيّن طارق بلحاج محمد الباحث في علم الاجتماع السياسي أن المسألة تحلل وفقا لثلاث مفردات وهي: التمني، وتهم الأطراف السياسية المعارضة التي تري من الضروري احداث هذا التحوير الوزاري لكن ليس لها القدرة على فرضه في أرض الواقع ولذلك يبقى عبارة على تمني أكثر منه شيء آخر لان السياسة تعتمد على موازين القوى.. ورغم ان المعارضة تمتلك قوة الاقتراح الا ان موازين القوى ليست لفائدتها خصوصا مع تشبث الثلاثي الحاكم بالسلطة والهروب الى الأمام.. وتدعو المعارضة في الوقت نفسه الى تحوير وزاري لا تشارك فيه ولا تتحمل نتائجه السلبية خاصة أن البلاد مقدمة على استحقاق انتخابي وتعاني عددا من الهزات السياسية والاقتصادية. ثانيا المناورة، وهي استراتيجية الثلاثي الحاكم للتخفيف من الضغط المسلط عليه خاصة منه الاجتماعي والشعبي ففي كل مرة تتوتر الأجواء الاجتماعية والسياسية يطرح هذا الموضوع للتخفيف من حدة الاحتقان وإعطاء انطباع ان المجموعة منفتحة على النقد والتقييم ولها رغبة في الإصلاح الحقيقي ولها الشجاعة في الاعتراف بأخطائها لكن الحقيقة ان طرح هذا الموضوع لا يعدو أن يكون مجرد مناورة سياسية تعوزه الرغبة والارادة السياسية في التغيير. وثالثا المراوحة في نفس المكان، فالتلويح بتحوير وزاري في الافق ليست المرة الاولى التي يطرح فيها هذا الموضوع كما أنه في حين يفترض أن يحدث طرحه رجة لدى الحكومة الحالية بحيث تحسن من آدائها نجد أن المفعول الرجعي (الرجة) غائب باعتبار أن هذه الحكومة تحافظ على نفس الاداء ونفس الخطاب ونفس المنهجية السياسية وحتى وان افترضنا أنه سيقع هذا التحوير فسيشوبه الطابع الجزئي والتلفيقي. ورأى بلحاج محمد أن الثلاثي الحاكم غير متفق على تشخيص الخلل في الآداء وهو ائتلاف غير منسجم بطبعه والدفع بالتحوير الى مداه الجدي والحقيقي ربما يهز أركان هذا التحالف.