هل المعاصرة خطاب التداخل بين الفنون ؟ وهل يمكن للفن التششكيلي العربي ان ينفتح على فنون القول كالشعر والرواية؟ لعل الفنان التونسي التشكيلي» نجا المهداوي» -1937- احد المبدعين العرب الذي حاول ان يعبر عن هذا الانفتاح على الفنون لتلتقي في خطاب تلقّي يمكّنها من التحاور . فكف يمكن لنا ان نعاين محاولته التشكيلية في حوارها مع فنها الاصلي وفي قصدها لباقي الفنون ذات الحصور الشعري والسردي؟ I. في المكان او في التقاء الفنون 1. في سلطة – الفضاء / مكانية الفنون ولعلّ التقاء رجاء عالم كمنتجة للنثر وفنون خطابه بخطوط المهداوي» ورسومه في «مراتب العشق» ضرب من ضروب إشباع العين بالمكان. إنّ الادب هو لغة الفضاء (Espace )حيث المكان (lieu )ينادي العين مثلما ينادي السواد المعنى .ففي عمق الشعور بخطاب يحتل مساحة قابلة للتاويل تظهر حاجتنا للوعي بالموجود الفني، لعلها مغامرة البحث عن تقارب في ذاك الانتماء للفضاء «إن ما يجعل الرسم فنَا فضائيا ليس ما نجد فيه من تشخيص للمساحة، بل لان هذا التشخيص ، نفسه ، يتم ضمن مساحة اخرى هي مساحة الرسم المميزة له, والهندسة هي فن الفضاء بإطلاق, لكن الهندسة لا تتحدث عن الفضاء، بل ربما كان الاصوب ان نقول إنها تجعل الفضاء يتحدث، من ان نقول إن الفضاء هو الذي يتحدث من خلالها، او يتحدث عنها(بحكم ان كل فن من الفنون يسعى إلى خلق تشخيصه الخاص به).فهل نجد في الادب الفضائية نفسها التي نجدها في فن الرسم وفي الهندسة او نجد فيه فضائية شبيهة بفضائية فن الرسم، اعني فضائية تكون فاعلة لا منفعلة، ودالة لا مدلولا عنها وإيجابية لا سلبية؟ يبدو لي ذلك امرا ممكنا، ومن دون مغالاة.فنحن نتبين في الادب، اولا ، فضائية ربما جاز لنا ان نعتبرها اولية او بسيطة، واعني بها فضائية اللغة نفسها. فالملاحظ ان اللغة غالبا ما تبدو، بطبيعتها، اكثر اقتدارا على «ترجمة» العلاقات الفضائية ، من اي نوع آخر من العلاقات (وإذن من اي نوع آخر من الوقائع )، مما يجعلها تتوسل العلاقات الاولى رموزا واستعارات تعبر بها عن العلاقات الثانية ، اي ان ذلك يؤول باللغة إلى تفضي كل شيء، او معالجتها معالجة فضائية .»وقد تكون اللغة هي التي تجعل المرئي ماثلا لذاك التاويل الممكن او هي ذاك القول او المكتوب الذي يجمع شتات الرؤية. إن الحيّز يدعو الفنون إلى الكيان وفيها يلتقي الاديب بالرّسام مثلما يلتقي الشّاعر المعاصر بالمكان إذ لا وجود للمعنى إلا ضمن هذا الفضاء.إننا امام ذاك التفاعل المزدوج بين فنّين وجدا في عين الملتقّي حوارهما.هي دعوة للخيال للدخول في متاهات المعنى بحثا عن الذات ولحظات تاسيسها الجديد للموضوعات حيث يكون إدراك الملتقى للعمل الفني مجال تحويل للمؤمّل وللمنتظر او هو المعنى الآخر لبناء ذاك التعيين الممكن للاثر:» وامّا إذا حوّل الادب السّردي- إذا حول الحيز الماثل فيه- من مجرد التمثل الذّهني لدى القراءة او اثناءها، إلى الاستحضار القائم على التصوير الحسي الملتقط بالبصر، فذلك ارقى ما يمكن ان يبلغه الحيز من تمكّن.ولعل الشيء الذي جعل من فن الرّسم ( فنّا للحيز)، ليس لانه يمنحنا ضربا من الاستحضار للامتداد، ولكن لان هذا الاستحضار نفسه إنما ينجز عبر الامتداد، اي عبر امتداد آخر يكون هو، بخصوصية، امتداده....حقا، إن الرسام لا يستطيع ان يبدع خارج الحيز، فمن دون حيّز يموت الفنان لكن هل يستطيع الاديب، هو ايضا، ان يكتب خارج الحيز؟ بل هل يستطيع احد الحياة دون الحيز؟ او ليس الحيز هو حياة الاديب، ومضطرب خياله، ومجال آماله، ومنتهى احلامه؟ إن الكاتب لا يفعل شيئا غير الحلم داخل الكتابة. ولا يستطيع ان ينجز ايّ كتابة خارج هذا الحلم.»هي الحداثة الفنّية تجعل من الفنّ لغة الانفتاح حيث لغة الوجود في النفي للثبات انتصارا للمغامرة وحيث خطاب الجدة والإضافة . هو ذاك المكان في محاولة ندائه للعين لتاكيد التقاء الفنون داخله يعانق الادب الرسم نابذا كل حدود الفرقة.لعلها حداثة يتداخل فيها الحرف المتشكّل على الورق بالكلمة الملفوظة من صاحبتها.هي محاولة لإلغاء الحدود ما بين فضاء السّرد المنطوق وما بين فضاء الحروف . لعلّها شعريّة تحوّل القول وسرديّته كخطاب قوامه السّماع إلى قراءة تشكيلية عمادها الحروف والتّشكيل. يتبع