تونس (الشروق): يرتقي ميدان التطهير بداية كل خريف وشتاء ليكون في صدارة اهتمام غالبية المواطنين اعتبارا لما أضحت تخلفه الامطار والمياه من آثار ومخاطر على السير العادي لشؤونهم، وحتى لا ينحصر «جهد التطهير» في الحماية من الفيضانات ولمعرفة مسؤولية الديوان وللاطلاع على مختلف المهام المنوطة بعهدته التقت «الشروق» السيد خليل عطية الرئيس المدير العام للديوان الوطني للتطهير. *لنبدأ، من الاهم لدى المواطن التونسي، فيضانات في سبتمبر وأكتوبر 2003، وأخرى في سبتمبر الفارط... ما الذي يحدث بالضبط وما هي مسؤوليات الديوان في الحد من خطورة مياه الامطار؟ ما يجب التأكيد عليه هو أن الامطار التي تكوّن الفيضانات تكون دائما ذات صبغة استثنائية والامطار العادية لا تمثل أي إشكال ولا تحدث أية اضطرابات، صحيح تكررت الوضعية والسبب هو تكرر الامطار الاستثنائية، وما يؤكد ذلك أن المناطق التي عرفت تكاثرا للمياه لم تكن هي نفسها ففي العام الفارط تضررت الجهات الشمالية للعاصمة وهذه السنة اقتصر الامر على الضاحية الجنوبية ووسط العاصمة فالموقع المتغير يثبت أن الامطار الاستثنائية ذات الصبغة المحلية هي التي تقف خلف ما يحدث. ولابد للمواطن أن يعلم أنه يمكن التصرف والتعامل مع المياه المتأتية من الامطار التي تقل كمياتها عن 50 ملم حيث يمكن تطويقها والتصرف فيها دون اشكال أما اذا فاقت الامطار ذلك الحد وبلغت 60 ملم في الساعة أو أكثر من 120 ملم في 4 أو 5 ساعات فإن صعوبات منطقية تحدث نظرا لعجز القنوات عن تحمّل المياه الغزيرة وتصريفها بشكل اعتيادي. كما أنه لابد من الاشارة الى أن عددا من الاحياء الجديدة (أريانة الشمالية، جهة رواد)... هي في طور النمو والتكوّن وهي التي كانت أراضي فلاحية ليس بوسعها الآن أن تنتفع بخدمات تصريف المياه نظرا لان عددا من الشبكات لم تصل الى المرحلة الاخيرة من الانجاز خاصة وأن أمثلة التهيئة هي بصدد الوضع كما أن عدة مشاريع لحماية المدن هي بصدد الانجاز وهي التي تهم أريانة والمشاريع التكميلية بالطريق الوطنية رقم 7 وهي من مشمولات مصالح التجهيز ولا شك انه سيكون لها مردود وفاعلية قصوى في الحد من مخاطر الفيضانات ومياه الامطار. *الناس استغربوا من طوفان الماء (الاخير الذي بلغ حدود وسط العاصمة (ساحة برشلونة مثلا): أية فاعلية لقنوات التصريف وهل هي موجودة أصلا؟ وسط العاصمة والاحياء القديمة وكل التجمعات السكنية التي لها مدة زمنية منذ إنشائها مجهزة بقنوات التصريف ولا جدال في ذلك، والاشكال كما قلت في السؤال السابق متصل بعدم قدرة الشبكة على تحمّل الامطار العنيفة بعد أن تبلغ طاقتها القصوى. وبشهادة كل المتدخلين الآخرين تتدخل مصالح التطهير بنسبة تفوق ال 200 من مهامها وهي تتدخل في الشبكة المزدوجة (في وسط المدن الكبرى: نابل وبنزرت وصفاقس وسوسة) وتأخذ المياه المستعملة ومياه الامطار وتصرف جزءا منها الى محطات التطهير والآخر الى المصب النهائي (البحر) عبر منشآت توزيع خاصة، كما يمد الديوان يد المساعدة للبلديات خاصة في المدن الكبرى من أجل انشاء الشبكات الثانوية لمياه الامطار لتعاضد الشبكات الكبرى لحماية المدن من الفيضانات التي أذن بإنشائها رئيس الدولة. * في الاجمال ما هي استعدادات الديوان بخصوص تصريف مياه الامطار للموسم الجديد؟ قبل الاجابة عن هذا السؤال أود الاشارة الى نقطة هامة وهي متصلة بتصرفات وسلوكات بعض المواطنين الذين يتحملون مسؤولية كبيرة في عرقلة مجهود التطهير وتصريف المياه ذلك أن البعض يعمد الى ربط أسطح المنازل بشبكات المياه المستعملة مما يعطّل وظيفتها ويجعلها تحمل أكثر من طاقتها ويحدث ذلك عندما لا يجد المواطن من الناحية الهيكلية قنوات لتصريف مياه الامطار، كما أن آخرين يلقون بالفضلات والنفايات وسط القنوات المفتوحة أصلا لمياه الامطار كما أن ترك الفضلات في الشوارع والارصفة يتسبب في تسربها الى الشبكة عند نزول الامطار وهو ما يعطل عملية تصريف المياه المستعملة، وتلك مسائل في غاية الاهمية لابد للمواطن أن يعي أن القنوات ليست مصبّا للفضلات كما أن مجاري الاودية يجب أن تبقى في منأى عن كل تلك التصرفات حتى تكون مؤهلة لانجاز المطلوب منها. وأؤكد هنا أن الجهد الموجه لحملات جهر الاودية ورفع الفضلات يضاعف كلفة الصيانة ويأخذ الكثير من الاعتمادات المخصصة لتدعيم الشبكة وإحداث التحسينات عليها وعلى المواطن أن يتأكد من أن جزءا كبيرا من الحماية من الفيضانات يمر عبره هو شخصيا بالمحافظة على شبكات التطهير وعدم إلقاء الفضلات والزائد من حاجياته في الاودية ومجاري المياه. أما عن الاستعدادات فإن الديوان وتبعا للتكليف المسند له وبالتعاون مع الهياكل الجهوية الراجعة بالنظر الى وزارة الداخلية والتنمية المحلية وادارة المياه العمرانية بوزارة التجهيز والاسكان والتهيئة الترابية قد تدخل في عدة مناطق. وتم الى أوائل سبتمبر الفارط التدخل بكافة شبكات المياه المستعملة الاكثر تأثرا بأمطار الخريف حيث ناهزت نسبة التدخل 100 وبالنسبة للادوية ومجاري المياه فقد تم الى حد الآن جهر أكثر من 56 واديا ومجرى مياه على امتداد 126 كلم الى جانب تعهّد وجهر 25 حوضا لتجميع مياه الامطار بسعة مليون متر مكعب حيث رفعت منها حوالي 96 ألف متر مكعب من الاوحال علاوة على القيام بعمليات التفقد الدوري لصيانة العديد من الاودية ومجاري المياه والاحواض. كما ساهمت المديريات الجهوية التابعة للديوان في إطار حملات النظافة بالجهات برفع الفضلات الصلبة والاتربة من شبكات صرف مياه الامطار حيث لاتزال عمليات الجهر والتعهد متواصلة، كما عملت مصالح الديوان بالتنسيق مع مصالح الوزارة في إطار عملية التثبت من حسن استغلال منشآت الحماية الخارجية المحيطة بتونس الكبرى (السدود، البحيرات الجبلية) على التخفيض من منسوب المياه بها وإفراغها استعدادا لموسم الامطار القادم كما كلف الديوان بالتخفيض من منسوب كل من سبخة أريانة (11 مليون متر مكعب من المياه) وسبخة السيجومي (13 مليون متر مكعب من المياه) لتمكينهما من استيعاب الامطار المنتظرة. * على ذكر سبخة السيجومي، هذا «الغول» ماذا عن الحلول وهل هناك امكانية لربطها بالبحر لانهاء مخاطرها؟ سبخة السيجومي منعزلة عن البحر على عكس سبخة أريانة وذلك ما أوجد الصعوبات غير أن الدولة وعقب الزيارة التاريخية التي أداها سيادة الرئيس في أفريل 2004 الى سيدي حسين والاحياء المتاخمة للسبخة وقع إقرار الترفيع من طاقة الضخ للحماية من أمطار الخريف وتم تكليف الديوان بالتدخل ووقع اقتناء المضخات العملاقة ووضع القنوات بصفة وقتية ثم وقع تعزيز الضخ على مستوى ساحة الشهداء نحو شبكة مياه الامطار في تونس الجنوبية (مسار 5.1 كلم) ليكون المصب في ميناء تونس وهناك مسار آخر من جهة منطقة اليهودية وآخر قرب سوق الجملة ببئر القصعة لتنتهي المياه نحو وادي مليان (مسار 6 كلم). وتم التخفيض في ارتفاع المياه بالسبخة الى حوالي 25،9م على سطح البحر فقط بعد أن بلغ حوالي 10م وهو مستوى جعل الاضرار تكون قليلة جدا خلال الامطار الاخيرة. والاهم الآن هو اننا دخلنا في مشروعين رئاسيين لوضع حد هذه الاشكاليات خاصة وأن ربط السبخة بالبحر هو عمليا في غاية الصعوبة لان المسار بين السبخة والبحر قد تكثفت به البناءات والمنشآت. المشروع الاول انطلق منذ بداية شهر جويلية ويأخذ نفس المسار للتجهيزات الوقتية ولكن طاقة الضخ ستصل الى 5400 متر مكعب في الساعة بكلفة 1،2 مليون دينار وسيشرع في استغلاله بداية من غرة نوفمبر القادم والثاني انطلق إنجازه مع بداية هذا الشهر بنفس الطاقة (5400م مكعب) ينطلق قرب المنطقة الصناعية بالمغيرة عبر نعسان وشبدّة الى وادي مليان بكلفة جملية تقدر ب 5،5 مليون دينار وسيكون المشروع جاهزا مع بداية شهر مارس، فالمسألة سائرة الى الحل النهائي من أجل تفريغ السبخة لتفادي اشكالية الفيضانات وانغمار الاحياء المجاورة المنخفضة بالمياه. *في خصوص المياه المعالجة أو المطهرة... يتكاثر الحديث دوما عن مخاطر تصيب المنتوجات الفلاحية؟ إعادة استعمال المياه المطهرة يخضع الى تقنين واضح بين وزارة الفلاحة ووزارة الصحة يراعي الجانب الفلاحي والصحي والبيئي، وللاشارة فإنه لا يمكن استعمال هذه المياه في الخضروات لان الثمرة تكون ملتصقة بالارض في أغلب الاحيان في حين أن المياه المطهرة بها بعض المكونات التي تتطلب أشعة الشمس. وتعتبر الاشجار المثمرة هي الافضل في المجال وكذلك الاعلاف التي تبقى مدة زمنية تحت أشعة الشمس، والجميع يتخذ الاحتياطات اللازمة من مخابر ودراسات. كما يمكن استغلال هذه المياه في المساحات الخضراء وملاعب الصولجان وكذلك ملاعب كرة القدم وبالاضافة الى الزراعات الغابية. ونحن الآن نبحث عن مجالات لتنمية نسبة إعادة الاستعمال التي هي حاليا في حدود 28 فقط في حين أن لنا مياه معالجة جيدة. ويبلغ حجم المياه التي يقع تجميعها ومعالجتها بمحطات التطهير حوالي 155 مليون متر مكعب في السنة وتوزع المياه المعالجة لري 7500 هكتار موزعة بين مناطق فلاحية (6630 هكتارا) وملاعب صولجان (570 هكتارا) ومساحات خضراء (300 هكتار). *وماذا يمكن أن تقول للقارئ عن «المستقبل» خاصة في مجال تصريف مياه الامطار والحماية من الفيضانات؟ اعتقد أنه بإنهاء الاشغال الكبرى المبرمجة في إطار خطة حماية المدن من الفيضانات ستكون تونس الكبرى على درجة عالية من الحماية، وستمكّن الدراسة التي أذن بإنجازها رئيس الدولة تبعا لما شهدته تونس الكبرى خلال السنة الفارطة من أمطار استثنائية والتي شرع في إنجازها بعد من إعادة النظر في البنية الاساسية لاقليم تونس الكبرى وسيضع كل المتدخلين (بما فيهم الديوان) جهدهم عبر مكاتب دراسات رفيعة وخبراء من أعلى طراز لضبط كل الجوانب المتصلة بالتجهيزات واستعمال المنظومة من الناحية الفنية وكذلك من الناحية المؤسساتية لترتيب الكيفية الجيدة في استعمال وتصريف مياه الامطار. وبالنسبة للديوان فهو يعمل على تأهيل وسائل تدخله والاستفادة من مستحدثات التكنولوجيا واستعمال المعدات الحديثة من شافطات عملاقة ومجففات آلية للحمأة والمراقبة المخبرية والمتابعة الدقيقة للمحطات وكذلك مقاومة الروائح الناتجة عن منشآت التطهير ومن أجل إسداء خدمات أرفع تم وضع رقم أخضر (80100193) على ذمة المواطنين ونحن بصدد إعداد منظومة جديدة تخضع للمواصفات العالمية وتتدخل مواصفات الجودة في ما يخص مكاتب الاتصال بالمواطن وكذلك تحيين موقع الواب لتوفير المعلومة لمن يستحقها ولضمان الفاعلية والخدمات الجيدة وخاصة سرعة التدخل عند الاقتضاء اعتمادا على منظومة شاملة للمعلوماتية والتصرف داخل الديوان مما سيمكن من متابعة كل المؤشرات وأخذ القرار الملائم بالسرعة المطلوبة وفي الوقت المناسب.