تونس على أهبة الاستعداد لاحتضان القمة العربية في دروتها الثلاثين. وكل المعطيات تشير إلى حضور متميز في أعلى مستوى لأغلب القيادات العربية التي عادة ما تحضر مثل هذه الاجتماعات. وستسبق القمة زيارة رسمية لعاهل المملكة العربية السعودية الملك سلمان بن عبد العزيزإلى تونس. وهي زيارة هامة تؤشر الى العلاقات المتميزة التي تربط بين البلدين الشقيقين. وإن اختيار تونس لاحتضان هذه القمة فضلا على رصيد الثقة التي تحظى بها داخل المجموعة العربية يؤكد أن بلدنا من القلائل بل يكاد يكون الوحيد الذي يمكن أن يجمع القادة العرب مهما كانت توجهاتهم وحتى اختلافاتهم. ولعل حضور كافة دول الخليج في مستوى رفيع خير دليل على ذلك. والمهم أن يكون التونسيون بمختلف تياراتهم الفكرية وحساسياتهم السياسية وربما اختلافاتهم الإيديولوجية صفا واحدا في هذه المناسبة حتى يبينوا وحدتهم الوطنية في ملف أساسي وهوملف السياسة الخارجية التي هي ملك مشترك للتونسيين جميعا. ومهما كانت الآراء حول أداء الجامعة العربية ودورها وتجاوبها مع تطلعات العرب واهتماماتهم فهي ثانوية في اللحظة الحاضرة التي يجب أن نحتفي فيها بالاخوة العرب ونقول لهم حللتهم أهلا ونزلتم سهلا. وفي كل الأحوال فإن تونس ستجني فائدة كبرى من هذا الاجتماع العربي رفيع المستوى ليس بالضرورة ماديا ولكن من حيث الصورة المشرقة التي سيراها عبرها الأشقاء والأصدقاء وكل شعوب العالم. ولا شك أن هذه القمة تلتئم في ظرفية خاصة يجعلها محل اهتمام خاص من الدول الكبرى والصغرى على حد سواء ومن الرأي العام العربي والدولي عموما. فجدول أعمالها يتضمن كبريات القضايا والأزمات المطروحة على العالم حاليا. بل إن المجموعة الدولية تنتظر منها لا فقط إنضاج الحلول للأوضاع المتأزمة بل إعادة ترتيب الأولويات على الساحة الإقليمية والدولية. إذ أن الصراعات الداخلية في بعض الدول العربية أدت إلى تهميش القضية المركزية ألا وهي القضية الفلسطينية التي هي السبب الأساسي للمشاكل التي تتخبط فيها المنطقة العربية ولا سيما الإحساس بالضيم والظلم وما يترتب عن ذلك من كل أشكال العنف ورد الفعل. وإن إعادة هذه القضية المركزية إلى مكانها الطبيعي من شأنه أن يدفع إلى الحل وعلى الأقل في مرحلة أولى إلى التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة الذي حرم من الإعانات الدولية نتيجة إصراره على التشبث بحقوقه الثابتة وفي مقدمتها حقه في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. ويبدو أن تونس عاقدة العزم على السعي الى إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة القضايا العربية. ولا نشك في أن الأشقاء العرب سيؤيدون هذا المسعى. قضايا أساسية أخرى على جدول أعمال القمة وفي مقدمتها الملف السوري. ولئن سجلنا ما قاله الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في ختام الدورة ال151 لمجلس الجامعة المنعقد منذ أسابيع في القاهرة من أن موضوع مشاركة سوريا المحتملة في القمة العربية المقبلة في تونس «لم يطرح على الإطلاق» أو تأكيده قبل ذلك أنه «لم يرصد خلاصات تقود إلى توافق بين الدول الأعضاء قد يسمح بعودة عضوية سوريا» الى الجامعة العربية إلا أنه لن يكون من المنطقي أن يجتمع القادة العرب وقبلهم وزراء الخارجية دون أن يكون على جدول مباحثاتهم هذا الملف ولا سيما موضوع عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية. وإنه لمن المفارقات أن يكون للنظام السوري مقعده الطبيعي في منظمة الأممالمتحدة ويحرم من ذلك في الجامعة العربية. ولعل تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ أيام قليلة والتي قال فيها «بعد 52 عاما حان الوقت لكي تعترف الولاياتالمتحدة بالكامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان»، وما أحدثته من ردود فعل سلبية تمثل تحديا جديدا لا يمكن مواجهته إلا بمزيد رص الصفوف العربية والتصدي له من خلال استعادة سوريا مكانتها الطبيعية ضمن المجموعة العربية. ولا بد من الإشارة هنا إلى ما قاله وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الروسي سرغي لافروف الذي زار تونس منذ أشهر من أن «المكان الطبيعي لسوريا هو داخل الجامعة العربية». ولئن أضاف» بالنسبة إلى سوريا القرار يعود إلى وزراء الخارجية العرب الذين لهم أن يقرروا ما يمكن أن يفعلوه على اعتبار أن قرار عودتها إلى الجامعة العربية ليس بقرار وطني تونسي» فإن قمة تونس ستكون بلا معنى إذا لم تتوفق إلى قرار عربي جماعي بهذا الخصوص. وإننا نعول كثيرا على حكمة رئيس القمة، الرئيس الباجي قائد السبسي وقدرته على الدفع في هذا الاتجاه الى حد الآن بقي العرب غائبين عن تصور حاضر سوريا ومستقبلها. وهوأمر لا يمكن أن يتواصل باعتبار مكانة هذا البلد داخل المجموعة العربية على الأقل بالنظر إلى أنها من المؤسسين لجامعة الدول العربية منذ 74 عاما. ومن أهم الملفات التي ستكون على جدول أعمال القمة العربية الأزمة الليبية التي يبدو أنها في طريقها إلى حل ليبي/ ليبي تحت مظلة الأممالمتحدة وبدفع قوي من دول الجوار الأساسية الثلاث تونس والجزائر ومصر التي اجتمعت حول مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي التي وضعت المبادئ الأساسية لهذا الحل. وستشهد الأيام القادمة تطورات إيجابية تتمثل بالأساس في انعقاد المؤتمر الجامع أواسط شهر أفريل القادم في غدامس. هذه الواحة التي تقع قرب مثلث حدود ليبيا مع كل من تونس والجزائر. والأمل يبقى معقودا على خروج ليبيا من محنتها علما أن تونس ستحتضن في الأيام القادمة اجتماعا رباعيا يحضره الأمين العام للأمم المتحدة إلى جانب ممثلين سامين عن الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص. بقية القضايا مهمة كذلك لا سيما عودة السلم إلى اليمن الذي يشهد أكبر كارثة إنسانية على الإطلاق. وقد تكفي إعادة الأمل بخصوص هذه الملفات الحارقة حتى تستعيد الجامعة العربية المكانة التي افتقدتها وليس ذلك بالعسير ولا بالعزيز على القادة العرب.