تثير أوضاع الشواطئ انتقادات التونسيين متهمين سلطات الإشراف بعدم الجدية في تنظيفها وتهيئتها والكشف عن الحقائق كاملة في ما يتعلق بوضعيات بعض الشواطئ غير الصالحة للسباحة. ملف نطرحه قبل أيام من حلول موعد الاصطياف فكيف هو وضع الشواطئ؟ وكيف تستعد سلطة الاشراف لهذا الموسم؟ تونس/الشروق البحر ملجأ للناس في كل الفصول ولكنه سيّد المتعة صيفا فهو وجهة الكل بحثا عن مخبإ ينهي لهيب درجات الحرارة المرتفعة إلا ان وضع الشواطئ في تونس خلال السنوات الأخيرة اصبح مثيرا للانتقادات إذ هي غير نظيفة في أنظار المصطافين وهي أيضا مستباحة في أنظار الراغبين في البناء الفوضوي على الشواطئ واستغلال الملك العمومي البحري. ولأننا نعيش في زمن تونسي جديد ميّزه غياب الإرادة لدى الإدارة لفرض سلطان وهيبة القانون أصبحت الشواطئ أيضا قبلة للصوص الرمال وقبلة للمخالفين فتصبح بعض الشواطئ مصبّا للمياه المستعملة (شاطئ روّاد وشاطئ قلعة الاندلس) ولتصبح أيضا مصبّا لفضلات مصانع النسيج (المنستير). بحارنا الملوثة حول المياه المستعملة الصناعية يقول الخبير في البيئة والناشط الحقوقي منير بن حسين ل"الشروق" إنّ البحر والسباخ والوسط الطبيعي هي مصب للمياه المستعملة. إذ أن النسيج هو منتج كبير للكوارث البيئية سواء من حيث استهلاكه الكبير للمياه فغسل البنطلون الواحد من الدجين الموجه الى التصدير يحتاج الى 55 لترا من الماء وفي بعض المصانع يصل الى 75 لترا من الماء. وهي كميات تتأتّى من شركة استغلال وتوزيع المياه صوناد (30 بالمئة) ومن الطبقة المائية لذلك تفقد المنستير سنويا ما بين 4 و5 أمتار من قاعدتها المائية نتيجة كثافة الاستهلاك بالإضافة الى ان النسيج ملوث كبير للوسط الطبيعي من خلال انتاجه كميات من المياه الملوثة الصناعية التي تلقى في الوسط الطبيعي ومن ذلك البحر والأودية والسباخ وغيرها. ومن جهته قال الخبير الدولي في البيئة والتنمية المستدامة إنّ 430 الف متر مربع من المياه الصناعية الملوثة تلقى يوميا في الوسط الطبيعي ومن ذلك البحر. كما قال إنّ الآلاف من النفايات السامة (150 الف طن نفايات من 540 نقطة انتاج) والتي تعرف الإدارة مصدرها وكيفية التصرف فيها تُصرف الى البحر والتربة بتقصير من الدولة في ظل غياب آليات التصرف فيها ورسكلتها. بهكذا وضع أصبح من المنطقي ان يشكّك المصطاف التونسي في جودة مياه الشاطئ الذي يقصده للاصطياف. وفي انتظار البيان الذي تصدره وزارة الصحة العمومية مطلع كل صائفة لتسمية الشواطئ التي يُمنع السباحة بها وتلك التي تكون السباحة فيها ممكنة. ولدى وزارة الصحة العمومية خارطة في النقاط السوداء التي تتسبب في تلوث مياه البحر والمس بجودتها في مختلف الولايات الساحلية. وهذه النقاط السوداء هي إمّا مصانع أو أودية ملوثة تصب في البحر أو مصب المياه المستعملة في ظل غياب آليات الحماية الضرورية لضخ المياه المستعملة بعيدا عن البحر. مجهودات التنظيف في الأثناء تؤكد وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي أنها تطلق منذ شهر حملة التنظيف الآلي للشواطئ استعدادا لموسم الاصطياف ليكون العدد الجملي للشواطئ المعنية 120 شاطئا باعتبار الشواطئ السياحية. وتتمثل أشغال التنظيف في غربلة الرمال وتمشيطها بصفة دورية وبذلك تنفي الوكالة موسمية تنظيف هذه الشواطئ. ويكون التدخل وفقا للوكالة بمعدل عشرة أيام بالنسبة الى الشواطئ العمومية (71 شاطئا) أي بمجموع تدخل في كل شاطئ خلال الموسم الصيفي. أما بالنسبة الى الشواطئ السياحية (49 شاطئا) فتقول مصادر من الوكالة إنها تشهد تدخّلا كل أسبوع ليبلغ مجموع التدخلات 23 تدخلا في كل شاطئ سياحي خلال الموسم الصيفي. وهكذا تكون لدى الوكالة قناعة بأنّ الشواطئ السياحية لها أولوية التدخّل فالمصطاف التونسي لا يبدو صاحب الأولوية رغم كثافة مستخدمي الشواطئ العمومية ولكنّ المنطق الذي تشتغل عليه الوكالة "اقتصادي" بالأساس. وتشير أرقام الوكالة الى ان الكلفة الجملية المتوقعة لأشغال التنظيف الآلي للشواطئ تكون في حدود 1.9 مليون دينار. ويجري تنفيذ هذا البرنامج بالتعاون مع وزارة السياحة ووزارة الشؤون المحلية. وتأتي "شطوط" ولاية نابل في الصدارة التي تشملها عملية التنظيف والتهيئة وذلك بتمشيط وغربلة رمال 16 شاطئا عموميا و23 شاطئا سياحيا تليها ولاية سوسة (ب7 شواطئ سياحية و7 شواطئ عمومية) وولاية مدنين (ب6 شواطئ سياحية و8 شواطئ عمومية) ثمّ ولايات قابس والمهدية والمنستيروبنزرت ب9 شواطئ مشتركة بين عمومية وسياحية في كل ولاية ثمّ ولاية تونس بغربلة الرمال وتمشيط 7 شواطئ سياحية وبن عروس ب5 شواطئ عمومية ثم ولايتيُ اريانة وصفاقس بعدد 2 شواطئ سياحية لكل ولاية. هذه الأشغال انطلقت منذ 20 مارس 2019 في ولايات تونسونابلومدنين (جربة) ومنذ غرة أفريل بالنسبة الى ولاية جندوبةوبنزرتوتونسونابلوسوسةوالمنستير والمهدية ومدنين (جربة). وفي الأثناء ما تزال الشكوك تشكّل شبه قناعة جماعية لدى الكثير من التونسين بأن الشواطئ السليمة لم يتبق منها عدا شاطئ سيدي علي المكّي بغار الملح (بنزرت) وشواطئ المهدية على حد تعبير الكثير من الشهادات التي حصلنا عليها بسبب حالة التدهور البيئي التي تغزو السواحل التونسية وبسبب الانجراف البحري الذي تسبب في تآكل بعض الشواطئ وبسبب البناء الفوضوي الذي حوّل بعض الشواطئ والملك البحري العمومي الى ملك خاص لأصحاب القصور من أثرياء البلاد. محمد علي التركي (مكلف بالمديرية الفنية في وكالة حماية الشريط الساحلي) .. نتدخل في الشواطئ ذات الجودة ما الذي جعل هذه القناعة شبه الجماعية تترسخ في أذهان التونسيين بأن شواطئنا ملوثة؟ طبعا شبه القناعة هذا فيه جانب من الصحة وجانب خاطئ. فوكالة حماية الشريط الساحلي لا تتدخل في المناطق التي لا جودة فيها للمياه. ونحن اليوم نجري أشغال تهيئة وترميم للشواطئ في مختلف الجهات و البداية كانت بحوالي 30 كلم من الشواطئ انطلقت أشغالها منذ 2013 الى غاية 2019 منها اذكر حماية 12 كلم من الشريط الساحلي لجزيرة قرقنة من الانجراف البحري بكلفة جملية ناهزت 13 مليون دينار كما هيأنا كيلومترين من شاطئ مدينة رفراف في مدينة بنزرت بكلفة جملية قدرها 16 مليون دينار وذلك بإحداث شاطئ صناعي باستجلاب 500 الف متر مكعب من الرمال وكذلك تهيئة أربعة كيلومترات من الشريط الساحلي في سوسة الشمالية الممتد من هرقلة الى شط مريم وصولا الى حضرموت بكلفة جملية قدرها 14 مليون دينار ثم تهيئة الشريط الساحلي بسليمان (6 كلم) بكلفة جملية قدرها 23.5 مليون دينار. وسوف تنتهي أشغالها في ديسمبر 2019 لأننا سوف نوقف الأشغال (متقدمة بنسبة 70 بالمئة) خلال موسم الاصطياف. هذه الأشغال تمت بتمويل ألماني (75 بالمئة منها في شكل هبة). كما أننا حمينا الكثبان الرملية في الشريط الساحلي بطبرقة وديماس (المنستير) والمنيرات (المهدية) وجرجيس (شاطئ سنية). هذه الكثبان تم إصلاحها على طول حوالي 4 كلم بكلفة جملية قدرها 200 الف دينار (باستثناء شاطئ سنية الذي ستنطلق أشغاله في الشهر المقبل). كما لدينا مشروع خامس سينطلق في الفترة القادمة لحماية 3 كلم من جنوب القنطاوي بسوسة بكلفة جملية قدرها 15 مليون دينار. كلفة حماية الشواطئ باهظة جدا واذا وُجِدت التمويلات تكون الإنجازات فنحن سنجري دراسات لحماية 90 كلم إضافي من الانجرافات البحرية وتهيئة الشواطئ ومنها كورنيش بنزرت والشريط الساحلي من قمرت الى قرطاج ومن ميناء بني خياربنابل الى ياسمين الحمامات وكذلك خليج المنستير والميناء التجاري من سوسة الى سقانص وشاطئ الكازينو بصفاقس وشاطئ الشفار ولكن الإنجاز يظل مرتبطا بمدى توفر التمويلات. وماهي الشواطئ التي لا تبدو ملائمة للاصطياف؟ المسؤول الأول هو وزارة الصحة العمومية. وكما ذكرت لك الوكالة لا تتدخل في الشواطئ التي لا جودة للمياه فيها. كما أن لدى الوكالة بعض النقاط السوداء التي تشتغل عليها مرتين في السنة على الأقل. وهي بمعدل نقطتين في كل ولاية ساحلية ويكون مصدرها مصنعا أو أودية أو مياها مستعملة تلقى في البحر. وما استطيع التأكيد عليه باعتباري اختصاصيا أننا نعاني من انجراف بحري في حوالي 300 كلم بسبب عوامل طبيعية. وأبرزها التغيرات المناخية. فالانحباس الحراري يتسبب سنويا في معدل انجراف بحري ما بين 35 صم الى متر ونصف وأحيانا مترين في بعض المناطق. كما أن هناك عوامل بشرية تسببت في الانجراف البحري ومنها البناءات على الكثبان الرملية والبناء الفوضوي في الملك العمومي البحري وعلى الشواطئ وكذلك تشييد السدود التي منعت الأودية من نقل الترسبات الى البحر وبالتالي تغذية الشواطئ.