لا يمكن لزائر القاهرة إلا أن يقع طريح عشقها. فكل شيء في عاصمة المعز يأسر النفس، من مآذنها الشامخة إلى عبق التاريخ الذي يفوح من كل ركن وزاوية من زواياها. وإن كان هذا في سائر الأيام فما بالك لو كان الزمن شهر رمضان؟ لا شك ان أغلبنا يحلم بزيارة القاهرة في رمضان، والاطلاع على أجوائها المميزة وعلى عادات أهلنا في مصر في هذا الشهر الكريم الذي يضفي أجواء مميزة في كل مكان من البلاد الاسلامية.فماذا يميز الشهر الكريم في مصر وما هي عادات أشقائنا هناك؟ «الشروق» حملت قراءها في رحلة إلى مصر الشقيقة في أجواء رمضانية مميزة من خلال حديثها إلى السيدة إيمان فوزي حرم القائم بالأعمال للسفارة المصرية بتونس. بكلمات يلفها الحنين بدأت السيدة إيمان حديثها عن رمضان مصر الذي بدا واضحا أنه حرّك بداخلها الشوق إلى الأهل والأحبة في الوطن. استعدادات مثل مثيلاتها في الدول العربية تستعد الأسرة المصرية لرمضان بشكل خاص وذلك بتجديد بعض مستلزمات المطبخ واقتناء ما ينبغي من مؤونة. وفي ليلة رمضان ينتظر المصريون ظهور المفتي بشغف للاعلان عن حلول شهر الصيام لينطلق بعد ذلك مباشرة صوت الفنان الكبير عبد المطلب يصدح بأغنية «جانا رمضان». عند الافطار تجتمع الأسرة المصرية على الطاولة وغالبا ما تكون بحضور أفراد العائلة الموسعة من الأبناء والأحفاد أو الأقارب. وتتميز المائدة المصرية بالتنوع في هذا الشهر الكريم لكن أهم ما يميزها عن غيرها هو حضور الفول ومشروب قمر الدين الذي لا يغيب عن مائدة المصريين بكل فئاتهم. وفسّرت لنا السيدة إيمان نوعية هذا المشروب قائلة انه يتكون من المشمش المجفف الذي يتم غليه في الماء مع السكر حتى يتجانس ثم يقدم باردا. بالاضافة إلى الفول تعد الشربة طبقا أساسيا يرافق كل أيام رمضان إلى جانب الفطائر التي تعوّض البريك عندنا حيث تحتوي على نفس المكونات تقريبا. وبعد الافطار يجتمع أفراد العائلة حول التلفزيون لمشاهدة الفوازير والمسلسلات الرمضانية حول مائدة الشاي والحلويات وذلك قبل أن ينصرفوا إلى خارج البيت لأداء صلاة التراويح في المساجد. حركية مميزة في خارج البيوت تدب في شوارع القاهرة حركية مميزة وأجواء استثنائية تميزها الخيم الرمضانية التي يجد فيها رواد السهر ضالتهم من موسيقى وشيشة وأكلات شعبية. وتتواصل أجواء السهر في مصر حتى الساعات الأولى من الفجر عندها يتجه هواة السهر إلى تناول وجبة السحور التي تعتمد على الفول أساسا، اما النائمون فيستفيقون على صوت المسحراتي الذي يجوب الشوارع مناديا «اصح يا نايم وحّد الدّايم». وتشير السيدة ايمان إلى ان عادة المسحراتي لم تعد منتشرة بشكل واسع مثلما كان الأمر في السابق خاصة الأحياء الراقية من المدن الكبرى. وتحرص العائلات على توجيه الدعوات على الافطار إلى الأقارب وكذلك الجيران خاصة من العائلات المسيحية. وتؤكد محدثتنا ان العائلات المسيحية تحرص على الصيام في ذلك اليوم رغبة منها في مشاركة جيرانها من المسلمين فرحة الافطار، وتقول ان هذا التقليد أصبح ساريا تتبعه أغلبية العائلات في مصر في لمسة تترجم معاني اللحمة الموجودة بين المصريين على اختلاف دياناتهم. كما تنتشر موائد الافطار في كل مكان وهي مبادرة تقوم بها عديد العائلات لصالح الفقراء وعابري السبيل. العشر الأواخر وفي العشر الأواخر من رمضان يكثر المصريون من الدعاء والذكر وتبدأ العائلات في الاعداد للعيد في انتظار انطلاق صوت أم كلثوم عبر أمواج الاذاعة والتلفزيون مرددا أغنية «يا ليلة العيد». وفي ختام رحلة الحنين عادت السيدة إيمان لتحدثنا عن سعادتها بقضاء شهر رمضان بيننا في تونس حيث لا تختلف الأجواء كثيرا إلا في ما يتلعق بالحركية الكبيرة التي تميز سهرات القاهرة وذكرت لنا ان أسوأ ذكرياتها عن رمضان الغربة كان عندما اضطرتها ظروف عمل زوجها لقضاء شهر الصيام في أمريكا حيث الأجواء الباردة الخالية من أي نكهة أو عبق خاص يحمل رائحة رمضان وهو ما يجعل العائلات العربية والمسلمة هناك تحرص على لمّ الشمل خلال أيام رمضان لتخفيف الشعور بالغربة.