السفير الصيني بتونس.. "العلاقات بين البلدين تبشر بمستقبل واعد"    سارة الزعفراني الزنزري: نحو ربط مطاريْ تونس قرطاج والنفيضة بخط حديدي    وزير الخارجية يلتقي السفير الامريكي ويبحث معه العلاقات الثنائية وبرامج التعاون    رئيس الجمهورية يجتمع بوزير الشؤون الاجتماعية للنظر في مواضيع تهم الشان الاجتماعي في البلاد    تطاوين: ارتفاع عدد الاضاحي مقابل ارتفاع في اسعارها بسبب غلاء العلف    مؤسستا البريد التونسي والموريتاني توقعان اتفاقية لتطوير التعاون في مجال الخدمات البريدية والمالية والرقمية    بلعاتي يؤكد في بالي أهمية تعزيز التعاون ونقل التكنولوجيا حول تداعيات تغير المناخ    بنعروس: حجز كمّية من المواد الأولية المخزّنة بطريقة عشوائية    مراسم تشييع الرئيس الإيراني الراحل ورفاقه في مدينة تبريز    سوريا: تشخيص إصابة أسماء زوجة بشار الأسد بسرطان الدم    فرنسا تدعم سعي الجنائية الدولية والمانيا ترحب..و"النواب الأمريكي" يهدد    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة : وليد كتيلة يهدي تونس ميدالية ذهبية ثالثة    الرابطة 1 (مرحلة تفادي النزول): حكام الجولة الحادية عشرة    دربي العاصمة بين النادي الافريقي والترجي الرياضي يوم الاحد 2 جوان القادم    الترجي يدعو جماهيره لاحترام القوانين الجاري بها العمل في مصر    كيف سيكون طقس الأربعاء 22 ماي 2024 ؟    حجز 100 صفيحة من مخدر القنب الهندي داخل منزل بالتضامن    في كمين أمني للفرقة الجهوية للشرطة العدلية بقبلي.. القبض على تاجر مخدرات    المنستير: فقرات ثقافية وتنشيطية وسياحية متنوعة في الدورة الأولى لمهرجان عمر بوزقرو للشركاو    المجمع المهني للصناعة السينمائية يكشف عن خطة عمل ويدعو إلى التعاون من أجل حفظ الذاكرة السينمائية    سوناك يعلن "يوم العار" في بريطانيا بسبب فضيحة فيروس نقص المناعة    مع الشروق .. هذه هي أمريكا... بلا مساحيق !    عاجل/ هذا ما كشفته ايران عن حادث سقوط طائرة "رئيسي"..    مصر.. مصرع 9 وإصابة 9 آخرين في حادثة سقوط حافلة بنهر النيل    المحمدية: الكشف عن مستودع معد لإخفاء السيارات والاحتفاظ بنفرين    صفاقس : نقص كبير في أدوية العلاج الكيميائي فمن يرفع المُعاناة عن مرضى السرطان؟    صفاقس : كشك الموسيقى تحفة فنية في حاجة الى محيط جميل    أوهمهما بالتأشيرة الأوروبية: السجن لشاب تحيّل على طالبين أجانب    سيدي بوزيد: جداريات تزين مدرسة الزهور بالمزونة (صور)    تونس: القبض على 3 عناصر تكفيرية مفتش عنهم    اسناد وسام الجمهورية من الصنف الاول الى الحائز على جائزة نوبل للكيمياء منجي الباوندي    20 مسماراً وأسلاك معدنية في بطن مريض    سيدي بوزيد: برمجة ثرية في الدورة 21 لملتقى عامر بوترعة للشعر العربي الحديث    بضائع مهربة بقيمة 145 الف دينار مخفية في اكياس نفايات!!    في مهرجان "كان": كيت بلانشيت تتضامن مع فلسطين بطريقة فريدة    سعاد الشهيبي تستعد لإصدار "امرأة الألوان"    اضطراب توزيع مياه الشرب بهذه المناطق    رئيس منظمة ارشاد المستهلك يدعو إلى التدخل السريع في تسعير اللحوم الحمراء    البطولة الانقليزية: نجوم مانشستر سيتي يسيطرون على التشكيلة المثالية لموسم 2023-2024    عاجل/ مدير بالرصد الجوي يحذر: الحرارة خلال الصيف قد تتجاوز المعدلات العادية وإمكانية نزول أمطار غزيرة..    قابس: الشروع في التنظيف الآلي للشواطئ    متعاملون: تونس تطرح مناقصة لشراء 100 ألف طن من قمح الطحين اللين    دورة رولان غاروس الفرنسية : عزيز دوغاز يواجه هذا اللاعب اليوم    الموت يفجع حمدي المدب رئيس الترجي الرياضي    السّواسي ..تركيز برنامج المدارس الرقميّة بالمدرسة الابتدائية الكساسبة    إختفاء مرض ألزهايمر من دماغ المريض بدون دواء ماالقصة ؟    اصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب شاحنة خفيفة بمنطقة العوامرية ببرقو    الإعلان عن الموعد الجديد لدربي كرة القدم    زيادة مشطة في أسعار الحجز.. الجامعة التونسية لوكلاء الأسفار توضح    صلاح يُلمح إلى البقاء في ليفربول الموسم المقبل    وزارة الفلاحة: '' الحشرة القرمزية لا تُؤثّر على الزياتين.. ''    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بن علي رئيسا: في المنطلقات والدواعي
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

ينتظر البلاد التونسية حدث سياسي في منتهى الأهمية، وهو الانتخابات الرئاسية سنة 2004، وقد أدرك التونسيون أن ما يفصلنا عن هذا الموعد حيّز من الزمن قصير لا يذكر بمقياس تاريخ الأمم والشعوب. لذلك انشغل الجميع بهذا الشأن من الآن، فظهرت آراؤهم في الصحف والملتقيات والندوات والبرقيات والقنوات التلفزية.
وقد يفضي تدبّر هذه الآراء إلى تصنيفها على النحو التالي :
طائفة قليلة جدّا من النخب السياسية المهاجرة أوالمتخفية أو المهاجرة بعد انفصال عن كراسي السلطة، تعارض ترشّح السيد زين العابدين بن علي للرئاسة سنة 2004 وتسند رأيها على مراجع سياسية محدّدة كالديمقراطية وإن تباينت منطلقاتها الفكرية وتباعدت غاياتها السياسية.
غالبية الشعب التونسي وعامة مكوناته تمسكوا برئاسة بن علي وبترشحه لها مجددا بمقتضى الوعي السياسي الخالص الذي لا تخالطه أهداف غير مصلحة تونس العليا وبمقتضى الاحتكام لمكاسب كثيرة يدركها التونسيون الخلّص بالمعايشة اليومية والمقارنة الساطعة والصدق السياسي به يعبرون عن الموقف فيستغنون عن تعملات الفكر واصطياد الخطب وادعاءات الكتب.
طائفة عريضة من النخب السياسية والفكرية تنتمي إلى التجمع الدستوري الديمقراطي حزب بن علي أو لا تنتمي إليه، تؤمن برئاسة بن علي وبضرورة ترشحه إيمانا يضمها إلى عموم التونسيين وإن هذه النخب العريضة بانضمامها ذاك، تُعدّ ضمير التونسيين الصريح لكونها تعمر بصريح الآراء مدعومها المنشورات والمرئيات والجمعيات والمنظمات، فتأصل بزادها الفكري واقتدارها البياني ما اتجه إليه عامة التونسيين وتجادل تلك النخبة الضيقة العازفة منفردة خارج تراتيب السلم مجادلة رصينة تغنيها مكاسب تونس في عهد بن علي وسعة فكرها الشارب من منهل «التجمع» عن الخطاب المنفعل وعن أي مسلك غير حواري قد تلتقطه تلك الجماعة الضيقة فتجريه عنوة مجرى الإقصاء وفي هذا النطاق ندرج مقالنا هذا :
1 رأس السلطة منطلقا ومرجعا
الأصل في الحكم التداول والدولة لغة من التبدل والتبدل في تاريخ الدول هو دول تستوي ثم تنقرض وعلى أنقاضها تقوم أخرى.
ومجرى التبدل، عبر الأزمنة السالفة، أحوال تاريخ تطوي حكما وتنشيء أخر، وجغرافيا تضبط حدودا ثم تراجعها بنصر التوسع أو بهزيمة الضمور والانتفاء أما آلة التبدل فصراع وحرب بين الكيانات أو داخل الكيان الواحد وأحيانا أرث لحكم فتوسعة لحدوده، أو اضمحلال لمجاله.
لكن هذا المرجع المستمد من صميم القدم ومنعرجات التاريخ قد ولى زمانه وصار تاريخا لغيرنا مثلما هو تاريخ لأرضنا في بعض حلقات ماضيها. أما اليوم فتونس دولة تحكمها مؤسسة رئاسة مدنية وهي بلد مستقل محدد التاريخ والجغرافيا تتدبّره دولة تؤلفها هياكل ومؤسسات من جنس ما انتهى إليه التدبير السياسي المعاصر، ومن صميم ما توافقت عليه الأطراف الاجتماعية المؤهلة لذلك، وما استقر لها من الخيارات المستمدة من خصائص بلادنا ومن منجزات الإنسانية. لذلك وجب التطرق لشأن الرئاسة في تونس من حيث هي مؤسسة مدنية تنعقد على المؤهل لها انعقادا يشرعه الدستور وخيار الشعب السياسي فسواء أكان الرئيس الحبيب بورقيبة أم زين العابدين بن علي فإن الرئاسة آلت إليهما تباعا بطريقة مدنية قامت على روح المؤسسة وبدواع تاريخية صاغها الولاء الشعبي لرجلين يكمل اللاحق منهما منجزات السابق ويتعهدها بالتغيير والتطوير، وبالخلق على غير سبق.
وإذ يمسك الرئيس بن علي اليوم بزمام السلطة مسكا نطلب إليه تجديده سنة 2004، فإنما هو في نطاق توازن مدني بين السلطات الثلاث وفي إطار تمشّ سياسي يتّجه رأسا إلى ما تتجه إليه مطامح التونسيين ومصالحهم.
وهذا الذي نذكر على بداهته تتجاهله تلك الفئة الضيقة فتشكك في إجماع التونيسين على ترشح بن علي مُتعلّلة بخلفية ذات واجهتين واجهة مدنية عمادها الديمقراطية وأخرى تشريعية عمادها الدستور.
2 ترشح بن علي إجراء ديمقراطي
أ الديمقراطية مرجعا :
تقترن الديمقراطية بقمة السلطة التنفيذية من زوايا عديدة منها التمشّي الذي يؤدي بالرئيس إلى الرئاسة : رئاسة الجمهورية حسب المنوال التونسي أو الفرنسي، رئاسة الحكومة حسب المنوال البرلماني الانقليزي مثلا، رئاسة الإدارة الفيدرالية حسب المنوال الأمريكي.
ويتبارى المترشّحون على نيل أصوات الناخبين فيعرضون عليهم برامجهم ويبشّرونهم بالوعود التي تنفذ بعد الفوز أو لا تنفذ والمغزى من هذا هو تكريس «حكم الشعب» على نحو ما توحي به الديمقراطية لغة وما اشتقّ منها على وجه الاصطلاح وتداعيات المفهوم الإجرائية.
وإن هذا المنهاج المعلوم هو ظاهر الديمقراطية في علاقتها بقمة السلطة التنفيذية.
ذلك أن عمق الديمقراطية من هذه الزاوية يكمن في حرص المنوال المجتمع الغربي على حفظ التعايش بين مختلف الطبقات والفئات والجماعات والأجناس والثقافات.
فالنص التشريعي عندهم يكفل في الظاهر لكل فرد حق اختيار الحاكم اختيارا حرا وحق الترشح للحكم.
وتحقق عملية الانتخاب دوريا، بعد أربع سنوات أو خمس أو سبع، قدرا كبيرا من الاستقرار في المجتمعات الغربية إذ تتوهم الشعوب أنها هي التي تتوج هذا المرشح حاكما وتطيح بذاك دون أن يتدخل في خيارها أي عنصر مؤثر أو أية قوة دافعة.
وتمتصّ هذه العملية الدورية كل مظاهر العنف التي يمكن أن تسكن خواطر الشعوب حين تغضب على الحاكم في المجتمعات الغربية أو على الحزب المنحدر منه دون أن تدرك كل الإدراك أن ذلك الحاكم ليس إلا جزءا من آلة المؤسسة الكبرى، مؤسسة الدولة الغربية.
فالموعد الانتخابي هو أداة دورية تحقق التنفيس الجماعي، إذ تعبر أثناءه الشعوب الغربية عن موقف سياسي بواسطة صناديق الانتخاب وعن رأي في رجل سياسة وفي خيارات سياسية. ولا تهتدي تلك الشعوب بوضوح إلى أن تلك الخيارات لا تخرج إطلاقا عن الأسس الكبرى التي يقوم عليها المنوال المجتمعي الغربي. وتضائل عملية الانتخاب من مقادير التناقض بين الأفراد والدولة الغربية إذ يُزرع في أذهان الجمهور أن لهم دورا هاما في خيارات الدولة بصفتهم الأصوات التي بها يدرك المرشحون قمة السلطة التنفيذية.
وإذا هدّد حاكم استقرار المجتمع الغربي أو عرّض للخطر نمط التعايش بين مكونات النسيج الاجتماعي امتصّت عملية الانتخاب الاحتقان وأنشأت أسباب السلم الاجتماعية ومفاد ذلك أن تُعلّق أسبابُ الاحتقان بشخص الحاكم الغربي تعليقا جائزا أو جائرا فتطيح به الانتخابات إن جدد ترشحه أو يتنحّى عن السلطة لينفتح باب الانتخابات.وفي الحالين يتراخى حبل الضغط الجماعي وينفرج الاحتقان ويحفظ المنوال المجتمعي الغربي ونواميس اسمراره وقد نمثل على ذلك بقضية «واترغيت» التي أفضت إلى استقالة الرئيس الأمريكي السابق «نكسون» بعد فترة من الضغط الإعلامي والشعبي.
وإنّ هذه الأهداف وفق المرجع الديمقراطي الغربي نفسه تقترن بطائفة من الشروط التي تبلورت في المجتمعات الغربية بالتدرج وبتراكم الممارسة والتجربة. من ذلك نشأة المواطنين على العقلية الانتخابية وقبول نتائجها وعلى وعيهم أن المترشح ومنافسيه لا يخوضون حربا بل منافسة يضمها مجتمع واحد وتتّجه إلى مقتضيات دولة واحدة، وعلى إيمانهم بأن انقسامهم على مرشحين أو أكثر ينبغي أن يبقى انقساما انتخابيا يزول بإعلان النتائج ولا يطال وحدة المجتمع أو يعرضها للاهتزاز.
فالديمقراطية، من جهة علاقتها بقمة السلطة التنفيذية، إنما هي ضرب من الوفاق الجماعي على قواعد واضحة، تمنع أن ينعقد التنافس خارج دائرتها، وتفرض أن يسير ذلك التنافس في اتجاه الأهداف المجتمعية العامة. والمحافظة على حدود العلاقات بين المترشحين وأتباعهم.
فالمترشحون لقمة السلطة التنفيذية غالبا ما ينحدرون من أحزاب يؤلفها أتباع ومناصرون. وتمتلك الأحزاب أهلية وتجربة لترشّح من تراه أهلا لذلك، ولتدفع أتباعها الى التصويت له، بعد أن علّمتهم الحرص على الفوز بقدر الحرص على قبول الهزيمة والالتفاف حول الفائز لكونه قد صارا رئيسا للجميع، في ضوء مؤسسات دولة تسيّر الجميع، وتضمن قواعد الوفاق بين الجميع.
ولكن هل يتحقق ذلك الوفاق بين مختلف مكونات المجتمع الغربي على قاعدة المساواة؟ وإذا تجاوزنا دائرة المنوال الغربي، واتجهنا الى أنماط الاجتماع البشري على الصعيد العام، وأدرجنا بلادنا تونس في ذلك الصعيد العام، فهل لقواعد اللعبة، الديمقراطية أن تسلم من المآخذ؟
يمنحنا المرجع الغربي، بصفته الضليع في ديمقراطية خاصة به يريدها كونية حق القول: إن الديمقراطية هذه ليست خيرا محضا ولا فضيلة خالصة، ولا نمطا سياسيا سحريا يشيع الرخاء حيثما حلّ، ولا قواعد نزيهة محايدة خالصة من نفوذ الهيمنة الطبقية في المجتمعات الغربية. فهي لعبة مجتمعية معقدة وعميقة الغور وبعيدة المرامي:
يبدو التنافس الديمقراطي على السلطة تنافسا بين أفراد سيحكمون شعبا غربيا بعد أن يمنحهم الشعب أسباب الحكم ذاك.
لكن التنافس، في العمق، هو صراع شرس بين أحزاب محدّدة ورؤى ثقافية واستراتيجية محددة.
فلكل مرشح حزب أو جماعة، فهو ينطلق من مزيج مركب يتألف من نفوذ مالي للتمويل والة اعلامية للدعاية وقاعدة جماهيرية تحركها بخفاء وذكاء قوة المال وسلطة الاعلام. وغالبا ما تسند ظهر هذا المترشح الغربي أو ذاك مؤسسات مالية بعينها أو مجموعة من أثرياء نشاط اقتصادي ما إسنادا يكون بمقتضى اتفاق مسبق على جملة من الأهداف والتوجهات يتعهد بتنفيذها المرشح حين ينجح لفائدة تلك المؤسسات أو أولئك الأقطاب. وغالبا ما ينجح المترشح بمقدار قوة المساندين له وحسب قدرتهم على توجيه القاعدة الناخبة والتحكم في آرائها وخواطرها وميولها. وإن الرأي العام الغربي الذي يرى نفسه سيد العملية الانتخابية وصانع نتائجها، غالبا ما يكون واهما. فهو الذي يساق الى ما تريد تلك القوى سوقا بواسطة المال الذي ينفق فيه الحملات الانتخابية المنظمة بإحكام ومنهج ودرس، وبواسطة الآلة الاعلامية تعاضد إنفاق المال وتهتدي بسطوته ونفوذه وإغداقه عليها. وقد تكون المؤسسات الاعلامية ذاتها جزءا من القوى المالية المساندة لهذا المرشح أو ذاك.
ويعجّ المنوال الغربي الأمريكي بهذه الأمثلة، نحو مساندة مؤسسة مشروبات لمرشح ما شريطة أن يفتح لها سوقا آسيوية شديدة الكثافة كانت تمنعها عليها أسباب سياسية، ونحو أن يحفظ مرشح آخر لأقطاب صناعة السلاح القوانين التي تجوّز للفرد الأمريكي اقتناء السلاح رغم ما أدى إليه هذا التجويز من جرائم وكوارث، ونحو أن يتعهّد المرشح الأمريكي بالاستمرار في تدليل «إسرائيل» مقابل أن تسانده طغم الصهيونية بنفوذها المالي والاعلامي.
فالأحزاب التي ينحدر منها المرشحون وإن تمرّست بالربح والخسارة تمرّسا ديمقراطيا، إنما هي الوجه السياسي الجليّ الذي تقف خلفه بخفاء ودهاء طبقات المال والأعمال. فوراء الحزب الجمهوري الأمريكي قوى الصناعة الكبرى ووراء الحزب الديمقراطي قوى الزراعة والمتحكمون في الأقوات أمريكيا ودوليا. ووراء الجميع مصالح دولة ومنوال مجتمعي مخصوص.
وعلى المحور النمطي نفسه تجري الأمور في أنقلترا بين حزبي المحافظين والعمال وفي فرنسا بين أحزاب اليسار وأحزاب اليمين. ووراء هؤلاء وأولئك رؤوس أموال «عريقة» تواجه أثرياء جددا أو أثرياء تعلقت مصالحهم بما وراء حدود بلدانهم تعلقا رئيسيا. وعلى الجميع تتوزع النخب المثقفة والطبقات الوسطى تدفعها الى هذا الانتماء أو ذاك هواجس فكرية وثقافية وعنصرية واجتماعية.
وغالبا ما تكون تلك الهواجس محكومة بالتذبذب وأحوال اللحظة وبمؤثرات الظرف وسطوة التوجيه الاعلامي والثقافي.
ولما كانت الديمقراطية الغربية لعبة سياسية تَمرَّسَ بها أهلها فتكرّست عندهم، خضع لنتائجها الجميع وإن اتجهت الى ما يناقض أهدافها الشائعة في مفاهيمها النظرية القارة وإلى ما ينفي مغازيها المركزية المعلنة: فأي مغزى لديمقراطية غربية تُغلّبُ مرشحا على آخر ببضعة آلاف من الأصوات في مجتمع يتألف من مئات الملايين، وتبلغ نسبة المشاركة في الانتخابات 15؟ فهذا يعني أن الرئيس قد باركه «ديمقراطيا» نحو 7.6 من مجموع السكان.
أفلا يكون منفذ انقلاب عسكري في إفريقيا السوداء مدعوما بإرادة عسكرية يفوق مقدار تمثيلها 7.6.
ولكن تلك قواعد اللعبة الديمقراطية الغربية، وهي جزء من نسيجهم المجتمعي المخصوص ومن آلية التداول السياسي لديهم.
ب : خصائص تونس ومؤسسة الرئاسة
بناء على هذا المرجع الديمقراطي الغربي الذي سقنا خطوطه الكبرى باختصار، تستخدم تلك الفئة القليلة ما يتيسر لها من وسائل الاعلام، لتشكك في ديمقراطية تمسك التونسيين بترشح بن علي سنة 2004، وبمقتضى هذا المرجع نفسه نجادلهم في مذهبهم هذا:
إذا استخدمت تلك الفئة الديمقراطية من حيث هي تثبيت لحكم الشعب يختار من يحكمه، فإن الشعب التونسي قد اختار بن علي رئيسا ومازال مصرا على اختياره هذا. فقبل أن يعلن رئيسنا عن الترشح للموعد الانتخابي القادم سنة 2004، سبقته إليه إرادة شعبية صادقة.
وقد ترجم هذه الإرادة إجماع شعبي انخرطت فيه القاعدة الشعبية والمنظمات والجمعيات وسائر الهياكل المدنية. فإذا أرادت تلك الفئة وصاية على الشعب التونسي باسم الديمقراطية، ناقضت وصايتها تلك الديمقراطية ذاتها، لأنها تتصدّى لخيار شعب وتنفي عنه أهليته لاختيار من يحكمه، وتتدخل في إرادته الجماعية التي لا يجوز لأحد أن يفوض نفسه ناطقا باسمها معبّرا عن خلافها، ثم إن الموعد الانتخابي القادم، سيثبت هذه الإرادة، فمكونات الشعب التونسي ما انفكت تناشد الرئيس بن علي أن يترشح سنة 2004، فقد تأكد لهذا الشعب النضج الذي يؤهله للإلتفاف حول رئيسه التفافا واعيا صادقا. إذ يعلم هذا الشعب المستنير ما حققه زمن التغيير من المكاسب وما يخطط لتحقيقه لاحقا. فلا حاجة للرئيس بن علي الى حملة انتخابية بالمعنى الغربي يعرض فيه مشاريعه وبرامجه ووعوده ليستقطب الأصوات. فمشاريعه وبرامجه تشهد له بالمنجز منها وبما تعلقت همته بإنجازه. ووعوده هي من صميم ما دأب عليه. فهو ينفذ ما يعد به ويسبق بالأفعال الأقوال بحكمة وتبصّر. ويكفي أن نتذكر خطبه في المناسبات الوطنية ونستحضر انعقادها أفعالا ووقائع، لنؤمن بأن ما بين رئيسنا وبين شعبه عقد حب وولاء وصدق.
لقد عقد الشعب التونسي الرهان على الرئيس بن علي، وأدرك أن مفصل التغيير سنة 1987 هو حدّ بين عهدين: عهد حقّق مكاسب وأربك أخرى، وعهد جديد عمّق المكاسب وصوّب المربك واتجه الى الإتقان به يخلق للتونسيين مقتضيات الحياة الكريمة.
فعشرية ونصف من الزمن ومضة في تاريخ الشعوب لكن هذه الومضة، سنوات التغيير، حوّلت من حال إلى حال مدنا وقرى وبنى ومستويات عيش وخيارات تعليم ومفاهيم وتشريعات. وقد أدرك الشعب التونسي هذه التحولات الرائدة التي تفوق مصادر البلاد وإمكاناتها، لولا حسن التدبير الرئاسي، فتشبث بأن يستمر صانعها رئيسا بعد سنة 2004. فما الذي تنتقض به الديمقراطية، هذه التي تتعلّل بها تلك الفئة الضيقة المنحرفة عن إرادة الشعب! فهل تقدر مفاهيمهم القادمة من الكتب المنسية على إطعام التونسيين وتشغيلهم وعلاجهم وتعليمهم ونقلهم والترفيه عنهم والذّود عن حقوقهم الانسانية! ألا تكون الديمقراطية التي تحقّق كل هذا بقيادة بن علي هي الاولى بأن تجري مجرى المرجع!
إن هذه الغايات الاكيدة والنبيلة هي هواجس رئيسنا، لأنها من صميم أسباب الحياة ونهضة الشعوب. وبهذه الهواجس التي تعبر عن رئيس لا ينصت الا لنبض حياة التونسيين الكريمة تمسّك الشعبُ بترشح بن علي تمسكا ديمقراطيا خالصا، لا يحوجه لأي درس في الديمقراطية من أي كان.
وإذا استندت تلك الفئة المعزولة على كون التداول على قمة السلطة التنفيذية هو شرط ديمقراطي يكفل للحياة المدنية انعقادها وللحياة الاجتماعية استقرارها، انبنى استنادها ذاك على فرض نظري لا ينفق على بلادنا وعلى منزلة رئيسنا فيها. فلمّا انعقد الاجماع على ترشيح بن علي، فإنما لتتواصل اسباب الاستقرار وأسس الامن، وليكون استمرار بن علي رئيسا هو البديل عن الاستقرار بالتداول. فإذا كان الاستقرار بالتداول مطلبا نظريا بين طيات الكتب، فإن مطلب شعبنا في واقع الحياة هو استقرار باستمرار بن علي رئيسا بعد 2004 بواسطة صناديق الاقتراع.
وهذا المطلب الجماعي المتأكد هو الاولى بالاتباع، وهو بهذا تعبير عن الديمقواطية نصا ومغزى. فلا معنى لمرجع ديمقراطي نظري اذا صادم ارادة الشعب بما هي ارادة ديمقراطية، ولا مغزى لمفاهيم حين ينقض نصّها النظري الجامد روحها النابضة في واقع الحياة ومغزاها العميق في احوال المعاش. فليست محل مزايدات مصالح بلادنا العليا ولا خصائصها المحددة التي تميزها وجوبا من البلدان الاخرى.
ولئن عدت بعض البلدان مراجع ديمقراطية، فإن لديمقراطيتها تلك تفاصيلها الجاهزة وجزئياتها المحددة. وبالجزئيات الجاهزة والتفاصيل المحددة، تكون الديمقراطية وقائع واحوال ومراسا في تلك البلدان، لكنها، بكل تلك التفاصيل وتلك الجزئيات، انما تأخذ طابعا نظريا عندنا في بلادنا. إذ هي في هذه الحال، مصدر قيمة سياسية كبرى، تتضمن الجزئي المخصوص وتتوفر على المغزى الكوني العام والهدف الانساني المركزي.
وإن القيم السياسية الكبرى إنما بمغزاها تقاس وبهدفها المركزي تحدّد. أما خصائصها الجزئية فمن مشمولات منازل تلك القيم في احوال المجتمعات المخصوصة. ولا جدال في ان مغزى الديمقواطية من جهة صلتها بقمة السلطة التنفيذية يكمن في تثبيت ارادة الشعب وان هدفه هو حفظ المنوال المجتمعي وتدعيم استقراره.
وإذ اختار التونسيون بن علي مرشحا اختيارا شعبيا حرا، فقد ثبّتوا قيمة سياسية كبرى هي الديمقراطية، وحققوا مغزاها الرئيس وهو تكريس ارادتهم وانجزوا هدفها المركزي وهو الذود عن استقرار البلاد وعن كل ما قد يربك مسار نمائها.
أما استخدام تلك الفئة المهجورة لفكرة ان ترشح بن علي ينافي توسيع دائرة الترشح امام الافراد والاحزاب على نحو ما تقضي به الديمقراطية فإن ما استخدموا مردود عليهم لاسباب ثلاثة على الاقل.
أما السبب الاول، فمفاده ان ترشح بن علي الذي يطلبه اليه الشعب، هو مطلب شعبي لا يغلق الابواب في وجه من يرغب في الترشح. فهل يوجد أي نص تشريعي تونسي يمنع اي مواطن من الترشح لرئاسة تونس؟ ألا تعلم تلك الفئة أن من التونسيين من سبق له الترشح في عهد بن علي!
إن الأمر هو ارادة شعبية تعلقت برئاسة بن علي تعلقا شعبيا وديمقراطيا وتمسكت بترشحه سنة . فأي ذنب سياسي اقترفناه حين اخترنا بن علي دون غيره وحين احتار غيره في من يختاره! فالاجدر باشخاص تلك المجموعة ان يحترموا المطلب الشعبي التلقائي بصفته ظاهرة ديمقراطية، ومن رأى منهم الكفاءة والاشعاع فبينه وبين الرئاسة صناديق اقتراع وموقف شعب. فهل تظهر الديمقراطية فعلا في هذا الخيار الشعبي التونسي الخالص او في خيار يأتي من وراء البحار ومن هناك مصدره؟!
بل ان صوت هذه الفئة، في هذه الزاوية، يثبت وعيها المضمر بأن اهلية بن علي لرئاسة تونس لا ينازعه فيها احد، لذلك تعارض ترشحه لانها لا تقوى على فوز ديمقراطي وانما تبحث عن فوز تعيس، فوز بالغياب، ولكن أنّى لها ذلك!؟
فنحن جميعا، نعلم ان رئيسنا قد تمرّس طيلة عشرية ونصف بحاجيات البلاد، وخبر قضاياها واهدافها، وقبل ذلك تدرج في سلم المسؤوليات تدرجا دقيقا حاذقا. ففضلا عن السابق من المهام داخل تونس وخارجها، فإن آخرها مدير عام للامن. ثم كاتب دولة ثم وزير ثم وزير دولة ثم وزير اول ثم رئيس جمهورية. فهل ثمة ما يفوق هذا التدرج تعبيرا! عن سابق كفاءة وقدرة؟! وهل كتب لاي تونسي غير رئيسنا ان يتدرج في سلم المهام على هذا النحو التصاعدي من جهة ما يراكم من الخبرة ويعمق من المهارة؟!
أما السبب الثاني، فمداره على الاهلية الحزبية، اذ تبني تلك الفئة دعواها الواهية على ان توسيع دائرة الترشح للرئاسة توسيعا ديمقراطيا، تعني ان تتداول على السلطة الاحزاب المؤهلة، فترشح زعماءها ترشيحا يفضي الى مسك السلطة.
وقد نسيت عناصر تلك الفئة المعزولة ضرورة ان تكون الاحزاب تلك متقاربة من زوايا اساسية: متقاربة من حيث اهلية زعمائها للترشح باسمها، ومن حيث الاشعاع والقاعدة الشعبية ومن حيث دربة اطاراتها على شؤون الادارة او الاستعداد الجدي لتلك الشؤون على الاقل.
فهذا التقارب في هذه النواحي هو الذي يحقق للاحزاب المتنافسة اهلية التداول على السلطة التنفيذية. وفي مراجع الواقع الاخر، يتداول على السلطة من باب التقارب المحافظون والعمال في انقلتراوالجمهوريون والديمقراطيون في امريكا والديغوليون والاشتراكيون في فرنسا.
لكن هذه الاهلية الحزبية الموزعة على اكثر من حزب في مراجع اجنبية لامحل لها من واقع الاحزاب في تونس. فالتجمع الدستوري الديمقراطي هو الحزب الوحيد الذي يتمتع باهلية قيادة البلاد اهلية مطلقة. ففي رصيده محاربة الاستعمار وقيادة الحركة التي اضطلعت بذلك الواجب، وانتزاع الاستقلال ثم قيادة تونس المستقلة بتأسيس قواعد الدولة الحديثة ثم انجاز التغيير الذي جنّب البلاد الانحراف الى مزالق خطيرة سنة 1987 وتحمل امانة قيادتها في ضوئه. فإلى هذا الحزب الرائد انتسب الثعالبي وبورقيبة وبن علي. ومثّل كل واحد حلقة ألّفها هو ومرافقون له ومساعدون. وإذا أحال الثعالبي وبورقيبة ومن معهماعلى حلقات من تاريخنا ولّت، فإن بن علي هو حاضر تونس وغدها. فهو قوة الدفع التاريخية التي آلت «بالتجمع» الى أن يصبح «التجمع الدستوري الديمقراطي» من قبيل التجاوز التاريخي «للحزب الاشتراكي الدستوري» وقبله «الحزب الحر الدستوري». فمثلما تمسك هذا الهيكل العريق ب «حرية» البلاد إذ كان ذلك سيد المطالب، ومثلما تمسك ب «اشتراكية» اجتماعية كانت اقتضاء لا فكاك منه، فهو اليوم الامين على «حرية» البلاد وعلى «اشتراكية» التضامن بين افرادها، وهو اليوم بالاضافة الى كل ذلك، هيكل وطني موسع «تتجمع» فيه كل القوى النيرة التي تدين بالولاء لرجل يتزعمه لينسج للبلاد طابعها «الدستوري» و»الديمقراطي» بما في المصطلحين من محمولات دولة القانون والمؤسسات والحريات رؤية حزبية وممارسة ادارية.
أما الأحزاب الاخرى وإن أثثت الصورة السياسية في تونس، فقد بقيت دوما الهامش السياسي المحدود الذي لا فعل له ولا تجربة ولا اشعاع. وتنطلق هذه الاحوال على تلك الاحزاب ماضيا وحاضرا.
ولا يجوز ان تتوزع أهلية قيادة البلاد على أحزاب، يقاس بعضها بملايين الاتباع ويقاس بعضها الآخر بالعشرات في أحسن الاحوال.
ينبغي على اي حزب يود ترشيح أحد رجاله لقمة السلطة ان تتوفر فيه جملة من الشروط تؤهله لذلك الدور. وليس الاشعاع وتوسع قاعدة الاتباع عنصرا محددا في موازين القوى بين الاحزاب فحسب، بل هو خاصة شرط أساسي به يتسنى لأي حزب مسك السلطة. فبهذا الشرط وما ينضاف اليه من ريادة الزعيم ودربة الاطارات يمسك الحزب بالسلطة مسكا مأمونا قائما على أسباب الاستقرار والامن. ولو لم يكن ذلك كذلك، فإن أسباب الامن والاستقرار تصبح غير أكيدة. ومتى لم تتحقق هذه الأسباب فقد النموّ الحضاري قاعدته الاولى.
وإن التجمع الدستوري الديمقراطي هو وحده الذي يمتلك تلك الأسباب والشروط. فلرئيسه شرف رئاسة البلاد وانقاذها من الزيغ عن مسار الامن والتنمية. ولإطاراته تجربة تسيير هياكل البلاد، ولقواعده الثقل البشري الذي يضمن الاجماع على الخيارات الوطنية والذود عن استقرار البلاد وعن سلامة نسيجها الاجتماعي.
كما استوت لقيادة التجمع المركزية البصيرة السياسية النافذة التي تستمدها باستمرار من معين الممارسات والدربة ومن منهل التمرس بأهداف البلاد، مهتدية برؤية رئيسها ورئيس التونسيين.
واذ رأت تلك القيادة المجانسة لسائر هياكل التجمع في رئيسنا المرشح للرئاسة سنة ، فإنها بذلك تعلم أنها تحقق ديمقراطية الاستقرار تحفظها ديمقراطية الاغلبية المتجانسة كالبنيان المرصوص وراء زعيمها الفذ بن علي.
وفي المقابل كأن تلك الفئة المعزولة قد انقلبت لديها مفاهيم الديمقراطية، فارتأت أن تتسلط الاقلية المطلقة على الأغلبية المطلقة، ليقود البلاد حزب لا يعمر أتباعه عربة قطار واحدة على حساب حزب يقوده بن علي ويعدّ أتباعه بالملايين وتتجمع في نسيجه كل قوى البلاد النيرة وجمهور نخبها المشعة فضلا عن الرصيد الجماهيري المذهل. ألا يكون ذلك التسلط الذي تزينه تلك الفئة ببرد الديمقراطية مطلق الدكتاتورية؟
وهل يجادلنا أحد في أن هذا التسلط لو حصل، سيهز أركان البنيان الاجتماعي في البلاد ويهدد أمنها واستقرارها.
ولا شك في ان تلك الفئة تدرك هذا الخطر. لذلك تبحث عن القرائن الواهية تزينها لتسوق اليها البلاد. فهي تعلم جيدا ان العقلية الانتخابية التي أشرنا اليها سابقا والتي تتأتى خاصة من التقارب في موازين القوى بين الاحزاب غير مضمونة في بلادنا، طالما ان الأهلية الحزبية لا تتوفر الا في التجمع وان التجمع لا يقاربه اي حزب آخر أتباعا واشعاعا وثقلا بشريا. وبكل هذا الثقل اختار التجمع بن علي مرشحا مثلما اختاره رئيسا وهذا الاختيار هو من اختيار الشعب التونسي.
أما السبب الثالث فمحوره أهلية الرئيس بن علي داخل أهلية حزبه، التجمع الدستوري الديمقراطي ومابين الاهليتين من تجانس وتوافق. فعبر احدى القنوات التلفزية ادعى احد أفراد تلك الفئة ضلوعا في الديمقراطية، فعاب على هياكل التجمع ومنظماته تمسكها بترشح بن علي. وإن هذا الرأي يخفي ايمان صاحبه بأن قوة التجمع من قوة رئيسه وقوة التفاف الشعب حوله. لذلك حاول صاحبه أن يسلل القول الى التجمع من الداخل بصيغة مبهمة لكن مرماها لا ينطلي على أحد.
فأية ديمقراطية هذه التي تخول لفرد يعيش خارج البلاد ان يتدخل في شؤون حزب هو «التجمع» بكل تاريخه وتجربته وثراء رصيده السياسي والاداري وان يحشر رأيه في خيار حزب هو من خيار شعب. فليس التجمع حزب طبقة بعينها أو أصحاب نشاط محدد، وإنما هو هيكل موسع منتفح لكل القوى النيرة. فهو ليس جزءا من الشعب كما هو شأن الأحزاب في المراجع الغربية وانما هو متجذر في التونسيين كافة ورئاسة بن علي له هي من رئاسته للتونسيين كافة. ولا أحد يستطيع ان يتمثل خصوصية تونس الا إذا كان منغرسا في عمق تميزها الذي يتأبى على التنظير الجاهز الجامد. فالرئيس بن علي والتجمع والشعب التونسي ثالوث تشده علاقة لا مثيل لها سواء أكان ذلك في مراجع الوقائع أم في مظان الكتب. فمثلما لا يقيم المواطن التونسي «البسيط» اي فرق بين رئاسة بن علي للتجمع ورئاسته لتونس، فإن ذلك المواطن لا يفرق أحيانا بين مقرات التجمع ومقرات الادارة. ولا توجد هذه الظاهرة الطريفة الصادقة على هذا النحو التلقائي الا في بلادنا. وهي العبارة الارقى عن تعاقد وطني صادق بين رئيس وحزب وشعب. فهل تترك هذه الظاهرة المعبّرة مجالا لأصوات قادمة من بعيد لا تعلم غير رجع صدى أصواتها؟!
الخاتمة
لقد وجد الشعب التوسني في السيد زين العابدين بن علي رئيسه المنشود. فهذا الشعب الصغير عددا، عريق في الحضارة راسخة أقادمه في التاريخ منفتح لرياح التفاعل والتلاقح، متجانس لغة وعرقا ودينا ومذهبا وثقافة. ولما اختار هذا الشعب رئيسه بن علي فقد اختار أسباب الغد المشرق لبلادنا. فمصلحة تونس العليا من رئاسة بن علي. ومصير تونس هو مصير ناشئتنا وأجيالنا القادمة التي لا تغفر لنا إن نحن أخطأنا.
وإن اجماع التونسيين على الرئيس بن علي هو اجماع على السداد والصواب. وسيكون الموعد الانتخابي القادم موعدا مع رجل الاستقرار في بلاد يطيب فيها العيش وتزهر فيها أسباب الفرح بالحياة.
هذه إذا خواطر جادلنا بها تلك الفئة من جهة الخلفية السياسية المتمثلة في الديمقراطية.
صالح مصباح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.