في شتى دول العالم، يُقاس حجم التطور والنمو الاقتصادي والاجتماعي بجودة النقل فيها سواء تعلق الأمر بالنقل العمومي او بالنقل الخاص، وهي قاعدة عالمية يمكن اكتشاف مدى صحّتها بمجرد القاء نظرة على مختلف التجارب العالمية في هذا المجال. فعديد الدول تستمد اليوم قوتها الاقتصادية ونماءها الاجتماعي من تطور جودة النقل فيها، برا وبحرا وجوا وخاصة النقل الحديدي. وفي تونس، يتواصل منذ سنوات وإلى حدّ الآن تجاهل هذا القطاع الحيوي فكانت النتيجة أن أصبح النقل عبئا ثقيلا على معيشة الناس وعلى الدورة الاقتصادية بدل أن يكون مساهما بارزا في خلق الثروة وفي تحقيق النمو كغيره من القطاعات.. ويعيش التونسيون اليوم حالة غير مسبوقة من تردي خدمات النقل وهو ما أصبح يتسبب في حالة من الاحتقان الاجتماعي والغضب الشعبي فضلا عن حالة عامة من الاستياء لدى مختلف الفاعلين الاقتصاديين.. فالنقل العمومي يُعدّ اليوم من أبرز معطّلات النمو في البلاد بما ان المواطن أصبح يتحاشى التنقل لقضاء شؤونه سواء الخاصة او التي تهم مجال عمله ونشاطه، ويتكبد مشقة كبرى للوصول الى مقر العمل شأنه شأن المؤسسة التي أصبحت بدورها تعاني من ارتفاع تكاليف نقل السلع بسبب عدم وجود شبكة متطورة للنقل الحديدي للبضائع وأيضا من ظاهرة تأخر وصول العاملين فيها الى مقر العمل في الأوقات المضبوطة. لم تنجح الدولة على مرّ السنين وإلى حدّ الآن لا في تطوير النقل العمومي البري ولا النقل الحديدي ولا النقل الجوي ولا النقل البحري، لأن ذلك ظل ضمن آخر اهتماماتها .. فأغلب هذه القطاعات تعاني من تآكل الأسطول ومن فساد كبير وخاصة من سوء الحوكمة والتصرف وهو ما جعلها تتخبط دائما في اللخبطة والفوضى التي لم يعد يقبلها التونسيون خاصة في ما يتعلق بعدم احترام توقيت السفرات والحالة المتردية للحافلات والقطارات وعربات المترو والطائرات.. وكل ذلك يدفع إلى التساؤل لماذا تعاني المؤسسات العمومية الناشطة في قطاع النقل العمومي دائما من الإفلاس ؟ أليست لها مداخيل قارة متأتية من معاليم النقل والتي من المفروض ان تكون كافية بالنظر الى كثافة النشاط اليومي لنقل المسافرين. وأكثر من ذلك أصبحت الدولة غير قادرة اليوم على التحكم في النقل الخاص المنظم الذي اصبح يعيش بدوره حالة من الفوضى غير المسبوقة نتيجة ما أصبح يحصل فيه من ممارسات أثارت احتقان وغضب المواطن. وكان على الدولة ان تتدخل قبل فوات الأوان لمزيد ترشيد هذا القطاع من خلال الاستماع لهياكل المهنة وفرض تطبيق القانون بكل صرامة وجرأة حتى لا يتحول من نعمة إلى نقمة.. ومازاد الطين بلة هو ما اصبح يواجهه المواطن اليوم من معاناة عند الرغبة في استعمال السيارة الخاصة بدل النقل العمومي و تلك الحالة المتردية للطرقات والاكتظاظ الكبير الذي أصبحت تشهده العاصمة والمدن الكبرى فضلا عن الغلاء غير المسبوق في أسعار السيارات وقطع الغيار وغيرها.. إن تطوير الاقتصاد ومزيد تحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق الهدوء الاجتماعي والرفاه المعيشي لا يمكن أن يتحقق دون نقل منظم ونظيف وآمن يسمح للمواطن بالتنقل في ظروف مريحة وفي الوقت المناسب ويسمح لمختلف الفاعلين الاقتصاديين بأداء مهامهم في أفضل الظروف.. أما إن تواصل الامر على ما هو عليه الآن خاصة بالنسبة لحالة اسطول الحافلات والقطارات وعربات المترو وتواصلت حالة الفوضى والتهميش في قطاع النقل الخاص المنظم، وتواصلت الصعوبات المحيطة بامتلاك سيارة خاصة، فإنه لا يمكن انتظار تحقيق النمو الاقتصادي المنتظر ولا الاستقرار الاجتماعي المنشود.. فاضل الطياشي