يضع الأهل نصب أعينهم عدّة أهداف منها النجاح في الدراسة ويرون أن تحقيق الثروة والشهرة والنفوذ من أهم الأهداف التي يجب على الأبناء الوصول إليها وفي ضوء هذا التفكير يجد التلميذ نفسه محاصرا بضغوطات ومطالب تفوق طاقته أحيانا فتوقعه في الاضطراب النفسي والسلوكي ويدخل دا ئرة الضياع والتشتت بين حقيقة إمكاناته الذهنية وقدرته الذكائية وبين رغبة الأولياء في جعل أبنائهم من الأوائل في المدرسة مهما كانت التكاليف فما هو رأي الطب النفسي في ظاهرة هوس الآباء بتفوق أبنائهم وكيف يتعامل الأولياء مع فشل صغارهم في الدراسة؟ وما هو تأثير الأهل على نجاح التلميذ وتفوقه. أسئلة طرحتها «الشروق» وبحثت فيها مع الأطراف المعنية. دروس خصوصة وأخرى للتدارك ومتابعة مكثفة من قبل الأولياء كل هذه الأساليب يتبعها الأهل حتى يضمنوا لأبنائهم ولأنفسهم النجاح الذي يرغبون فيه وبذلك يجدون أنفسهم في سباق غير معلن يتنافس فيه المتنافسون بإمكاناتهم المتاحة. يقول السيد خميس (أب لطفلين) يشتدّ ضيقي عندما يفشل أحد أبنائي في الدراسة وأشعر بألم معنوي كبير وأحاول قدر المستطاع إحاطة المشكل وأبحث عن الأسباب التي جعلت ابني يفشل في دراسته. أما «خميس» فيبرّر حرص الأولياء على نجاح أبنائهم برغبتهم في تعويض ما حرموا منه عندما كانوا صغارا ويؤكّد أنه شخصيا انقطع عن التعليم مبكرا وبالتالي حرم من تحقيق حلمه المتمثل في التخصص في المجال الطبي لذلك سيسعى إلى دفع ابنه للتخصص في المجال ذاته وبذلك فهو مستعد للانفاق عليه ومساعدته بشتى الطرق لتحقيق هذ الحلم. **تنافس بين الأولياء يبدو أن مسألة نجاح الأبناء في الدراسة تجاوزت الصغار المعنيين بالأمر لتصبح محلّ تفاخر وتنافس بين الأولياء ولهذا السبب نلمس الاهتمام المتزايد من قبلهم بموضوع نجاح أبنائهم وتفوقهم في الدراسة وهو ما يجعلهم يتقبلون فكرة إخفاق أبنائهم على مضض بل ربما يصابون بصدمات نفسية جزاء ذلك. ويقول السيد حبيب بلعترة في هذا الصدد أتأسف كثيرا لفشل أبنائي في الدراسة وحتى أتجنّب مرارة هذا الشعور أجتهد من أجل تمكينهم من الوسائل اللازمة للنجاح سواء ذلك بالدروس الخصوصية أو بمتابعته دروس التدارك. وعلى المنهج ذاته يسير السيد خليفة أب لثلاثة أطفال حيث يرى أن الولي نادرا ما يتقبل فكرة عدم نجاح ابنه ويذهب في اعتقاد بعض الأولياء أن فشل الأبناء في الدراسة عار على الأهل ومدعاة لسخرية وشماتة الآخرين لذلك يعمد الأولياء إلى تحميل أبنائهم وأنفسهم ما لا طاقة لهم به. ويضيف: «أنا شخصيا أتضايق كثيرا من عدم نجاح أبنائي وأعمد إلى توخي كل الطرق لدعمهم في الدراسة لأن نجاح الأبناء في نهاية المطاف هو نجاح الولي في أداء واجبه وتحقيق حلمه. أما السيدة مبروكة (موظفة ووليّة) تقول إنها تتأثر جدا ليس فقط بفشل أبنائها بل حتى بعدم إحرازهم على المرتبة الأولى وأنها تعرضت إلى وعكة صحية وأزمة نفسية أقعدتها الفراش نتيجة عدم حصول ابنتها على معدّل جيّد في الباكالوريا يخوّل لها دراسة الطب. وتضيف أن دراسة ابنتها للعلوم الطبيعية حرمها من حلم ظلّ يراودها طويلا في أن ترى ابنتها طبيبة لكن القدر لم يسعفها في تحقيق رغبتها ولهذا وجهت كل اهتمامها لابنها الذي لم يتخطى بعد المرحلة الثانوية لدعمه بالدروس الخصوصية حتى يتمكن من إنقاذ حلمها من الضياع. **رأي الطب النفسي لا شكّ أن هوس الأهل بنجاح أبنائهم له انعكاسات سلبية وللوقوف على هذه النتائج غير المحبذة والطريقة الصحيحة التي على الأولياء اتباعها في هذا الخصوص استأنسنا برأي السيد منذر جعفر مختص في العلاج النفسي والسلوكي حيث يوضّح المسألة بقوله: في خطإ فادح واعتقاد خاطىء يتمثل في سقوطهم في فخ «سباق الأوائل» فيحولون حياة أطفالهم إلى ما يشبه المباراة الطويلة من أجل إحراز المرتبة الأولى وكل هذا يقع على حساب قدرة الطفل النفسية والذهنية فحرص الولي على نجاح ابنه وحصوله على معدّل جيّد يجعل التلميذ مشتّتا ومنهكا وغير قادر على مواصلة المشوار بفعل الضغط النفسي الذي يقع تحت طائلته. كما أن فرض فئة أخرى من الأهالي على أطفالها تحقيق الطموح الذي عجزت هي عن الوصول إليه في طفولتها وإرغامهم على تعلم أشياء لا يحبونها أو تحويلهم إلى نماذج مصغرة عنها فتتوقع أن يصير الطفل محاميا أو مهندسا أو أستاذا أو طبيبا كوالده أو كما كان يريد أحد والديه أن يكون وينهار بعض الأطفال أمام هذه الضغوط فيصاب بعضهم باضطرابات عقلية ويؤدي كبت المشاعر عند جزء آخر إلى تزايد شعوره بالخوف مما قد يدفعه إلى الانتحار أو الانقطاع تماما عن الدراسة لمجرد أنه لم يحقق ما كان يرجوه منه والداه. ولتفادي مثل هذه الانعكاسات السلبية على الأولياء أن يضعوا في اعتبارهم ميولات أطفالهم وقدراتهم الذهنية وأن المدرسة ليست ساحة للسباق وإنما هي قطاع للتعلّم وأن مراحل التعليم هي فرصة أمام التلاميذ للإبحار في تحصيل العلم وتفجير مواهبهم المختلفة في شتى المجالات. وبناء عليه على الأسر منح أطفالهم فرصة اختيار ما يرغبون في تعلمه وأن يراعوا قدراتهم الذهنية أولا وآخرا. * ناجية المالكي