يسيطر هذه الأيام احساس لدى الفنانين بأن الأغنية التونسية تمر بأزمة بل أزمات، ومؤشرات هذه النكسة التي تعيشها أغنيتنا كثيرة ومتنوعة... لعل أول هذه المؤشرات غياب شبه كلّي للانتاج التونسي الجديد على أمواج الاذاعات وعلى شاشة التلفزة التونسية بقناتيها (قناة 7 وقناة 21). لمؤشر الثاني عزوف شركات الكاسيت على اصدار أشرطة للمطربين التونسيين، حتى التي تقتنيها بشكل مجاني او مدعمة من قبل الوزارة، فانها تبقى في الانتظار وأغلبها لا يرى النور. ظاهرة مؤشر آخر لا يقل أهمية عن المؤشرين السابقين، السيطرة المطلقة للاصوات الشرقية (مصرية ولبنانية وغيرها...) على المهرجانات والحفلات العامة، وحتى على بعض الفضاءات التلفزية الخاصة بالأغاني. ظاهرة أخرى ملفتة للانتباه، ودليل صارخ على ما تعانيه أغنيتنا من أزمات اختفاء بعض الأصوات التي كان لها حضور بارز في الساحة، وفازت بعديد الجوائز في مهرجان الأغنية التونسية، مثل المطرب فيصل رجيبة والمطربة سهام قريرة والمطرب منير المهدي، أيضا الشاذلي الحاجي وعبد الوهاب الحناشي، فضلا عن انسحاب نجاة عطية التي مازلنا ننتظر العودة التي أعلنت عنها... صمت وانسحاب الصمت والانسحاب شمل أيضا الملحنين والشعراء، فأين محمد علام والناصر صمود ومحمد صالح الحركاتي وعبد الكريم صحابو، وأين الجليدي العويني والبشير اللقاني والحبيب المحنوش وحسن المحنوش... الظاهرة خطيرة وتهدد ركيزة من ركائز الثقافة التونسية، ولابد من وقفة عاجلة وحازمة للنهوض بهذا القطاع الحيوي. صحيح ان بعض الأصوات وجدت الحل الفردي، بالرحيل والاقامة في مصر أو في لبنان، لكنه يبقى حلا وقتيا وظرفيا وخاصا جدا، فلا يعقل ان تهاجر كل الأصوات ثم الهجرة قد تنفع المطرب المهاجر، ولكنها لن تفيد في شيء الاغنية التونسية، فالراحلة ذكرى اشتهرت وحققت النجومية العربية، لكنها لم تضف شيئا للأغنية التونسية... اذن المطلوب التفكير في حلول جذرية وفي تحرك شامل للنهوض بأغنيتنا، وهو مجهود يحتاج الى تظافر كل الطاقات، ومساهمة جميع الاطراف، صحيح ان الوزارة تقوم بعمل كبير من أجل دعم الأغنية، لكن عملها يبقى دون جدوى اذا لم تساهم بقية الاطراف وخاصة تلك المسؤولة على انتاج وترويج الأغنية مثل شركات الكاسيت والاذاعة والتلفزة التونسية، وأيضا المهرجانات والجهات المنظمة للحفلات العامة.