يوما بعد يوم تكتسب الفتيات عادات جديدة وغريبة أحيانا تحملها من عالم الهدوء والنعومة الأنوثة إلى عالم الخشونة والشدة. فبعد ان اقتحمت المرأة ميدان ترويض بعض الحيوانات المفترسة ومعاشرة بعض الزواحف الخطيرة وبعد ان رفعت راية امساواة بينها وبين الرجل سواء في اللباس أو لارتياد أماكن كانت حكرا على الرجال أو دخول ميادين ظلت لعقود طويلة من اختصاص الرجل فقط اقتحمت ميدان الرياضة وممارسة بع الألعاب. ولعلّ ظاهرة احتراف النساء في لعبة كرة القدم يشكل دليلا واضحا على تغير جذري في تركيبة المرأة الجسدية والنفسية. والأمر لم يتوقف عند حد احتراف لعبة كرة القدم وممارستها في الملاعب وفي اطار منظم بل تعدتها إلى بروز ظاهرة جديدة تمثلت في انضمام الفتيات إلى فريق من الأولاد ومشاركتهم اللّعب في بطحاء الحي. «الشروق» رصدت الظاهرة وتحدثت إلى عدد من الفتيات عن سرّ شغفهن بهذه اللعبة ومعرفة انطباعاتهن حول هذا التحول السلوكي الذي تتبعه بعض الفتيات. هدى فتاة بلغت للتوّ مرحلة المراهقة أبدت شغفا لا مثيل له بممارستها للعبة كرة القدم في بطحاء الحي صحبة اخوتها الذكور ولفيف من الأصدقاء والصديقات وتقول عن ممارسة هذه اللعبة من قبل بعض الفتيات «أظن ان تقليد الفتيات للفتيان في كل الأمور ورغبتهن في محاكاتهم في كل التصرفات وراء انسياق الفتيات لممارسة لعبة كرة القدم. **رغبة في التحدّي عدد الفتيات اللاتي يمارسن لعبة كرة القدم في تزايد والكل تحدوهن الرغبة في كسر الصورة النمطية للفتاة الخجولة التي تبدو سهلة الانقياد والتوجيه. تقول فداء السماتي إنها تعشق لعبة كرة القدم وتحرص على مشاهدة كل المقابلات وخاصة تلك التي يخوضها فريق الترجي الرياضي التونسي اضافة إلى أنها تشارك أترابها من متساكني الحي في لعبة كرة القدم. وتبرر غرامها بهذه اللعبة برغبتها في أن تكون نشيطة وذات بنية جسدية قوية، أما بخصوص التعاليق التي تسمعها من أبناء الحي فتقول إنها لا تكترث بما يقال وتمضي في تنفيذ هدفها المتمثل في اكتساب المهارة الكافية للالتحاق بفريق نسائي مختص في لعبة كرة القدم. وتضيف أن والدتها تشجعها على ذلك وترغب هي بدورها في مشاهدة ابنتها تتمتع بلياقة بدنية وذهنية غالية. رجاء أيضا من المغرمات بلعبة كرة القدم وتقول أنها تسعى للمشاركة في بعض المباريات رفقة زملائها الأولاد ولكن لا تواجه أسرتها بأمر هوايتها خوفا من ردّة فعلهم ورفضهم لهذا الأمر رفضا قاطعا. **أنوثة مهدّدة وتعتبر وفاء بن سالم وعبير المزي ان ممارسة البنات للعبة كرة القدم كارثة تهدد انوثتهن وتحولهن إلى فتيات «مسترجلات» تطغى عليهن ملامح الخشونة والشدة وتضيف عبير أنها من بين الفتيات اللاتي يكرهن هذه اللعبة لأنها تغتال رقّة الفتاة وتحولها إلى متعجرفة وقاسية. وتضيف انها تتأسف كثيرا عندما تشاهد بعض الفتيات وقد نزعن ثوب الخجل والرقة وارتمين في عالم الذكور سواء من حيث اللباس وقصة الشعر والتصرف والتدخين وتبادل الشجار والكلمات النابية مع الذكور وهذا دليل واضح على أن فتاة اليوم في مواجهة خطيرة مع عادات جديدة وخطيرة تتربص بأنوثتها وحياتها كامرأة. ندى عميرة أيضا تقر أنها ترفض جملة وتفصيلا فكرة ممارسة الفتاة للعبة كرة القدم على الرغم من الايجابيات التي يمكن أن تجنيها منها كالحفاظ على لياقتها البدنية والبعد عن الخمول والكسل. ورفضها يأتي من اقتناعها أن احتكاك الفتاة بالأولاد وممارسة ألعابهم يمكن أن يؤدي بها إلى الاتصاف بالخشونة والعنف كما يمكن أن يسبب لها بعض الانحرافات السلوكية الخطيرة. **محاولة لاثبات الذات يؤكد السيد منذر جعفر مختص في علم النفس السلوكي أن ميل الفتاة إلى بعض الألعاب العنيفة والتي تحتاج إلى قوة جسدية خاصة هو نوع من التعبير عن الذات الرافضة لطبيعة المرأة ولقوانين المجتمع وعاداته التي تنزل المرأة مكانة معينة وتقصيها من بعض الأعمال والممارسات التي يقوم بها الرجل بدعوى أنها غير قادرة وغير مؤهلة لأداء مثل هذه الأعمال والنشاطات. فتسعى هي بدورها إلى اثبات قدرتها على تخطي هذه الحدود التي رسمها لها المجتمع وتحاول بشكل أو بآخر ايصال هذا التحول الجديد في حياتها بتقمصها لعديد الأدوار واقتحام المجالات الرجالية. * ناجية المالكي