تعتبر القدوة الحسنة من أكثر اساليب التربية نجاحا وتأثيرا في سلوك الاخرين، فهي المثال الواقعي للسلوك التربوي المستقيم، وهي التي توفر للناس القناعة بأن بلوغ الفضائل التي تتحلى بها القدوة الحسنة امر ممكن وقابل للتطبيق في واقع الحال، وهي التي تردّ زعم بعض المتباطئين الذين يشككون في قدرة الانسان على بلوغ القيم الراقية والمثل العليا. فإذا شاهد هؤلاء بعض الناس قد ترقوا بأنفسهم الى تلك المثل سهل عليهم ان يطوعوا قدراتهم حتى يكسبوها المهارات المطلوبة التي تؤهلهم لمحاكاة تلك القدوة من خلال المعالجة والمحاكاة والتدريب والتهذيب. فالمنهج التربوي مهما كان متكاملا، وخطته محكمة فإنه لا يغني عن وجود واقع تربوي يمثله انسان مرب فاضل يحقق بسلوكه وتصرفاته واسلوبه التربوي كل الاهداف والمقاصد التربوية التي يهدف اليها ذلك المنهج، لذلك بعث الله تعالى عبده ورسوله محمدا ص ليكون قدوة للناس ليحقق المنهج التربوي الاسلامي في واقع الناس فقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراص (الاحزاب 21). ففي هذه الآية توجيه من الله تعالى للمؤمنين ليجعلوا رسول الله ص قدوة حسنة لهم يقتدون به في اعماله واقواله. واخلاقه، وتعامله مع الناس فهو خير قدوة يقتدي بها الافراد الطامحون لبلوغ ذروة الكمال الانساني في السلوك والاخلاق.اقتدوا به وهذا ما لمسنا اثره في حياة الصحابة الكرام الذين اقتدوا برسول الله ص وقلدوه في سلوكه فاذا بهم يصبحون نماذج ماثلة للكمال الانساني من خلال تلك التربية النبوية ا لتي جعلتهم امثلة رائعة يقتدي بها الطامحون للعلى في معظم الفضائل الفردية والاجتماعية. وقد أبرز القرآن الكريم تلك ا لصورة المشرقة للنبي ص مع صحابته الكرام ابرزها لهذه الامة لتكون القدوة المتكاملة ليبادر الناس الى تلمس هداها والسير على منهاجها فقال تعالى: ژمحمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل...ص (الفتح 29). كما نبه القرآن الكريم المؤمنين الى ضرورة الاقتداء بالرسل والانبياء السابقين وعلى رأسهم ابو الانبياء ابراهيم عليه السلام فقال تعالى: ژقد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك وما املك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا واليك انبنا وإليك المصيرص (الممتحنة 40). وكذلك ابرز لنا القرآن الكريم من خلال قصصه عن الرسل والانبياء الكرام الكثير من مواطن القدوة في حياتهم خاصة في صبرهم وجهادهم الى غير ذلك من المواضيع التي يضيق المقام عن ذكرها هنا، ولكن حسبنا في هذه العجالة ان نشير الى امر غاية في الاهمية وهو اثر القدوة في تربية الاطفال فهم الاكثر ميلا الى التقليد والمحاكاة. أمر مهم واثر القدوة في حياتهم جد خطير، لذلك نبه القرآن الكريم الآباء الى امر مهم يتعلق بتربية ابنائهم وهذا الامر يتخلص في ضرورة التوازن في تربية الاولاد بين الجانب العاطفي والجانب التربوي، فإن اشباع غريزة الابوة المتمثلة في الحب والحنان والعطف يجب الا يشغل الاباء عن ان يكونوا قدوة صالحة لابنائهم فقال تعالى في وصف عباد الرحمان ژوالذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماماص (الفرقان 74). فوصف الله عباده المؤمنين بأنهم يرغبون في ان تقر اعينهم بالزواج والولد، كما يرغبون في ان يكونوا قدوة صالحة واماما للمتقين. فلابد للطفل من قدوة يراها في ابويه لكي يتشرب منذ طفولته المبادئ الاسلامية وينهج على نهجها الرفيع لذلك كان الرسول الاعظم ص المثل الاعلى للقادة وللازواج وللاباء في حسن المعاملة مع الصغار والكبار. والاصحاب والجيران وكان المثل الاعلى في الصبر على الشدائد والتحمل والثبات مهما بلغت الخطوب وما اجمل هذا المثال في بيان اثر القدوة في تربية الاطفال فقد اخرج البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند خالتي ميمونة ليلة، فقال النبي ص: فلما كان في بعض الليل قام رسول الله فتوضأ من شن معلق وضوءا خفيفا ثم قام فصلي. فقدمت فتوضأت نحوا مما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره فحولني فجعلني عن يمينه ثم صلى ما شاء الله» فقد توضأ هذا الطفل على نحو ما رآه من رسول الله ص ثم وقف يصلي... وهكذا تكون القدوة الحسنة المؤثرة في الطفل.