الدكتور محمد حسين فنطر من كبار خبراء الآثار في المتوسط يشرف منذ ثلاث سنوات تقريبا على «كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديان» مع تواصل بحوثه ودراساته في مجال الآثار والتاريخ القديم وخاصة المرحلة الفنيقية التي يعدّ واحدا من كبار المختصين فيها في العالم. «الشروق» التقته في هذا الحوار: * المعروف ان الصحراء وتحديدا في وجهها العربي في تونس حديثة مع دخول الهلاليين. انت مختص في الآثار كيف ترى طبيعة الحياة في هذه المناطق في عصور قديمة؟ لاشك ان هذه الربوع ربوع عريقة في التاريخ ومعروفة وبصمات الانسان فيها تعود الى العصور الحجرية وهناك قرى ومدن كانت قبل ان يكون الفتح العربي. لها تقاليدها ورصيدها الحضاري القديم والعروبة والاسلام ساهما في اثراء هذا الرصيد. لم يكن تأسيس الرصيد مع الفتح العربي الاسلامي بل الرصيد موجود ومن غير شك الذي منحه روحا جديدة هو الاسلام بما يتضمنه من حضارة عربية وحضارة اسلامية لان الحضارة العربية ليست فقط التي اتت من الجزيزة العربية بل هي رصيد ايضا مما كان موجودا... مثل الشعوب التي كانت تعيش في سوريا والعراق عندما نقول الكوفة او البصرة فلاشك ان كلتاهما مدينة حديثة بالنسبة لرصيد العراق. لكنها استفادت من الرصيد القديم بل حتى الاسلام نفسه استفاد من الرصيد القديم في وادي الرافدين او في بلاد كنعان. الشام ولبنان والاردن... هناك تراكم وتفاعل بين كل هذه العناصر الحضارية التي جعلت الاسلام يسود. الاسلام لم يخرج هكذا من الصحراء كأنه معجزة بل يمثل مرحلة من مراحل تطوّر البشرية ويمثل رؤية جديدة لكنها تستند الى عناصر قديمة. الاسلام من القديم صنع الجديد وهذا يصحّ على الصحراء في منطقة دوز وقبلي وتوزر.. هذه كلها مدن قديمة ويكفي ان نعود الى الاكتشافات التي تم ضبطها في القرن 19 وفي بداية القرن العشرين. هذه الاكتشافات تبيّن ان هناك آثارا في سوق الاحد وتلمين تؤكد وجود حضارة كبيرة... في احد مساجد تلمين مثلا هناك آثار تعود الى عهد الرومان. وهنا افتح قوسا وأقول ان الرومان ليسوا فقط الذين قدموا من روما بل اهم اجدادنا بعد ان اصبحت الرومنة حضارة لهم. نحن ساهمنا في بناء الرومنة اي في اعطائها صورة مشهد الحضارة الرومانية ساهم اجدادنا في تصويره في وضع اشكاله وألوانه. ينبغي اذن ان لا نعتبر ان هذه المنطقة جاءها العرب وفتحوها وروّضوها قسرا وأدخلوا الحضارة لها الجمل قديم والفرس قديم. اعتقد شخصيا ان مهرجان دوز فيما يتعلق بتلك المشاهد التي تقدّم للجمهور يمكن ان نجد في النصوص القديمة بعض العناصر التي يمكن ان يستخدمها الفنان لوضع مشاهد جديدة وأنا اقترح في كل دورة للمهرجان ان تقدّم مشاهد جديدة حتى يكون فيه التواصل والتفرد في آن واحد. ثم ان المحاضرات التي القيت في هذه الدورة والتي قبلها الصحراء والانسان معرفة لكسب المهارات وحسن التصرف اي عندما يطّلع الجمهور على هذه الفعاليات يستوحي منها مشاهد. حدّثنا احد الاصدقاء هو الدكتور الحوسي في رحلة قام بها فرمنتان في القرن 19 يصف فيها الحصان والسرج والفارس كل هذا يمكن ان يصبح منطلقا لوضع مشاهد اخرى تغري الجمهور. الجمهور يجب ان يبقى مشدودا للمشهد الجديد الذي سيراه في السنة المقبلة حتى لا تكون هناك روتينية او تكرار. * انت من الخبراء في منطقة المتوسط في مجال الآثار في رأيك اي منطقة لم تكتشف بعد في تونس؟ بالنسبة لتونس نستطيع ان نقول ان كامل الجمهورية تمت تغطيتها لكن تغطية غير كاملة. ليست هناك منطقة يمكن ان نقول ان البحث الاثري فيها انتهى حتى في قرطاج التي تعتبر من اكثر المناطق التي عمل فيها الآثاريون بحثا وتنقيبا فمناطق القصرين والسباسب العليا وقبلي ومدنين وتطاوين مازالت تحتاج الى درس وتنقيب وينبغي ان تتكوّن فرق لتتولى التعرف على كنوزها التراثية سواء مادية او غير مادية من تقاليد وفنون شعبية وغيرها. ينبغي ان لا نكتفي بالجمع. اي لابدّ للفنون الشعبية مثلا من قواعد حتى تصبح فنونا وليس فنا فلكلوريا هذه الفنون التي نطرب اليها مازال يعوزها ما نسميه بالنحو والصرف. * بعد انهيار الدولة العراقية يوم 9 افريل تعرضت الآثار في العراق الى سرقات منظمة هل تستطيع تقدير حجم ما نهب من العراق؟ ما حصل في العراق كارثة لاشك ان متحف بغداد تعرض الى نكبة تذكرنا بعبث هولاكو في بغداد انا شخصيا يعسر عليّ تقدير الخسارات وحتى العراقيين اعتقد انهم عاجزون عن ضبط تلك الخسارات. الشيء الثاني هو المواقع الاثرية التي اصيبت. ما يمكن قوله ان ما تم انجازه في عقود من التاريخ اصيب بنكبة كبيرة لكن هذا لا يمنعنا من الامل. لان في العراقيين رجالا ونساء من هو قادر على تضميد الجراح وان يعيد لمتحف بغداد روعته وان هناك عطفا عالميا على ثقافة العراق حتى الولاياتالمتحدة لا ينبغي ان نصوّر الولاياتالمتحدةالامريكية كوحش فقط فهناك علماء في امريكا تألموا لما اصاب العراق ولاشك ان هذه المصيبة عربية تخدش كبرياء العروبة بصفة عامة لذلك على العرب ان يستيقظوا وان يقوموا بدورهم وان يؤمنوا انه حان الوقت للعمل وان يدخلوا في دائرة الحداثة بصدق وأمان.