عاصر ابن خلدون التقلبات السياسية في المغرب العربي والأندلس ومصر مما مكّنه من دقة الملاحظة ومنح نظريته في العمران البشري وفي أسباب رفعة الدول وتقهقرها رؤية واقعية نابعة من تجربة حياتية دقيقة. «فقد تزامنت ولادة ابن خلدون سنة 1332 مع تفكك دولة الموحّدين التي كانت تمتدّ منذ سنة 1160 على الأندلس وكامل شمال افريقيا وشكّلت واقعة العقاب سنة 1212 تحوّلا هاما في تاريخهم وبرزت أربع دول في أواسط القرن الثالث عشر الخلافة الحفصية في تونس وامارة بني نصر في غرناطة وامارة بني مرين في فاس وامارة بني عبد الواد في تلمسان. وكان الحفصيون يحكمون افريقية باسم الموحّدين لكنهم استقلوا بالحكم في عهد ابي زكرياء (1228 1249) وأعلن ابنه وخلفه نفسه خليفة وتلقب بالمستنصر (1249 1277) ولقد حاولوا بدورهم توحيد المغرب انطلاقا من تونس لكنهم لم يتمكنوا من المحافظة الا على جهة قسطنطينية وبجاية اما امراء فاسوتلمسان الزنتانيين فإنهم (لم يتخلّصوا تماما من تقاليدهم القبلية المعارضة للدولة رغم عظمة المرينيين التي لم تدم طويلا). وفي حين مازال ابن خلدون يطلب العلم حاول المرينيون في عهد ابي عنان ان يستولوا على كامل بلدان المغرب فاحتلّوا تونس مرتين لقد كان مصير الغرب المتقلّب موضوعا لتأمّلات «ابن خلدون الذي عاش في هذا المناخ المضطرب وتنقل بين الدول والسلاطين وضلع في صياغة ونسج التوازنات السياسية التي تهدف الى تجنيد القبائل البدوية والزج بها في الحروب التي كانت مهيئة لها دائما. فقد كانت الحدود بين مناطق النفوذ الثلاث في عهد ابن خلدون في الجزائر حدودا غير مستقرة وعندما كان عمره خمسة عشر عاما وهي بداية سن النضج والتحصيل اصبحت تونس تحت حكم السلطان أبي الحسن الحفصي الذي كان في بلاطه عدد من العلماء المغاربة الذين كان لهم دور كبير في التكوين العلمي لابن خلدون في هذه الجغرافيا السياسية وفي هذا المناخ الاجتماعي عاش ابن خلدون. يتبع