تتراوح تكلفة الانتخابات، حسب المعايير الدولية بين 8 و12 دولارا للناخب، ولمجابهة هذه التكاليف قد تحصل تونس على مساعدات مالية من الخارج لانجاح الانتقال الديمقراطي. ذكرت مصادر مطّلعة أن مبلغ 10 مليارات من المليمات الذي حصلت عليه الهيئة المستقلة للانتخابات من الحكومة منذ أكثر من شهر هو مبلغ «متواضع» مقارنة مع النفقات التي ستتحمّلها الهيئة لانجاح العملية الانتخابية. وكان البنك المركزي التونسي قد قام منذ مدّة بعملية تحويل من حساب الدولة لحساب الهيئة المستقلة للانتخابات بمبلغ 10 مليارات بعنوان «تسبقة على ميزانية الهيئة» في انتظار تحويل مبالغ أخرى ضمن الميزانية التي ستقرّر الحكومة رصدها للهيئة. وينص مرسوم 18 أفريل المحدث للهيئة على أن لها ميزانية خاصة ترصدها لها الدولة وتحمل مصاريفها على حساب مفتوح باسمها. سيتواصل عمل الهيئة المستقلة للانتخابات الى حدود الاعلان عن نتائج انتخابات المجلس التأسيسي... وقد شرعت في عملها منذ ماي الماضي وبذلك يمكن القول إن مدّة وجودها ستكون في حدود ستة أشهر تقريبا. وطوال هذه المدّة تتولى الهيئة الاعداد للعملية الانتخابية بدءا بتسجيل الناخبين وصولا الى تنظيم يوم الاقتراع والاعلان عن النتائج ومرورا بتنظيم مسألة الترشحات. وحسب التجارب العالمية، فإن عمل الهيئات واللجان المكلّفة بالانتخابات في الدول الديمقراطية يتطلب ميزانيات ضخمة بالنظر الى النفقات المطلوبة طوال مراحل العمل المذكورة آنفا وضمانا لكل أسس الشفافية والمصداقية والديمقراطية. 100 مليار في الدول المتقدمة والديمقراطية يقع ضبط الميزانية المخصصة لكامل العملية الانتخابية بمناسبة انتخابات ما باحتساب مبلغ معين لكل ناخب، ويتراوح هذا المبلغ من دولة الى أخرى، لكن يوجد معدل عالمي لا يجب النزول دونه اذا ما رغبت الدولة في القيام بانتخابات شفافة وديمقراطية...ويتراوح هذا المعدّل بين 8 و12 دولارا تقريبا للناخب الواحد (بين 11 و16 دينارا تونسي)... أن يكون هذا المبلغ أرفع بكثير. وتقول مصادر قريبة من الهيئة المستقلة للانتخابات إنه قد يصل الى 30 دولارا للناخب الواحد. وحسب خبراء الشأن السياسي فإنه كلما كانت تكاليف الانتخابات مرتفعة كلما ضمنّا أكثر أسباب الديمقراطية خاصة في حالة الانتقال الديمقراطي، كما هو الحال في تونس. وإذا طبّقنا هذه التقديرات على انتخابات المجلس التأسيسي في تونس، فإن الميزانية التي يجب تخصيصها لها ستتراوح (حسب المعدل الدولي) بين 80 و110 مليارات من مليماتنا (بحساب 7 ملايين ناخب) وهو ما يؤكد أن مبلغ 10 مليارات الذي حصلت عليه هيئة كمال الجندوبي بعنوان تسبقة يعتبر ضعيفا. صعوبة هل ستوفر الحكومة المؤقتة هذا المبلغ لفائدة الهيئة المستقلة للانتخابات بعنوان ميزانية انتخابات المجلس التأسيسي وفق ما تقتضيه المعايير الدولية؟ هو بالفعل سؤال وجيه ومحيّر في الآن نفسه. فإنجاح العملية الانتخابية الديمقراطية الأولى في تونس يتطلب من الحكومة المؤقتة توفير كل أسباب النجاح وأهمها الجانب المالي (النفقات) بالإضافة إلى الجانب التنظيمي والأمني. فالهيئة المستقلة للانتخابات عندما تجدُ تحت تصرفها ميزانية محترمة فمن الطبيعي أن توفّر كل أسباب نجاح العملية الانتخابية على غرار توفير العدد اللازم من العاملين لديها ومن التجهيزات الضرورية ومن الوثائق والأوراق المعتمدة إلى جانب توفير الجانب الرقابي واللوجستي لحسن سير عملية الاقتراع والفرز وإعلان النتائج وبالتالي ضمان الشفافية والديمقراطية. غير أن هذا السؤال يصطدم بواقع من نوع آخر وهو القدرة المالية لحكومة قائد السبسي، فحسب مسؤولي الحكومة تمر ميزانية الدولة اليوم بظروف استثنائية قد تجعل من الصعب إن لم نقل من المستحيل توفير مبلغ كهذا للهيئة المستقلة للانتخابات لإنجاح انتخابات 23 أكتوبر القادم. وهو ما قد يدفع إلى النزول بالمبلغ التقديري الدولي إلى مبلغ أقل ويذهب البعض حد القول إنه مهما تم النزول بهذا المبلغ فإنه قد يصعب على الحكومة توفيره وهو ما من شأنه التأثير على جودة العملية الانتخابية ويقلّل من نسبة الديمقراطية فيها. مساعدة يبقى الأمل لضمان أقصى ما يمكن من نجاح للعملية الانتخابية من الناحية المادية هو ما قد تقدمه الدول الأجنبية لتونس من منح ومساعدات مادية يقع تقديمها عادة للدول التي تحدث فيها ثورات وذلك لمساعدتها على عملية الانتقال الديمقراطي وبالنسبة لتونس عبّرت عدة أطراف ودول أجنبية عن رغبتها في مد أقصى ما يمكن من مساعدة لإنجاح المسار الانتخابي في تونس ومن ورائه المسار الديمقراطي.. وهذا ما قد يؤدي إلى توفير ميزانية محترمة للعملية الانتخابية المنتظرة في 23 أكتوبر بما يساعد على إحاطتها بالشفافية والنزاهة والديمقراطية.